بعد إهانتها المتظاهرات النسويات.. ناشطات يحوّلن وصف بريجيت ماكرون إلى شعار مقاومة
بعد إهانتها المتظاهرات النسويات.. ناشطات يحوّلن وصف بريجيت ماكرون إلى شعار مقاومة
يُظهر مقطع فيديو نُشر يوم الاثنين مشهداً يبدو عابراً، لكنه فجّر واحدة من أكبر الأزمات الحقوقية المرتبطة بصورة السلطة في فرنسا خلال عام 2025، حيث يُظهر المقطع السيدة الأولى الفرنسية وهي تقف خلف كواليس مسرح فولي بيرجير في باريس، قبل لحظات من صعود الممثل والكوميدي الفرنسي آري أبيتان إلى خشبة المسرح، بعد ليلة متوترة شهدت احتجاجاً نسوياً ضده بسبب اتهامات سابقة بالاغتصاب.
تسأل السيدة الأولى الفنان عن حاله، ويجيب: "أنا خائف"، في إشارة واضحة إلى ما حدث الليلة السابقة حين عطلّت ناشطات نسويات عرضه وهتفن: "أبيتان مغتصب!"، وترد السيدة الأولى بعبارة مسيئة تُترجم في مختلف التغطيات إلى "العاهرات الغبيات" أو "العاهرات القذرات"، ثم تضيف أنهن إذا عدن "فسنطردهن".
ويبدو التسجيل الذي نشرته مجلة "ببليك" الفرنسية مصوراً من أحد المارة، ثم انتشر بسرعة على شبكات التواصل الاجتماعي، قبل أن تبدأ دوامة الغضب، وتضيف المعلومات أن السيدة الأولى كانت برفقة ابنتها تيفين أوزيير لحضور العرض المسرحي.
وتؤكد اللقطات المنشورة أن التعليق صدر وهي تضحك، في سياق بدا للوهلة الأولى غير رسمي، لكنه سرعان ما تحوّل إلى مادة للنقاش الحقوقي والسياسي والإعلامي على حد سواء.
تصعيد من المنظمات النسوية
أعلنت جماعة "نو توت" النسوية (NousToutes) أن ناشطاتها قمن بتعطيل عرض أبيتان ليلة السبت احتجاجاً على ما وصفنه بـ"ثقافة الإفلات من العقاب" المتعلقة بالعنف الجنسي في فرنسا.
وتؤكد الجماعة أن اختيارها للمسرح مكاناً للاحتجاج جاء بسبب سماح القائمين عليه باستقبال رجل اتُهم بالاغتصاب، وكانت الجماعة قد انتقدت سابقاً ما اعتبرته تطبيعاً مجتمعياً وإعلامياً مع الشخصيات المتهمة بالاعتداء الجنسي، خصوصاً أن القضية ضد أبيتان أسقطت عام 2024 لعدم كفاية الأدلة، في قرار أيدته محكمة الاستئناف في يناير الماضي.
وتظهر لقطات الاحتجاجات متظاهرات يرتدين أقنعة عليها صورة وجه أبيتان مع كلمة "مغتصب"، وتضيف الجماعة في بيانها على إنستغرام: "ندين الأماكن التي تُرحّب بالرجال المتهمين بالاغتصاب، وتُطبع العنف الجنسي والتمييزي على أساس الجنس.. إنها إهانة علنية للضحايا.. أيها الضحايا، نحن نصدقكم.. أيها المغتصبون، لن نغفر لكم".
وتؤكد جماعة "نحن جميعاً" النسوية، وفق المصادر، أن عودته إلى التمثيل تمّ الترويج لها من خلال ما وصفته بـ"حملة إعلامية تهدف إلى تصويره كشخص مُصاب بصدمة نفسية، مع إذلال الضحية والتقليل من شأنها".
رد مكتب السيدة الأولى
أصدر مكتب السيدة الأولى بياناً يؤكد فيه أن تعليق ماكرون "لا ينبغي اعتباره إلا انتقاداً للأساليب المتطرفة" التي استخدمها من عطلوا البرنامج، مضيفاً أن هدف السيدة الأولى كان "طمأنة فنان أخبرها قبل صعوده إلى المسرح: أنا خائف"، ويشدد المكتب على أن السيدة الأولى "لا تهاجم أي قضية بأي شكل من الأشكال"، وأنها "تدين الأساليب المتطرفة" فقط، على حد تعبير البيان.
ويؤكد المكتب أيضاً أن السيدة الأولى كانت تقف في غرفة ملابس الفنان، وأن الحوار كان شخصياً وغير مخصص للنشر، وهو ما حاول فريقها استخدامه لتخفيف حدة الانتقادات، غير أن هذا التبرير لم يوقف موجة الغضب التي انتشرت بين السياسيين والناشطات النسويات والرموز الثقافية.
ويشير بيان الرئاسة الفرنسية، كما نقلت "نيويورك تايمز"، إلى أن السيدة ماكرون "كانت تتحدث من داخلها" وأنها لم تصدر تصريحاً رسمياً، وهو ما حاولت الحكومة توظيفه لفصل الموقف الشخصي عن مسؤوليات ظهرت من كونها زوجة رئيس جعل من المساواة بين الجنسين "قضية كبرى" لفترته الرئاسية.
الغضب السياسي والحقوقي
خرج سياسيون فرنسيون من مختلف الأطياف للتعليق على الواقعة، حيث صرّح الرئيس الاشتراكي السابق فرانسوا هولاند لإذاعة RTL بأن هناك "مشكلة ابتذال"، مؤكداً أن "عندما يتعلق الأمر بنضال النساء ضد العنف ضد المرأة، لا نتحدث بهذه الطريقة".
وتصف زعيمة حزب الخضر، مارين تونديلييه، التصريحات بأنها "خطيرة للغاية" ولا يجوز أن تصدر عن سيدة أولى، مؤكدة أنها "صدمت بشدة" من هذا التعبير، وتضيف في مقابلات متعددة أن مستويات عدم الحساسية تجاه قضايا العنف ضد المرأة في فرنسا لا تزال أعلى مما يجب، رغم الزخم الذي أحدثته حركة #MeToo الفرنسية، وفقا لصحيفة “بوليتيكو” الأمريكية.
وتدين السيناتور ميلاني فوغل التعليق، وتقول عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "يوم سعيد لجميع النساء الغبيات في بلدنا"، في إشارة ساخرة لحدة التهميش والإهانة التي رأت أنها نُسبت إلى المتظاهرات.
وتصف الأمينة العامة لنقابة CFDT المعتدلة، ماريليز ليون، التعليقات بأنها "غير لائقة وفجة".
وتضيف أصوات من اليمين المتطرف، مثل النائب جان فيليب تانغي من حزب التجمع الوطني، رأياً آخر مفاده أن التسجيلات الخاصة لا يجب أن تُعامل كتصريحات سياسية، معتبراً الضجة "نفاقاً".
واستخدمت الفنانات والناشطات الحقوقيات التسجيل كوسيلة لإعادة إحياء النقاش حول العنف الجنسي والإفلات من العقاب، حيث أعلنت الممثلة والمخرجة جوديث غودريش، إحدى أبرز الأصوات في حركة #MeToo الفرنسية، دعمها الكامل للمتظاهرات، وتكتب: "وأنا أيضاً– أنا أيضاً امرأة حمقاء.. وأؤيد جميع الأخريات".
وتنشر الفنانة كاميليا جوردانا صورة لها على جبينها وسم #saleconne، في رسالة تضامنية واضحة، ويتكرر الهاشتاغ #NousToutes في آلاف المنشورات، ما يحوّل الإهانة إلى شعار مقاومة في مواجهة ما تعتبره الجماعة صمتاً مؤسسياً.
خلفية عن قضية أبيتان
تُذكر مصادر إعلامية عديدة بأن قضية أبيتان تعود إلى اتهام بالاغتصاب في أواخر عام 2021، وتوضح التحقيقات الطويلة أن المدعية تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، لكن القضاة لم يجدوا أدلة كافية لإثبات أن العلاقة الجنسية كانت قسرية، وهو ما أدى إلى إسقاط التهمة عام 2024 ثم تأكيد القرار بداية 2025.
وينفي أبيتان ارتكاب أي مخالفة، مؤكداً أن العلاقة كانت بالتراضي، وتُعتبر هذه القضية من القضايا التي أعادت فتح نقاش واسع في فرنسا حول التعامل القضائي والإعلامي مع قضايا العنف الجنسي، إذ تؤكد جماعات نسوية أن إسقاط التهمة لا يعني تبرئة أخلاقية، وأن نظام العدالة الفرنسية لا يزال عاجزاً عن التعامل مع العنف القائم على النوع الاجتماعي.
ويواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات متجددة بشأن مواقفه من قضايا العنف ضد النساء، خصوصاً بعد دفاعه الشهير عام 2023 عن الممثل جيرار ديبارديو، الذي اتُهم بالتحرش والاعتداء الجنسي، وكان ماكرون قد وصفه حينها بأنه "فخر لفرنسا"، قبل أن يُدان لاحقاً في قضيتين عام 2021.
ويتزامن ظهور تسجيل السيدة الأولى مع بدء محاكمة عشرة أشخاص في قضايا تنمر إلكتروني ضدها بسبب شائعات حول جنسها، وتخوض السيدة الأولى وزوجها أيضاً معركة قانونية مفتوحة ضد الإعلامية الأمريكية كانديس أوينز، التي كررت هذه الشائعات، ولم تُعرض القضية على المحكمة بعد.
وتؤكد هذه الخلفية أن السيدة الأولى تقف في قلب سجال واسع حول الصورة العامة، واحترام الحقوق، وحدود النقد الاجتماعي، وهو ما يجعل أي تصريح يصدر عنها عرضة لتأويلات سياسية وحقوقية واسعة.











