طفرة بأعداد المشردين تعيد أزمة السكن في بريطانيا إلى الواجهة
طفرة بأعداد المشردين تعيد أزمة السكن في بريطانيا إلى الواجهة
تواصل أزمة السكن في بريطانيا اتساعها بوتيرة تنذر بتحولات اجتماعية عميقة، بعد أن كشفت أحدث البيانات عن زيادة كبيرة في أعداد المشردين، وارتفاع خطير في عدد من ينامون في الشوارع كل ليلة، ومع بداية شتاء قارس وضغوط معيشية متصاعدة، تبدو المعاناة أكثر وضوحا على وجوه العائلات التي فقدت القدرة على إيجاد مأوى آمن.
وتشير الأرقام الصادرة عن منظمة شيلتر، وفق ما أوردته صحيفة "الإندبندنت" الخميس، إلى ارتفاع عدد الأشخاص الذين يفترشون الأرض في شوارع إنجلترا بنسبة 20 في المئة خلال عام واحد، ليصل العدد إلى 4667 شخصا كل ليلة، وتؤكد المنظمة أن أزمة التشرد لم تعد ظاهرة هامشية، إنما انعكاس مباشر لاختلالات حادة في سوق السكن، وتدهور القدرة على تحمل الإيجارات، وتراجع المعروض من المساكن الاجتماعية.
زيادة حادة في التشرد
جاء التقرير ليضع البريطانيين أمام صورة صادمة، بعدما أظهر أن أكثر من 380 ألف شخص يعيشون أحد أشكال التشرد، بينهم 175025 طفلا، ويمثل ذلك زيادة قدرها 8 في المئة مقارنة بالعام الماضي، أي ما يعادل 28602 شخصا إضافيا أضيفوا إلى قائمة الذين لا يملكون مكانا مستقرا للعيش، وتكشف هذه الأرقام أن فردا من كل 153 شخصا في إنجلترا بلا سكن مستقر، بينما ترتفع النسبة بشكل مرعب في لندن لتصل إلى فرد من كل 45 شخصا.
وتؤكد سارة إيليوت، الرئيسة التنفيذية لمنظمة شيلتر، أن ما يحدث ليس مجرد أزمة طارئة بل انهيار متواصل في المنظومة السكنية، وتقول إنه مع حلول الشتاء يعيش أكثر من 382 ألف شخص دون مأوى آمن، فيما تستعد آلاف العائلات لقضاء ليال طويلة في العراء أو داخل مساكن مؤقتة تفتقر لأساسيات الحياة.
قصص خلف الجدران المؤقتة
تتلقى المنظمة يوميا عشرات النداءات من عائلات تعيش في غرف ضيقة بلا تدفئة كافية، أو داخل وحدات سكنية بعيدة عن المدارس ومراكز الخدمات، وكثيرون يتحدثون عن شعور دائم بعدم الأمان، وقلق مستمر من الانتقال المفاجئ بسبب القيود التي تفرضها الإقامة المؤقتة، وهناك من يخشون فقدان وظائفهم بسبب المسافات الطويلة التي يتحتم عليهم قطعها للوصول إلى أماكن العمل.
وتظهر تفاصيل التقرير أن أكثر من 90 في المئة من المشردين في بريطانيا يقيمون في مساكن مؤقتة وفرتها السلطات المحلية، من بينهم 84240 أسرة، كما يعيش 4031 شخصا في مساكن تابعة للخدمات الاجتماعية، بينما يقيم 16294 آخرون في نزل أو مرافق مخصصة للمشردين.
جهود حكومية لا تزال قيد الاختبار
أعلنت الحكومة البريطانية خطة جديدة بقيمة 3.5 مليار جنيه إسترليني لمواجهة التصاعد الخطير في أعداد المشردين، وتهدف الخطة، حسب وزارة الإسكان، إلى تعزيز إجراءات الوقاية وخفض عدد من ينامون في الشوارع إلى النصف خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى إنهاء الاعتماد على الفنادق الرخيصة لإيواء الأسر التي لا تجد مكانا آمنا.
ويقول وزير الإسكان ستيف ريد إن الاستراتيجية الجديدة تسعى لجعل التشرد حالة نادرة وقصيرة الأمد، مؤكدا أنها تقوم على استثمارات كبيرة وتشديد الرقابة على الجهات المحلية المسؤولة عن تنفيذ القوانين المعنية بالسكن.
ويشير الوزير إلى أن قانون حقوق المستأجرين الذي سيطبق العام المقبل سيمنح الأسر حماية أكبر، بالتزامن مع خطة لبناء مليون ونصف منزل جديد خلال الدورة البرلمانية الحالية، بهدف تخفيف الضغط عن سوق الإيجارات.
دعوات لرفع تجميد إعانة السكن
رغم ذلك، ترى منظمات الإسكان أن الإجراءات الحكومية غير كافية من دون خطوة عاجلة تتمثل في رفع تجميد إعانة السكن التي تعد شريان الحياة بالنسبة لكثير من الأسر ذات الدخل المحدود، وتؤكد شيلتر أن تجميد الإعانة جعل المستأجرين أكثر عرضة لعدم القدرة على سداد الإيجارات التي ارتفعت بشكل غير مسبوق خلال العامين الماضيين.
وتقول المنظمة إن رفع التجميد سيساعد آلاف الأطفال على الخروج من المساكن المؤقتة على الفور ويمنح العديد من الأسر فرصة لتجاوز مرحلة الخطر، وتعتبر أن غياب هذه الخطوة سيبقي عشرات الآلاف على حافة التشرد المستمر.
رحلة أم بريطانية من الضياع إلى الاستقرار
من بين القصص التي يتوقف عندها التقرير حالة جورجيا البالغة 36 عاما، وهي أم من نورفولك وجدت نفسها في غرفة صغيرة داخل فندق مؤقت لمدة 5 أشهر مع طفلها بعد انهيار زواجها، وتروي جورجيا أن الظروف كانت مرهقة إلى حد كبير وأن طفلها تأثر نفسيا من غياب الخصوصية وضيق المكان، كما اضطرت إلى تقليل ساعات عملها بسبب المسافة البعيدة عن مكان الإقامة.
وبعد محاولات عدة، حصلت على دعم قانوني من منظمة شيلتر ساعدها في تأمين منزل اجتماعي دائم، وتقول إنها منذ انتقالها إلى المنزل الجديد بدأت تشعر بالأمان، وتمكن طفلها من استعادة نمط حياة طبيعي وهادئ.
عوامل متشابكة وراء الأزمة
تعود جذور أزمة السكن في بريطانيا إلى عقود من ضعف الاستثمار في الإسكان الاجتماعي، وتراجع بناء مساكن جديدة بمعدل يتناسب مع النمو السكاني، كما أدى ارتفاع الإيجارات وأسعار المنازل إلى دفع المزيد من الناس نحو المساكن المؤقتة، خاصة في المدن الكبرى مثل لندن ومانشستر وليفربول، ومع زيادة تكاليف المعيشة منذ عام 2022، أصبحت قدرة الأسر على تحمل الإيجارات أكثر هشاشة، مما أدى إلى موجات متعاقبة من التشرد.
شهدت بريطانيا خلال السنوات الأخيرة ضغوطا متزايدة على قطاع السكن بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات بنسبة تجاوزت 10 في المئة سنويا في بعض المناطق، في حين انخفضت القدرة الشرائية للأسر بعد موجة التضخم التي بدأت منذ منتصف عام 2022، وتشير بيانات المراكز الرسمية إلى أن المعروض من المساكن الاجتماعية لا يغطي سوى نسبة محدودة من الطلب الفعلي، بينما تواجه السلطات المحلية نقصا حادا في التمويل اللازم لمساعدة الأسر المهددة بالتشرد.
وعلى الرغم من تعهدات الحكومة المتكررة بزيادة البناء وتحسين آليات الدعم، فإن المنظمات الحقوقية تؤكد أن الأزمة تتسع بوتيرة تفوق قدرة الإجراءات الحالية على احتوائها، مما يضع مئات الآلاف أمام واقع سكني قاسٍ يزداد تعقيدا مع كل شتاء جديد.











