وسط بيئة للعنف والفوضى.. المرصد السوري: خطاب الكراهية يهدد استقرار المجتمع

وسط بيئة للعنف والفوضى.. المرصد السوري: خطاب الكراهية يهدد استقرار المجتمع
سوريا - أرشيف

في ظل الوضع السياسي المتغير في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، عبّر المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان له الأربعاء، عن قلقه العميق إزاء تصاعد حملات التحريض الموجهة ضد شخصيات وموظفين وعاملين سابقين في مؤسسات الدولة.

وأشار المرصد السوري إلى أن هذه الحملات لم تعد مجرد كلمات أو منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، بل تحولت إلى أداة خطيرة تهدد السلم الأهلي وتزيد من احتمالات الانزلاق نحو المزيد من العنف والفوضى، خصوصاً مع ضعف الرقابة القانونية على مرتكبي هذه الجرائم.

التحريض والخطر المتنامي

بحسب المرصد، تكشف التطورات الأخيرة عن ازدواجية واضحة في تعامل السلطات السورية مع القضايا الأمنية والقانونية، ففي الوقت الذي تُهمل فيه متابعة ومحاسبة من يطلقون خطاب التحريض على القتل والانتقام، يتم اتخاذ إجراءات مشددة وسريعة تجاه قضايا أقل خطورة ولا تشكل تهديداً مباشراً للسلم الأهلي.

ويعكس هذا النمط غياب العدالة المتوازنة ويثير التساؤل حول الأولويات الحكومية وغياب سياسات واضحة لمكافحة التحريض وخطاب الكراهية.

مع استلام هيئة تحرير الشام السلطة في ديسمبر 2024، برزت حالة من الانقسام المجتمعي داخل سوريا، إذ اتسمت سياسات الهيئة بالذهنية المتطرفة التي تجاهلت التعددية الطائفية والاجتماعية في البلاد.

وهذا الوضع ساهم في تغذية النزعات الطائفية داخل المجتمع، وأصبحت الجامعات والمجالس المحلية بيئات معرضة للتجييش والتحريض، ما يهدد دورها التقليدي كمؤسسات علمية وثقافية حاضنة للانفتاح والحوار.

اغتيالات تثير القلق

لقد برزت حالات اغتيال عديدة في الأسابيع الأخيرة، أبرزها مقتل عضو مجلس الشعب السابق في بانياس بعد حملة تحريض واسعة استهدفته، بالإضافة إلى حادثة القتل في دير عطية في الثالث والعشرين من نوفمبر 2025 في ظروف مشابهة، إضافة إلى عشرات الحالات الموثقة في مناطق متعددة من البلاد، وتظهر هذه الحوادث كيف يمكن لخطاب التحريض أن يتحول بسرعة إلى أعمال عنف فعلية، ما يضع المجتمع السوري في دائرة مستمرة من الخطر وعدم الاستقرار.

رغم خطورة هذه الحملات وما تخلقه من بيئة خصبة للجرائم الانتقامية، فإن السلطات السورية لم تتخذ حتى الآن خطوات فعالة لمحاسبة المحرضين أو الحد من انتشار خطاب الكراهية، ويطرح هذا التساهل أسئلة أساسية حول دور الدولة في حماية المواطنين: لماذا لا يتم تقديم المتورطين في التحريض إلى القضاء بشكل قانوني وعلني لمعالجة الاتهامات؟ ولماذا لا تتخذ السلطات إجراءات رادعة تمنع استمرار خطاب الكراهية الذي يهدد السلم الأهلي في سوريا؟

ويشدد المرصد السوري على أن مكافحة التحريض وخطاب الكراهية تمثل خطوة جوهرية في أي مسار للعدالة الانتقالية، فاستمرار التساهل مع هذه الظاهرة يشجع على المزيد من الانتهاكات ويقوض إمكانية ترسيخ المحاسبة وحماية المدنيين، ويعتبر المرصد أن وقف التحريض هو حجر الزاوية في بناء مجتمع يسوده القانون والسلم الأهلي، حيث يمكن للعدالة أن تمنع دوامة الانتقام التي أثقلت كاهل المجتمع السوري لعقود.

طالب المرصد السلطات السورية بفتح تحقيقات شفافة في كل جرائم التحريض والقتل المرتبطة بها، ومحاسبة جميع المتورطين دون تمييز، مهما كانت مكانتهم أو صفتهم، كما يشدد على ضرورة ضمان حق جميع الأطراف في محاكمة عادلة وفق القانون، بما يشمل إمكانية الطعن والتقاضي أمام القضاء المستقل. ويؤكد المرصد أن احترام هذه المبادئ يمثل السبيل الوحيد للحفاظ على السلم الأهلي ووقف دوامة العنف والانتقام المستمرة منذ سنوات.

تحديات التعليم والمجتمع المدني

يُضاف إلى المخاطر الأمنية تحديات اجتماعية وثقافية تتعلق بانزلاق الطلاب والشباب إلى دوامة التحريض الطائفي، خصوصاً في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وهذه المؤسسات التي يفترض أن تكون فضاءات للحوار والانفتاح، أصبحت معرضة للتجييش والتأثيرات السياسية التي تزيد من الانقسامات المجتمعية.

كما تواجه منظمات المجتمع المدني صعوبات في العمل ضمن بيئة مشحونة بالتهديدات، ما يحد من قدرتها على حماية المواطنين أو نشر الوعي بحقوق الإنسان.

تؤكد جميع المؤشرات أن استمرار خطاب الكراهية والتحريض قد يؤدي إلى تصعيد أكبر في أعمال العنف، بما في ذلك انتهاكات تستهدف أفراد المجتمع المدني والموظفين السابقين في الدولة.

وتؤكد شهادات السكان وعمليات الرصد الميداني أن هذا التحريض لا يقتصر على كلمات أو منشورات، بل يتجاوز ذلك إلى التخطيط الفعلي للاغتيالات والاعتداءات، وهو ما يضع المجتمع في حلقة مفرغة من العنف لا تنتهي إلا بمحاسبة حقيقية للمحرّضين.

توصيات المرصد السوري

ودعا المرصد السوري المجتمع الدولي والسلطات السورية على حد سواء إلى العمل العاجل لوقف التحريض وخطاب الكراهية، وإلى تعزيز أدوات الرقابة القانونية على كل من يطلق هذه الحملات. 

كما يقترح المرصد إنشاء آليات مستقلة لتوثيق الانتهاكات والتحريض، مع ضمان وصول هذه المعلومات إلى القضاء والجهات المعنية لضمان اتخاذ إجراءات رادعة، ويرى المرصد أن هذه الخطوات لا تمثل فقط حماية للمواطنين، بل جزءا أساسيا من جهود إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع بعد سنوات من الصراع.

يذكر أنه عقب أحداث السويداء، أفتى مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا بتحريم الخطابات التحريضية وتحريم الاعتداء على أي سوري، وقال إنه يجب على الدولة شرعاً حماية جميع المواطنين وبسط الأمن ومنع الفتنة.

وأكد المجلس بوجوب التمييز في التعامل بين من يستقوي بالعدو، وبين أبناء المجتمع، وحرمة الاعتداء على أي سوري، من جميع المكونات والطوائف، في جميع المناطق والمؤسسات والمرافق والأحياء.

بعد سقوط نظام بشار الأسد، دعت الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الحقوقية إلى ضرورة تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا، مؤكدين أن معالجة الجرائم المرتكبة خلال السنوات الماضية لا تقتصر على محاسبة المسؤولين المباشرين، بل تشمل أيضاً التصدي لخطاب التحريض الذي يستهدف شخصيات وموظفين وعاملين سابقين في مؤسسات الدولة.

انقسامات طائفية وسياسية

شهدت سوريا منذ بداية الحرب في 2011 موجات متكررة من الانقسامات الطائفية والسياسية، مع تراجع دور الدولة المركزي في فرض القانون والنظام، بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، تولت هيئة تحرير الشام سلطات واسعة في مناطق متعددة، ما ساهم في تغذية التوترات الطائفية وتعزيز خطاب الكراهية بين مختلف المكونات الاجتماعية.

وتعتبر حملات التحريض واستهداف الموظفين السابقين في الدولة جزءا من هذا السياق، حيث تحولت بعض مناطق البلاد إلى بيئات ملتهبة يسودها الفلتان الأمني والعنف الانتقامي، ويؤكد خبراء حقوق الإنسان أن وضع حد للتحريض وخطاب الكراهية يمثل خطوة أساسية في أي مسار للعدالة الانتقالية، بما يضمن حماية المدنيين وبناء مجتمع قادر على استعادة السلم الأهلي واستقرار مؤسساته.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية