مع تقدم المتمردين.. نزوح واسع في الكونغو وتصاعد العنف يهدد بكارثة إنسانية

مع تقدم المتمردين.. نزوح واسع في الكونغو وتصاعد العنف يهدد بكارثة إنسانية
النزوح القسري في الكونغو

تعيش مناطق شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من أكثر موجات النزوح حدة هذا العام، بعد إعلان الأمم المتحدة فرار 200 ألف شخص من منازلهم خلال الأيام القليلة الماضية فقط، وسط تقدم سريع للمتمردين المدعومين من رواندا باتجاه بلدة أوفيرا الاستراتيجية قرب الحدود مع بوروندي، وحذرت المنظمة الدولية من تصاعد خطير في مستوى العنف، في ظل معارك متواصلة تسببت في خسائر بشرية ونزوح جماعي يفوق قدرة المدن والقرى على الاستيعاب.

ضحايا في ظل الانفلات الأمني

قالت الأمم المتحدة، في بيان أوردته وكالة رويترز الثلاثاء، إن 74 شخصاً على الأقل قُتلوا في هجمات مسلحة خلال الأيام الماضية معظمهم من المدنيين، في حين جرى نقل 83 مصاباً إلى المستشفيات تحت ظروف طبية صعبة ونقص حاد في الخدمات، وتصف مصادر محلية الوضع بأنه الأكثر دموية منذ بداية العام، مشيرة إلى أن القرى الواقعة شمال أوفيرا تحولت إلى ساحة قتال مفتوحة.

أكد مسؤولون محليون وسكان أن حركة 23 مارس تتقدم بسرعة نحو أوفيرا مستفيدة من تحركات منسقة ودعم عسكري تشير الأمم المتحدة وواشنطن إلى أنه يأتي من رواندا رغم النفي الرسمي من كيغالي، وتخوض الحركة معارك عنيفة ضد قوات الكونغو الحكومية وضد جماعات محلية تعرف باسم وازاليندو، ويقول السكان إن القرى الواقعة على الطريق الشمالي المؤدي إلى أوفيرا تشهد موجات نزوح فردية وجماعية غير مسبوقة.

تحولات في الخطوط الأمامية

تشير تقارير ميدانية إلى أن المتمردين سيطروا على بلدة لوفونجي التي شكلت خط المواجهة منذ فبراير، في حين يدور قتال عنيف في محيط سانج وكيليبا، وهما قريتان على الطريق الشمالي الذي قد يفتح الطريق إلى أوفيرا إذا واصلت الحركة تقدمها، ويرى مراقبون أن سقوط أوفيرا سيشكل نقطة تحول كبيرة في ميزان الصراع، إذ تعد من أهم المدن التجارية القريبة من بحيرة تانجانيقا ومعبراً رئيسياً نحو بوروندي.

تأتي هذه التطورات بعد فترة قصيرة من استضافة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئيسي رواندا والكونغو في واشنطن خلال مراسم توقيع اتفاق سلام تقول واشنطن وقطر إنهما توسطتا للتوصل إليه، وأعلن ترامب خلال المراسم أن الإدارة الأمريكية حققت ما عجز عنه كثيرون، مؤكداً أن الاتفاق ينهي صراعاً استمر 30 عاماً، إلا أن الواقع الميداني في الكونغو يكشف تصاعداً جديداً للعنف بعد توقيع الاتفاق، ما يثير تساؤلات حول فرص نجاحه وقدرته على وقف القتال.

معاناة إنسانية وقلق دولي

يعيش النازحون ظروفاً بالغة القسوة، إذ تكدست آلاف العائلات في مناطق مفتوحة دون مأوى كافٍ أو غذاء أو خدمات صحية. وتقود نساء وأطفال رحلة النزوح الطويلة مشياً على الأقدام لساعات ممتدة هرباً من القتال. وتقول منظمات إغاثية إن موجة النزوح الأخيرة هي الأسرع منذ سنوات، وإن مراكز الاستقبال المؤقتة غير قادرة على استيعاب المزيد، في حين تتزايد المخاوف من تفشي الأمراض ونقص المياه وإصابة الأطفال بسوء التغذية. 

يحذر خبراء في الشأن الإفريقي من أن التطورات الحالية قد تفتح الباب أمام انهيار أوسع في شرق الكونغو، خاصة مع تعثر جهود الوساطة الدولية وضعف قدرة الحكومة الكونغولية على فرض السيطرة في المناطق الشرقية، ويرى محللون أن النزوح الهائل خلال أيام قليلة يدل على حالة الذعر التي يعيشها السكان، وعلى عمق الفجوة الأمنية التي تتوسع مع كل اشتباك جديد.

أزمة ممتدة ومعقدة

تعود جذور الأزمة في شرق الكونغو إلى تاريخ طويل من الصراعات المرتبطة بالأطماع الإقليمية، والنزاعات العرقية، والموارد الطبيعية الغنية التي تغذي الصراع. وتعاني البلاد منذ عقود من وجود عشرات الجماعات المسلحة التي تتحرك داخل حدود واسعة غير خاضعة لسيطرة الدولة. وتُعد حركة 23 مارس واحدة من أبرز الجماعات التي أعادت تشكيل المشهد الأمني خلال الأعوام الماضية، مع توتر مستمر بين رواندا والكونغو بشأن الاتهامات المتبادلة بالدعم العسكري لجماعات مسلحة.

في خضم التحركات السياسية والاتهامات المتبادلة، يبقى المدنيون هم الخاسر الأكبر، فالعائلات التي نزحت خلال الأيام الماضية فقدت منازلها ومحاصيلها ومصادر رزقها، وبعضها فقد أفراداً من الأسرة خلال الطريق أو داخل القرى التي تحولت إلى خطوط نار، تقول فرق الإغاثة إن عدداً كبيراً من النازحين يعانون صدمات نفسية، وإن الأطفال يصلون إلى نقاط التجمع وهم في حالة إنهاك شديد. ومع استمرار القتال، تبدو فرص العودة القريبة إلى المنازل بعيدة للغاية.

رسالة إنسانية ملحة

تؤكد المنظمات الدولية أن الاستجابة الإنسانية تحتاج إلى تمويل عاجل، وإلى ضمان ممرات آمنة لإيصال المساعدات إلى بلدات يصعب الوصول إليها بسبب القتال. وتحذر الأمم المتحدة من أن استمرار تقدم المتمردين سيؤدي إلى موجة نزوح إضافية تفوق قدرة المنطقة والدول المجاورة على الاستيعاب، ويطالب مسؤولو الإغاثة بتدخل دولي أكثر حزماً لوقف العنف وحماية المدنيين من الانزلاق إلى كارثة كبرى.

يشهد شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية صراعاً مستمراً منذ تسعينيات القرن الماضي، حين تدفقت جماعات مسلحة عبر الحدود عقب الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، وعلى مدى السنوات اللاحقة تفاقم العنف بسبب التنافس على الثروات المعدنية التي تعد من الأغنى في العالم، إضافة إلى التدخلات الإقليمية والصراعات الداخلية، وبلغ عدد النازحين داخل الكونغو أكثر من 6 ملايين شخص قبل الموجة الأخيرة وفق تقارير أممية، في حين أدى تجدد القتال في 2024 و2025 إلى موجات نزوح متلاحقة، وتعد حركة 23 مارس من أبرز الجماعات المسلحة التي نشطت في إقليم شمال كيفو، وسط اتهامات مستمرة لرواندا بدعمها، وهو ما تنفيه كيغالي.

وتستمر الجهود الدولية للوساطة بين أطراف النزاع، إلا أن ضعف المؤسسات المحلية، وكثرة الفاعلين المسلحين، واتساع رقعة الصراع، تجعل احتمالات الاستقرار هشة ومعقدة إلى حد كبير.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية