بين الحروب والمناخ والاقتصاد.. أرقام قياسية للهجرة تعكس أزمات إنسانية متراكمة

بين الحروب والمناخ والاقتصاد.. أرقام قياسية للهجرة تعكس أزمات إنسانية متراكمة
الهجرة غير الشرعية

يشهد العالم اليوم أعلى معدلات حركة هجرة في تاريخه الحديث، في ظاهرة تعكس عمق الأزمات التي تضرب مختلف المناطق. 

لم تعد الهجرة مجرد خيار فردي لتحسين ظروف المعيشة، بل تحولت لدى ملايين البشر إلى مسار قسري للهروب من الحروب والعنف والفقر والانهيارات المناخية، ومع اتساع رقعة النزوح وتداخل أسبابه، باتت حركة البشر عبر الحدود واحدة من أبرز القضايا الإنسانية والسياسية في القرن الحالي.

أفادت وكالة أنباء الأناضول في تقرير لها الأربعاء بأنه خلال السنوات الأخيرة طرأت تغيرات كبيرة على حجم الهجرة ودينامياتها، لم يعد الاتجاه من الجنوب إلى الشمال هو المسار الوحيد، بل ظهرت أنماط أكثر تعقيدا تشمل الهجرة الإقليمية والنزوح الداخلي والهجرة المؤقتة، وتشير التقارير الدولية إلى أن هذه التحولات ترتبط بشكل وثيق بتزايد النزاعات المسلحة، واتساع الفجوة الاقتصادية بين الدول، وتأثيرات تغير المناخ التي تدفع المجتمعات الهشة إلى البحث عن الأمان خارج حدودها.

أرقام تاريخية تعكس حجم الظاهرة

تظهر بيانات تقرير الهجرة العالمي 2024 الصادر عن المنظمة الدولية للهجرة أن عدد المهاجرين الدوليين بلغ نحو 281 مليون شخص حتى عام 2020، أي ما يعادل 3.6 بالمئة من سكان العالم، وهذا الرقم يعكس اتساع الظاهرة وتحولها إلى واقع دائم في النظام العالمي، وتشير البيانات إلى توازن نسبي بين الجنسين، حيث بلغ عدد الإناث من المهاجرين 135 مليوناً مقابل 146 مليوناً من الذكور، بينهم 28 مليون طفل، أي ما يعادل 1.4 بالمئة من إجمالي عدد الأطفال في العالم.

إلى جانب الهجرة الدولية، يكشف واقع النزوح القسري عن صورة أكثر قتامة، فبحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ عدد النازحين قسرا في العالم 117.3 مليون شخص حتى يونيو 2025، وهؤلاء اضطروا إلى مغادرة منازلهم بسبب الاضطهاد أو الصراعات المسلحة أو العنف أو انتهاكات حقوق الإنسان أو انهيار النظام العام. ويشمل هذا الرقم 67.8 مليون نازح داخلي و42.5 مليون لاجئ و8.42 مليون طالب لجوء يبحثون عن حماية دولية.

الحروب والمناخ

يلفت تقرير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن النزوح القسري ازداد بشكل مطّرد خلال العقد الأخير، مدفوعا بتصاعد النزاعات وعدم الاستقرار السياسي، إلى جانب الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ. الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة باتت عوامل مباشرة تدفع مجتمعات بأكملها إلى الهجرة، خصوصاً في الدول الفقيرة التي تفتقر إلى بنى تحتية قادرة على التكيف مع هذه التغيرات.

دول تتحمل العبء الأكبر

تكشف البيانات أن أكثر من نصف اللاجئين في العالم كانوا حتى نهاية عام 2022 يقيمون في 10 دول فقط، ما يعكس عدم توازن كبير في تقاسم المسؤولية الدولية، وكانت تركيا تستضيف للعام السابع على التوالي أكبر عدد من اللاجئين في العالم، حيث كان نحو 3.6 مليون لاجئ يخضعون للحماية الدولية، معظمهم من السوريين. 

هذا الواقع يسلّط الضوء على الضغط الهائل الذي تتحمله دول الجوار للدول المتأزمة، مقارنة بمحدودية مساهمة دول أخرى في استقبال اللاجئين.

على الرغم من التحديات الاقتصادية العالمية، استمرت الهجرة إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عند مستويات مرتفعة، ووفقا لتقرير آفاق الهجرة الدولية 2025، دخل 6.2 مليون مهاجر دائم جديد إلى دول المنظمة في عام 2024، ويعد هذا الرقم أعلى بنسبة 15 بالمئة مقارنة بعام 2019، أي قبل جائحة كورونا، ما يشير إلى تعافٍ سريع لتدفقات الهجرة بعد فترة الإغلاق العالمي.

تصاعد طلبات اللجوء وتراجع الحماية

بالتوازي مع الهجرة الدائمة، سجلت طلبات اللجوء رقما قياسيا جديدا في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد تم تقديم 3 ملايين طلب لجوء جديد في عام 2024، وهو أعلى رقم في تاريخ المنظمة، وتصدرت الولايات المتحدة قائمة الدول المستقبلة لأكثر من نصف هذه الطلبات، مع زيادات ملحوظة في كندا والمملكة المتحدة، وجاءت فنزويلا وكولومبيا وسوريا وأفغانستان والهند في مقدمة الدول التي انطلق منها طالبو اللجوء، في مؤشر واضح على استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية في هذه البلدان.

أمام هذه الأرقام المتصاعدة، لجأت العديد من الدول التي تواجه تدفقات هجرة مرتفعة إلى تشديد سياساتها، سواء عبر تشديد إجراءات اللجوء أو تقليص مسارات الهجرة النظامية، ورغم أن هذه السياسات تهدف إلى ضبط الحدود، فإنها غالبا ما تؤدي إلى زيادة المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون، ودفعهم إلى طرق غير آمنة، ما يفاقم الأزمات الإنسانية بدلا من معالجتها.

الهجرة كقضية إنسانية عالمية

تعكس هذه المعطيات أن الهجرة لم تعد شأنا محليا أو إقليميا، بل قضية عالمية تتطلب استجابات جماعية تقوم على التضامن وتقاسم المسؤوليات، فالمهاجرون واللاجئون ليسوا أرقاما في تقارير، بل بشراً يحملون قصص فقدان وأمل، ويبحثون عن الأمان والكرامة. 

ومع استمرار الأزمات، يبقى التحدي الأكبر هو إيجاد سياسات تحمي حقوق الإنسان وتوازن بين احتياجات الدول وواجباتها الإنسانية.

أصبح اليوم الدولي للمهاجرين، الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، مناسبة لتسليط الضوء على واقع الهجرة العالمية والتحديات المرتبطة بها، وتشير التقارير الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن الهجرة والنزوح القسري مرشحان للاستمرار في الارتفاع ما لم تتم معالجة الأسباب الجذرية، وعلى رأسها النزاعات المسلحة وعدم المساواة الاقتصادية وتغير المناخ، وفي ظل هذا الواقع، تتزايد الدعوات إلى تعزيز التعاون الدولي، وتوسيع مسارات الهجرة الآمنة، وضمان حماية حقوق المهاجرين واللاجئين باعتبارهم جزءا أصيلا من المجتمع الإنساني العالمي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية