رسالة وإنذار.. نشطاء يهاجمون وزارة العدل البريطانية لإنقاذ مضربين عن الطعام

رسالة وإنذار.. نشطاء يهاجمون وزارة العدل البريطانية لإنقاذ مضربين عن الطعام
آثار الاعتداء على وزارة العدل البريطانية

في مشهد احتجاجي لافت هز وسط العاصمة البريطانية لندن، أقدم نشطاء مؤيدون للقضية الفلسطينية على تشويه مبنى وزارة العدل برش الطلاء الأحمر على واجهته، في تحرك تصعيدي جاء تضامناً مع ثمانية محتجزين يخوضون إضرابا عن الطعام منذ أسابيع، وسط تحذيرات متزايدة من تدهور أوضاعهم الصحية، واتهامات مباشرة لوزير العدل ديفيد لامي بتجاهل مطالب عاجلة بإنقاذ حياتهم.

بحسب ما أفادت به صحيفة "الغارديان"، أعاد الاحتجاج، الذي وقع الجمعة، إلى الواجهة نقاشاً محتدماً حول أوضاع نشطاء حركة "فلسطين أكشن- Palestine Action" المحتجزين في بريطانيا على خلفية قضايا تتعلق بتحركات احتجاجية سابقة، وحول فترات الحبس الاحتياطي الطويلة التي قد تمتد إلى ما يقارب عامين قبل المثول أمام القضاء، وهو ما يعتبره المدافعون عنهم انتهاكاً خطراً للحقوق الأساسية.

احتجاج بالطلاء الأحمر

قال المحتجون إن اختيار الطلاء الأحمر لم يكن اعتباطياً، بل جاء رمزاً للدم وللخطر الذي يتهدد حياة المضربين عن الطعام، وأوضح النشطاء أن تحركهم يهدف بالأساس إلى الضغط على وزير العدل من أجل اللقاء بالمضربين أو بممثليهم، والاستماع بشكل مباشر إلى التحذيرات الطبية المتكررة بشأن تدهور حالتهم الصحية.

وفي مقطع فيديو جرى تداوله على الإنترنت، ظهر أحد المشاركين في الاحتجاج وهو يتهم الوزير بتجاهل مناشدات أصدقاء وعائلات ومحامي المحتجزين، رغم التأكيدات بأن بعضهم باتوا في وضع صحي حرج، وأضاف أن استمرار الصمت الرسمي يعني، من وجهة نظرهم، تحملاً مباشراً للمسؤولية عن أي تدهور أو وفاة محتملة.

الاحتجاج لم يمر من دون تدخل أمني. فقد أعلنت شرطة سكوتلاند يارد أنها تلقت بلاغاً في الساعة 7:35 صباحاً يفيد بقيام متظاهرين برش الطلاء على واجهة مبنى وزارة العدل، مؤكدة اعتقال شخصين للاشتباه في ارتكابهما جريمة تخريب، ولم تذكر الشرطة تفاصيل إضافية عن هويات المعتقلين أو التهم المحتملة، مكتفية بالتأكيد على أن التحقيقات لا تزال جارية.

وتأتي هذه الاعتقالات في سياق تصاعد التوتر بين السلطات البريطانية ونشطاء الحركة، الذين يرون أن الرد الأمني يفاقم الأزمة بدلاً من معالجتها، خاصة في ظل الإضراب المفتوح عن الطعام الذي دخل مراحله الخطرة.

إضراب غير مسبوق

يصف النشطاء هذا الإضراب بأنه الأكبر من نوعه في المملكة المتحدة منذ إضراب سجناء الجيش الجمهوري الأيرلندي عن الطعام في ثمانينات القرن الماضي بقيادة بوبي ساندز، وهو تشبيه يحمل دلالات سياسية وتاريخية ثقيلة في الذاكرة البريطانية.

ويواجه نحو 30 ناشطاً من حركة "فلسطين أكشن- Palestine Action" محاكمات متفرقة على خلفية تحركات احتجاجية سابقة، وقد وُجهت اتهامات إلى 24 منهم تتعلق باحتجاج جرى العام الماضي داخل شركة إلبيت سيستمز في فيلتون قرب بريستول، وهي شركة تعمل في مجال الصناعات العسكرية، بينما يواجه خمسة آخرون اتهامات بسبب احتجاج منفصل في قاعدة بريز نورتون الجوية.

المتهمون في قضية فيلتون يواجهون تهم السطو المشدد والإتلاف الجنائي والإخلال بالنظام العام، ورغم إشارة الادعاء إلى وجود صلة بالإرهاب في سياق القضية، لم تُوجه أي تهم رسمية بموجب قانون مكافحة الإرهاب، وهو ما يعتبره النشطاء دليلاً على الطابع السياسي للتعامل مع هذه القضايا.

ومن المقرر أن تبدأ محاكمة قضية بريز نورتون في يناير 2027، ما يعني أن بعض المحتجزين قد يقضون فترات طويلة في الحبس الاحتياطي قبل أن تتاح لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم أمام القضاء، ويؤكد النشطاء أن جميع القضايا تتعلق بتحركات احتجاجية وقعت قبل قرار حظر حركة "فلسطين أكشن- Palestine Action".

أيام طويلة بلا طعام

بحسب بيانات قدمها المحتجون، فإن اثنين من المضربين عن الطعام، هما هبة مريسي وكامران أحمد، سيقضيان 19 شهراً في الحبس الاحتياطي دون كفالة قبل المحاكمة، في حين سيقضي أربعة آخرون 18 شهراً، في حين يُتوقع أن يقضي اثنان آخران 17 شهراً رهن الاحتجاز.

أما على صعيد الإضراب نفسه، فأوضح النشطاء أن آمو جيب وزهرة يخوضان إضرابا عن الطعام منذ 41 يوماً، فيما دخلت هبة مريسي يومها الأربعين، ويستمر سينك وهوكسا وأحمد في الإضراب منذ 37 و34 و33 يوماً على التوالي، في حين بدأ شياراميلو إضرابه منذ 19 يوماً، وخالد منذ 9 أيام. وأكد المحتجون أن خمسة من المضربين نُقلوا إلى المستشفى حتى الآن نتيجة تدهور أوضاعهم الصحية.

على الصعيد السياسي، دخل النائب المستقل جيريمي كوربين على خط الأزمة، واصفاً رفض وزير العدل الاجتماع بالمضربين عن الطعام بأنه أمر شائن، وأشار كوربين إلى أنه راسل لامي في 20 نوفمبر بشأن موكله آمو جيب، محذراً من أن استمرار الإضراب قد يؤدي إلى نتائج مأساوية.

وبحسب كوربين، جاء رد وزير العدل بالتأكيد على أن سلامة السجناء تبقى الشاغل الرئيسي، وهو رد اعتبره النشطاء عامّاً ولا يرقى إلى مستوى الأزمة، في ظل غياب خطوات عملية ملموسة.

رد وزارة العدل

من جهتها، أكدت وزارة العدل البريطانية في رد رسمي أن تخريب الممتلكات العامة غير مقبول بتاتا، ويُلحق تكاليف غير ضرورية بالشرطة ودافعي الضرائب، وأضاف متحدث باسم الوزارة أن مصلحة السجون والمراقبة أكدت للوزراء أن جميع حالات الامتناع عن الطعام تُدار وفقا للسياسات المعتمدة، مع إجراء التقييمات الطبية اللازمة وتقديم الدعم المناسب بما يتوافق مع حقوق السجناء.

غير أن هذا الرد لم ينجح في تهدئة غضب النشطاء، الذين يرون أن الإجراءات المتبعة غير كافية، وأن الإضراب عن الطعام ليس سوى صرخة أخيرة في وجه نظام يعتبرونه ظالماً ومجحفاً.

تعد حركة "فلسطين أكشن- Palestine Action" من أبرز الحركات الاحتجاجية المؤيدة للقضية الفلسطينية في بريطانيا، وتركز نشاطها على استهداف شركات ومؤسسات تعتبرها متورطة في دعم الاحتلال الإسرائيلي، خصوصا في مجال الصناعات العسكرية، وقد أثار قرار حظر الحركة جدلا واسعا حول حدود حرية الاحتجاج والعمل السياسي، خاصة مع لجوء السلطات إلى استخدام الحبس الاحتياطي لفترات طويلة بحق نشطائها.

وفي ظل تصاعد الإضرابات عن الطعام والاحتجاجات الرمزية مثل رش الطلاء الأحمر، تتجه الأنظار إلى كيفية تعامل الحكومة البريطانية مع هذه الأزمة، وما إذا كانت ستفتح باب الحوار أو تواصل نهجها الأمني والقضائي، في وقت تتزايد فيه المخاوف من عواقب إنسانية خطِرة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية