أمام دعاوى الترهيب.. ألمانيا تتجه لتشريع يمنح الصحفيين والنشطاء حماية قانونية

أمام دعاوى الترهيب.. ألمانيا تتجه لتشريع يمنح الصحفيين والنشطاء حماية قانونية
ألمانيا

يناقش مجلس الوزراء الألماني اليوم مشروع قانون أعدته وزارة العدل، يهدف إلى توفير حماية أفضل للصحفيين والعلماء والنشطاء في ألمانيا من الدعاوى القضائية التي تُرفَع بغرض الترهيب وكتم الأصوات الناقدة، ويركز المشروع على ما يُعرف بدعاوى "SLAPP" أو الدعاوى الاستراتيجية ضد المشاركة العامة التي تستهدف من ينتقدون الفساد أو الانتهاكات البيئية أو السياسات الحكومية، وتهدف أساساً إلى منعهم من مواصلة عملهم أو بعث رسالة ردع لمن يفكرون في الانخراط في معارضة أو نقد.

بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الألمانية، اليوم الأربعاء، إذا تبنّى البرلمان الألماني مشروع القانون، سيكون بإمكان المحاكم رفض دعاوى الترهيب بسرعة عندما يتبين أنها لا تستند إلى أساس قانوني حقيقي، مع إمكانية إلزام المدّعي بتحمّل تكاليف القضية، ومنها أتعاب المحاماة التي تكبّدها المدعى عليه.

كما سيسهل على الصحفيين والدفاع عنهم استرداد هذه التكاليف، لكن هذا الحماية الجديدة ستُطبّق في القضايا العابرة للحدود، ما يشكل تحدياً أمام من قُدم فيهم دعاوى ضمن ألمانيا فقط، حيث لا تزال الإجراءات التقليدية سارية. وستُناقش قضايا النشر عبر الإنترنت لتحديد مدى شمول القانون إياها.

سياق أوروبي ودولي

تأتي هذه الخطوة الألمانية في إطار أوسع ضمن الاتحاد الأوروبي، فقد اعتمد البرلمان الأوروبي في سنة 2024 تشريعات لحماية الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من "دعاوى التكميم" أو دعاوى الترهيب القانونية، وتنص هذه القوانين على ضمانات خاصة لحماية الأشخاص الذين يعلقون علناً على قضايا ذات اهتمام عام، وتتيح لمحاكم دول الاتحاد رفض الدعاوى التعسفية وفرض تكاليف على المدعين.

ورغم التقدم التشريعي المرتقب، تواجه ألمانيا على أرض الواقع تراجعاً في حرية الصحافة في بعض الحالات، خصوصاً لدى تغطية مظاهرات أو قضايا سياسية حساسة، ففي الأشهر الأخيرة وثّقت منظمات إعلامية حالات اعتداء وتضييق على صحفيين أثناء تغطيتهم لمظاهرات مؤيدة لغزة. 

اشتملت هذه الانتهاكات على منع التصوير وتفتيش معدات إعلامية، واعتقالات وتعطيل تغطيات مرئية، ما أثار انتقادات من منظمات الدفاع عن حرية الإعلام، بل أشار بعض الصحفيين إلى أن مثل هذه الخطر تجعلهم يمارسون رقابة ذاتية على مضمون تغطياتهم لتفادي دعاوى أو ملاحقات محتملة.

خطر الدعاوى التعسفية

أظهرت دراسة حديثة أن دعاوى "SLAPP" في ألمانيا تتصاعد بشكل لافت، وتستهدف خصوصاً الصحفيين المستقلين أو الذين يعالجون قضايا حساسة مثل الفساد أو البيئة أو انتهاكات حقوق الإنسان.

وأوضحت الدراسة أن مدعين غالباً ما يرفعون دعاوى بمبالغ مالية ضخمة، تهدف إلى إغراق الصحفيين بمصاريف قضائية طائلة، ما يؤدي في كثير من الحالات إلى انسحابهم أو تراجعهم عن النشر، أثار هذا الواقع دعوات متزايدة إلى أن تُعبّر القوانين الوطنية عن التزامات الدول الأوروبية التي اعتمدت التوجيه الجديد لحماية حرية التعبير.

ورغم موافقة المؤسسات الأوروبية على تشريعات حماية ضمن إطار القانون العام، فإن التطبيق العملي في ألمانيا وغيره من الدول يظل رهين مواقف المحاكم ومقدار استعدادها لتطبيق الضمانات الجديدة.

وتبقى مسألة التمييز بين الدعاوى العادلة والدعاوى التعسفية، وما إذا كان التشريعات كافية لمنع تكرار محاولات إسكات الأصوات المنتقدة، كما أن حصر الحماية بالقضايا العابرة للحدود يترك صحفيين محليين عرضة لملاحقات في سياقات داخلية.

آراء من ميدان الصحافة

يقول صحفيون ألمان ومراقبون لحرية الإعلام إن القانون الجديد خطوة ضرورية لكنها ليست كافية وحدها، يشيرون إلى أن الضغوط الإعلامية والسياسية والاجتماعية ضد الصحفيين لم تتراجع، وإن حماية قانونية يجب أن تقترن بتعزيز ثقافة احترام حرية التعبير ودعم بيئة إعلامية مستقلة، كما يحذرون من أن الأزمة في حرية الصحافة في أوروبا ليست فقط نتيجة قوانين، بل أيضاً مرتبطة بتغوّل جماعات ضغط وأفراد يستخدمون القانون سلاحاً للردع.

ومن جهة إيجابية، أُنشئت في ألمانيا نقطة اتصال وطنية لمكافحة دعاوى الترهيب "No-SLAPP" منذ مايو 2024، بالتعاون مع مراكز إعلامية ونقابات صحفيين، لتقديم الدعم القانوني والنفسي للضحايا، وتوفير تدريب للصحفيين والمحامين حول كيفية التعامل مع دعاوى "SLAPP"، ولاقت هذه الخطوة ترحيباً من منظمات حرية الصحافة، واعتُبرت سابقة مهمة في تعزيز الحماية على المستوى الوطني.

مصطلح "SLAPP" يشير إلى دعاوى قضائية استراتيجية تُرفع ضد أفراد أو منظمات شاركوا في نقاش عام حول قضايا تهم المجتمع، وتستهدف استنزافهم مادياً ومعنوياً لدفعهم للسكوت. في مارس 2024، اعتمد مجلس الاتحاد الأوروبي توجيهاً لحماية الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من هذه الدعاوى، يتضمن آليات للرفض المبكر للقضايا التعسفية وتعويض الضحايا وتغطية تكاليفهم القانونية، وعلى الدول الأعضاء أن تنقل هذا التوجيه إلى تشريعات محلية خلال عامين، ويعتمد نجاح تطبيق هذه القوانين على وجود إرادة سياسية وقضائية واضحة، واستعداد منظمات المجتمع المدني لتقديم الدعم للصحفيين.

 يأتي هذا في وقت تشهد فيه أوروبا تصاعداً في دعاوى قانونية ضد مستقلين وصحفيين ينتقدون سياسات الهجرة والبيئة والفساد، ما يجعل مشروع القانون الألماني اختباراً حقيقياً لمدى التزام برلين بالمحافظة على حرية الصحافة والحق في النقد والمساءلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية