تحت ضغط الجوع وتكاليف المعيشة.. اتساع نسبة فقراء الحرب بإسرائيل

تحت ضغط الجوع وتكاليف المعيشة.. اتساع نسبة فقراء الحرب بإسرائيل
فقير يتسول في إسرائيل

على امتداد أشهر الحرب على غزة منذ أكتوبر 2023 بدأت ملامح أزمة اجتماعية داخل إسرائيل تتكشف بصورة غير مسبوقة.

 الأسر التي كانت تنتمي إلى الطبقة الوسطى في السابق وجدت نفسها فجأة تسقط في فخ الفقر، بينما تمددت مظاهر الجوع وانعدام الأمن الغذائي لتشمل شرائح واسعة لم يسبق أن واجهت هذا المستوى من الضيق المعيشي، ما بات يعرف بفقراء الحرب لم يعد مجرد توصيف صحفي بل ظاهرة اجتماعية تتسع يوما بعد يوم، وتعكس حجم الانهيار الاقتصادي الذي أعقب السابع من أكتوبر.

انهيار النمو الاقتصادي 

وذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الثلاثاء أنه قبل الحرب كانت إسرائيل تسجل نموا اقتصاديا يقترب من 4% سنويا، لكن بعد السابع من أكتوبر توقف هذا النمو تماما، وتحول إلى حالة ركود ممتدة ثم إلى عجز يقارب 7% منذ نهاية عام 2023، وبحسب تقديرات الخبراء فإن هذا التراجع يعني خسارة تبلغ نحو 4000 دولار لكل فرد في إسرائيل، وهي خسارة تركت آثارا مباشرة على سوق العمل وعلى مستوى المعيشة وعلى قدرة الأسر على توفير احتياجاتها الأساسية.

تقرير الفقر لعام 2025 الذي نشرته جيروزاليم بوست كشف عن أن إسرائيل تشهد حالة طوارئ اجتماعية حقيقية، حيث اتسعت رقعة الجوع والضغوط المالية المزمنة لتشمل الفئات الضعيفة أولا ثم لتصل تدريجيا إلى الطبقة الوسطى، وهذه الفئات التي كانت مستقرة قبل الحرب وجدت نفسها فجأة غير قادرة على تغطية النفقات الأساسية مثل الغذاء والسكن والصحة.

الأسر التي سقطت في الفقر بعد أكتوبر

يشير التقرير إلى أن آلاف الأسر دُفعت قسرا إلى الفقر بعد السابع من أكتوبر، خاصة عائلات جنود الاحتياط الذين اضطروا لترك وظائفهم لفترات طويلة، وأصحاب الأعمال الصغيرة الذين واجهوا خسائر كبيرة، والعاملين بدوام كامل الذين تقلصت ساعات عملهم أو انخفضت أجورهم بسبب الاضطرابات الاقتصادية المستمرة.

ويوضح التقرير أن تكلفة المعيشة في إسرائيل عام 2025 بلغت نحو 5589 شيكل شهريا للفرد، أو 14139 شيكل لأسرة مكونة من شخصين بالغين وطفلين، هذه التكلفة تفوق بكثير خط الفقر الوطني الذي يقف عند 4105 شيكل للفرد و10508 شيكل لأسرة من أربعة أفراد، والفرق الكبير بين الدخل المتاح وكلفة الاحتياجات الأساسية جعل الكثير من الأسر عاجزة عن مواصلة الحياة بصورة طبيعية.

الفجوة بين الأجور وتكاليف المعيشة

تعيش العديد من الأسر اليوم حالة اتساع غير مسبوق بين ما تحصل عليه من أجور وما تحتاجه للعيش، فعائلات جنود الاحتياط، التي غاب عائلها الأساسي عن سوق العمل لأشهر، شهدت انهيارا في مستويات دخلها، بينما شهد الكثير من العاملين لحسابهم الخاص إغلاق مشاريعهم أو تقليص نشاطهم بسبب غياب الاستقرار وتراجع القدرة الشرائية للمستهلكين نتيجة الأوضاع الاقتصادية.

تكلفة السلع الأساسية مثل الغذاء والسكن والملابس والصحة والتعليم ارتفعت بشكل حاد خلال العام الماضي، ووصل العبء الإضافي على الفرد إلى نحو 3500 شيكل سنويا، فيما بلغ العبء على الأسرة نحو 9000 شيكل مقارنة بما قبل الحرب، والارتفاع الأكبر كان في قطاع الصحة حيث زادت التكاليف بنسبة تقارب 15% نتيجة ارتفاع أقساط التأمين ومتطلبات العلاج الذاتي.

انعدام الأمن الغذائي 

يبقى انعدام الأمن الغذائي إحدى أخطر نتائج أزمة ما بعد الحرب داخل إسرائيل، وبحسب التقرير فإن 26.9% من الأسر أي قرابة 867 ألف أسرة تعاني من صعوبة في توفير الغذاء بشكل مستقر، هذا يعني أن نحو 2.8 مليون فرد بينهم أكثر من 1.18 مليون طفل يعيشون درجات متفاوتة من الجوع.

وترجع هذه الأزمة إلى التراجع الحاد في الدخل وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية واعتماد الأسر على برامج الإغاثة، ويفيد التقرير بأن أكثر من نصف المستفيدين من مساعدات منظمة لاتيت قللوا من حجم حصصهم الغذائية أو تخطوا بعض الوجبات لتوفير المال، في حين تبلغ النسبة بين عموم السكان 18%، والاعتماد المتزايد على التبرعات الغذائية أصبح وسيلة رئيسية لضمان البقاء، بينما يتآكل ما تبقى من مدخرات الأسر بفعل ارتفاع أسعار الإيجارات والكهرباء والأدوية.

العمل موجود لكن الدخل لا يكفي

على الرغم من أن 83% من الأسر التي تتلقى مساعدات لديها معيل واحد على الأقل يعمل، فإن هذه الأسر ما زالت عاجزة عن تغطية الاحتياجات الشهرية الأساسية، ويقول أكثر من نصف هذه الأسر إن وضعهم الوظيفي تدهور منذ بداية الحرب بنسبة تقارب ضعف معدل التدهور في المجتمع العام، وهذا يعني أن العمل لم يعد ضمانا للحياة الكريمة، وأن الأجور أصبحت أقل بكثير من الحد الكافي لمواجهة الغلاء.

تدهور نفسي موازٍ للجوع

لم تنحصر تداعيات الأزمة في الجوانب الاقتصادية فقط، فقد أشار التقرير إلى أن 62% من متلقي المساعدات يعانون من تدهور واضح في حالتهم النفسية، وهو رقم يقارب ثلاثة أضعاف النسبة لدى عامة السكان، كما أكد أكثر من 40% من كبار السن أن صحتهم النفسية تدهورت منذ بداية الحرب بسبب الضغوط الاقتصادية والخوف من المستقبل وغياب الاستقرار.

تحذيرات من مستقبل اجتماعي قاتم

يحذر التقرير من أن إسرائيل تخاطر بأن تتحول إلى دولة تشبه إسبرطة في صيغتها التاريخية حين تتقدم أولويات الأمن على حساب النظام الاجتماعي وحقوق المواطنين، مع اتساع الفجوات بين الفئات الغنية والفقيرة، ويدعو التقرير إلى إعادة ربط الحد الأدنى للأجور والمزايا الاجتماعية بتكلفة المعيشة الفعلية، باعتبار ذلك ضرورة ملحة لوقف التدهور.

بدأت الأزمة الاقتصادية في إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي تبعه اندلاع حرب واسعة على قطاع غزة، تسببت هذه الحرب في شلل قطاعات اقتصادية كبيرة وانخفاض الاستهلاك وتراجع الاستثمارات، إضافة إلى تكاليف عسكرية ضخمة أثرت على الموازنة العامة، ومع اتساع الاستدعاء العسكري لجنود الاحتياط وتراجع النشاط التجاري وارتفاع تكاليف الأمن، بدأت الطبقة الوسطى تتراجع لصالح ارتفاع نسب الفقر، ومع نهاية عام 2024 وبداية عام 2025 أصبحت آثار الحرب تتجاوز حدود غزة وتمتد إلى بنية المجتمع الإسرائيلي نفسه، حيث يبرز الفقر والجوع وانعدام الأمن الغذائي كملامح مركزية لأزمة اجتماعية متصاعدة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية