بعد عام من رحيل الأسد.. مراكز أمنية وسجون تتحول لمواقع تصوير في سوريا
بعد عام من رحيل الأسد.. مراكز أمنية وسجون تتحول لمواقع تصوير في سوريا
تحوّل مدرّج مطار المزة العسكري قرب دمشق، أحد رموز القوة العسكرية في عهد الرئيس السوري السابق بشار الأسد، إلى موقع تصوير لمسلسل "عيلة الملك"، الذي يوثّق الأيام الأخيرة من حكم الرئيس السابق.
ويوضح المخرج محمد عبد العزيز أن شعورًا غريبًا يسود فريق العمل أثناء تصوير مشاهد هروب الشخصيات من السلطة، لافتًا إلى أن المطار كان رمزًا للقوة العسكرية، والآن أصبح فضاءً لإبداع فني يسعى لتصوير سقوط تلك القوة، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الأربعاء.
المسلسل يروي قصة عائلة دمشقية في الأشهر الأخيرة من حكم الأسد، مسلّطًا الضوء على العوامل الاجتماعية والسياسية التي أدت إلى انهيار الأجهزة الأمنية.
ويشير عبد العزيز إلى أن الأماكن التي كانت تُحكم منها سوريا، من فرع فلسطين إلى مطار المزة العسكري، تحولت إلى استديوهات للدراما، ما يمثّل تحولًا رمزيًا لمفهوم القوة والرقابة.
انتهاكات وتعذيب
يقوم فريق العمل بتصوير مشاهد في فرع فلسطين، أحد أكثر الفروع الأمنية رعبًا في دمشق، حيث ارتكبت فيه انتهاكات وتعذيب لسجناء.
ويصف عبد العزيز المشاهد المصوّرة بأنها ساحة حرب مصغّرة، تشمل احتراق مركبات وانفجارات رمزية، تعكس لحظات تحرير المعتقلين عند انهيار الأجهزة الأمنية.
ويضيف أن آلاف السوريين توجهوا بعد سقوط النظام إلى الفروع الأمنية بحثًا عن أقاربهم الذين اختفوا، فيما خرج آلاف السجناء من زنازنهم، مؤكّدًا أن مجرد ذكر اسم فرع فلسطين كان يثير الرعب، لكن اليوم أصبح بالإمكان تصوير مشاهد كاملة داخله، مع الحفاظ على الأرشيف والوثائق دون المساس بها.
تراجع القبضة الأمنية
في محيط منزل الأسد المخلوع في المالكي، صوّر فريق العمل مشاهد شجار جماعي، حيث شارك أكثر من 150 ممثلًا في إطلاق رصاص رمزي، وهو ما كان مستحيلًا أثناء حكم النظام السابق.
ويشير الكاتب معن سقباني إلى أن عملية المونتاج تُنجز في بيت دمشقي تقليدي، مع مراعاة ترتيب المشاهد وفقًا للنسخة النهائية، إلا أنه يظل حذرًا من المستقبل الرقابي، مع احتمال إعادة القيود أو تدخل تيارات دينية محافظة.
وشهدت سوريا منذ الإطاحة بالأسد عودة عشرات الممثلين والفنيين الذين غادروا البلاد خلال سنوات المعارضة، ما أسهم في انتعاش قطاع الدراما.
ويشرح سقباني أن لجنة القراءة التابعة لوزارة الإعلام لا تزال قائمة، لكنها أبدت مرونة أكبر في مراجعة نصوص مثل "عيلة الملك"، مع ملاحظات بسيطة جدًا مقارنة بالماضي.
أعمال درامية أخرى
لا يقتصر الأمر على مسلسل واحد، إذ يقوم الليث حجو بإخراج مسلسل "السوريون الأعداء" المستوحى من رواية فواز حداد، الذي يربط بين حياة الأفراد وأجهزة الدولة الأمنية، ويبرز كيف كانت السلطة قادرة على تحويل المواطنين إلى خصوم بمجرد الشك في ولائهم.
كما يستعيد المخرج محمد لطفي أحداث سجن صيدنايا في مسلسل "الخروج إلى البئر"، حيث قتل العشرات من السجناء والحراس في عام 2008 خلال عصيان، ويؤكد لطفي أن إمكانية التصوير داخل السجن بعد سقوط النظام تمثل فرصة لإيصال معاناة السجناء وفضح ممارسات السلطة من مكانها الحقيقي.
ويشير لطفي إلى أن السلطة الجديدة رحّبت بهذه الأعمال وقدّمت تسهيلات واسعة للتصوير، ما يتيح لفريق العمل نقل الأحداث الواقعية على الشاشة، بعد أن كان تصوير مثل هذه المشاهد ضربًا من الخيال، خصوصًا في المواقع المحرمة سابقًا.
ويعكس هذا التحول في قطاع الدراما السورية تغييرًا رمزيًا وثقافيًا، إذ تحوّلت أماكن كانت تُحكم بالقمع والخوف إلى فضاءات تروي قصص الحرية والسقوط السياسي، مع استمرار المخاوف من القيود المستقبلية، سواء من الدولة أو التيارات الاجتماعية المحافظة.











