المجتمع المدني يرفع صوته في الأمم المتحدة.. 270 منظمة تطالب بحماية اللاجئين وحقوق الإنسان

المجتمع المدني يرفع صوته في الأمم المتحدة.. 270 منظمة تطالب بحماية اللاجئين وحقوق الإنسان
آنالينا بيربوك، رئيسة الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة

في لحظة تاريخية تتقاطع فيها الأزمات الإنسانية مع التوترات الجيوسياسية، رفعت أكثر من 270 منظمة حقوقية وإنسانية ودينية من مختلف أنحاء العالم صوتها مطالبةً الدول الأعضاء في الأمم المتحدة خلال اجتماعات الجمعية العامة في دورتها الثامنة والستين، بالالتزام بالمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان واللاجئين والقانون الإنساني.

 الرسالة المفتوحة، التي نُشرت على هامش الاجتماع السنوي في نيويورك، وفقا لما أوردته شبكة “الخدمة الدولية لحقوق الإنسان” الثلاثاء، مثّلت تحالفًا واسعًا من المجتمع المدني هدفه مواجهة التراجع المقلق عن القواعد الدولية التي أرستها عقود من التجارب المأساوية والحروب والصراعات.

من مآسي القرن العشرين إلى التزامات القانون الدولي

تعود أهمية هذه الدعوة إلى التجارب القاسية التي شهدها القرن العشرون، خصوصًا مع ملايين البشر الذين تُركوا بلا حماية خلال الحربين العالميتين، قبل صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) واتفاقية اللاجئين (1951) وبروتوكولها (1967)، وهذه المواثيق لم تكن مجرد نصوص قانونية، بل جاءت كحصيلة مباشرة لدماء وضحايا الحروب والاضطهاد، لتشكل شبكة أمان عالمية تهدف إلى إنقاذ الأرواح ومنع تكرار المآسي.

غير أن الالتزام بهذه المواثيق بدأ يتعرض خلال السنوات الأخيرة لاختبارات قاسية، مع تصاعد النزاعات المسلحة، وتغير المناخ، والأزمات الاقتصادية والسياسية، التي ولّدت موجات نزوح ولجوء غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، وتشير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن عدد اللاجئين حول العالم تجاوز 43 مليونًا بحلول منتصف عام 2024، إضافة إلى أكثر من 120 مليون إنسان نازح قسريًا.

دعوة المجتمع المدني.. حماية القواعد قبل أن تنهار

أكدت المنظمات الموقعة أن المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان واللاجئين ليست مجرد وثائق سياسية، بل هي ركيزة أساسية للنظام الدولي القائم على القواعد، وضمانة للسلم والأمن العالميين، وطالبت برفض أي محاولات لتقويضها أو استبدالها بإطارات قانونية تُفرغها من مضمونها، كما حدث في بعض السياسات التي سعت إلى تقييد حق اللجوء أو إعادة اللاجئين إلى مناطق النزاع.

وأشارت الرسالة إلى أن احترام هذه المواثيق ساهم في إنقاذ حياة ملايين البشر ومنحهم فرصة لإعادة بناء حياتهم، بينما يؤدي التخلي عنها إلى تكريس الاضطهاد والانتهاكات، وزيادة النزاعات التي تهدد الاستقرار العالمي.

أبعاد إنسانية.. اللاجئون بين النصوص والواقع

المعطيات تكشف أن نحو ثلثي اللاجئين يعيشون في الدول المجاورة لأوطانهم، بينما يقيم ثلاثة أرباعهم في دول ذات دخل منخفض أو متوسط، وهذا الواقع يسلط الضوء على حجم الأعباء التي تتحملها هذه الدول، وعلى الحاجة إلى توزيع أكثر عدالة للمسؤوليات الدولية، سواء من خلال إعادة التوطين أو عبر دعم القدرات الوطنية لتوفير الحماية والخدمات.

وتشير منظمات حقوقية إلى أن الأزمات الممتدة في سوريا وأفغانستان والسودان وأوكرانيا، إلى جانب الكوارث المناخية المتكررة، وضعت ملايين البشر أمام خيارات صعبة بين الموت في بلادهم أو رحلة نزوح محفوفة بالمخاطر، وهنا تتجلى أهمية الالتزام بمبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يشكل حجر الزاوية في اتفاقية اللاجئين، والذي يضمن عدم إعادة أي شخص إلى بلد قد يتعرض فيه للاضطهاد أو التعذيب.

القانون الدولي والواقع السياسي

منذ اعتماد اتفاقية اللاجئين، انضمت إليها 149 دولة، غير أن التباين في الالتزام لا يزال واسعًا. ففي حين تواصل بعض الدول استقبال اللاجئين وتقديم الدعم، تبنت دول أخرى سياسات متشددة لإغلاق الحدود، أو أقامت مراكز احتجاز جماعية، أو فرضت اتفاقيات مع دول ثالثة لإبعاد طالبي اللجوء، وهذه الممارسات أثارت قلق الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية التي رأت فيها تقويضًا مباشرًا لروح القانون الدولي.

في هذا السياق، شددت الرسالة التي أطلقتها منظمات المجتمع المدني على ضرورة أن تترجم الدول التزاماتها إلى إجراءات ملموسة من توقيع وتصديق الاتفاقيات، إلى سنّ تشريعات وطنية تحمي اللاجئين، وتفعيل أنظمة لجوء عادلة وفعالة، وتعزيز التعاون الدولي في مجالات إعادة التوطين والمساعدات الإنسانية.

أصوات أممية وحقوقية

أصدرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، بيانات داعمة لموقف المجتمع المدني، معتبرة أن أي تقويض لاتفاقية اللاجئين يهدد النظام الدولي القائم على قواعد متفق عليها، ويترك ملايين البشر في مواجهة المصير المجهول.

من جانبه، شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أن "الكرامة الإنسانية لا تعرف حدودًا"، داعيًا الدول إلى التمسك بمسؤولياتها التاريخية وعدم السماح للسياسة قصيرة النظر بأن تدمر مكتسبات إنسانية راكمها المجتمع الدولي عبر سبعة عقود.

أزمات متشابكة

تتزامن هذه الدعوة مع أزمات متشابكة منها الحرب في أوكرانيا التي أدت إلى نزوح أكثر من 6 ملايين لاجئ، والصراع في السودان الذي خلف أكثر من 5 ملايين نازح منذ 2023، والأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من 13 عامًا، وإلى جانب النزاعات المسلحة، باتت الكوارث المناخية -مثل الفيضانات وحرائق الغابات والجفاف- سببًا رئيسيًا للنزوح القسري، ما يزيد من تعقيد التحديات التي تواجهها المنظومة الدولية.

بين الالتزام والتقاعس

يبقى السؤال مطروحًا: هل تستجيب الدول لنداء المجتمع المدني وتعيد التأكيد على التزاماتها أم تواصل السير في اتجاه سياسات الانغلاق؟ الخبراء يرون أن الجمعية العامة تمثل فرصة لإعادة إحياء النقاش العالمي حول أهمية القواعد الإنسانية، خاصة في ظل الاحتفال بالذكرى السبعين لاتفاقية اللاجئين، التي تظل شاهدًا على ما يمكن أن تحققه الإرادة الجماعية حين تنتصر للكرامة الإنسانية.

في الختام، لا يتعلق الأمر بمجرد وثائق أو نصوص، بل بمصائر بشرية حقيقية، وملايين النساء والأطفال والرجال الذين فروا من الاضطهاد أو الحروب أو الكوارث المناخية ينتظرون من المجتمع الدولي أن يترجم وعوده إلى أفعال، وأن يضع الكرامة الإنسانية في صدارة أولوياته، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية