جريمة بذريعة الشرف.. مقتل شيرين أوسو يهز الضمير ونساء عفرين يطالبن بالعدالة
جريمة بذريعة الشرف.. مقتل شيرين أوسو يهز الضمير ونساء عفرين يطالبن بالعدالة
في واحدة من أكثر الجرائم إيلاما ووحشية التي هزت الرأي العام في مناطق شمال وشرق سوريا، أعاد مقتل الشابة شيرين أوسو فتح ملف العنف الممنهج ضد النساء، وكشف مرة أخرى حجم الخطر الذي يتهدد حياتهن في ظل ذهنية ذكورية قاتلة وصمت اجتماعي وقانوني مقلق، فالجريمة التي وقعت في مدينة عفرين لم تكن حادثة عابرة أو لحظة غضب طارئة، بل جاءت نتيجة مسار طويل من العنف الأسري المنظم، انتهى بإزهاق روح شابة في التاسعة عشرة من عمرها.
ردا على الجريمة نددت نساء مدينة عفرين في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا بيانا في مدينة قامشلو صدر اليوم الأحد، بمقتل شيرين أوسو بأشد العبارات، مؤكدات أن ما جرى يمثل جريمة قتل مكتملة الأركان وانتهاكا صارخا لحق المرأة في الحياة والكرامة الإنسانية، وشدد البيان على الرفض القاطع لأي محاولات لتزييف الحقائق أو تبرير الجريمة بذريعة ما يسمى الشرف، معتبرات أن هذه الذريعة لم تعد سوى أداة لتكريس العنف ومنح الجناة غطاء اجتماعيا وقانونيا خطيرا، وفق وكالة أنباء المرأة.
رفض التسويات والمصالحات
أكد البيان أن مقتل شيرين لا يمكن التعامل معه كحادثة فردية أو واقعة معزولة، بل هو نتيجة مباشرة لمسلسل طويل من العنف الأسري الممنهج والتعذيب النفسي والجسدي الذي تعرضت له الضحية على يد زوجها وعائلته، وأشارت النساء إلى أن هذا العنف جرى في ظل بيئة سمحت باستمراره عبر الصمت المجتمعي وغياب المساءلة القانونية، ما وفر ظروفا خصبة لارتكاب الجريمة.
وشددت نساء عفرين على أن العدالة لا يمكن أن تتحقق عبر المصالحات أو التسويات العرفية، بل فقط من خلال محاسبة الجناة محاسبة صارمة ورادعة، وطالب البيان بإجراء تحقيق مستقل ونزيه لكشف ملابسات الجريمة كاملة، داعيا إلى عرض جثمان الضحية على لجنة طبية شرعية مستقلة بعيدا عن أي ضغوط أو تدخلات، لضمان الوصول إلى الحقيقة دون تلاعب أو طمس للأدلة.
الأعراف سلاح ضد النساء
سلّط البيان الضوء على خطورة توظيف الأعراف الاجتماعية لتبرير العنف والقتل، محذرا من أن هذه الأعراف تحولت في كثير من المناطق إلى سلاح موجه ضد النساء بدلا من أن تكون وسيلة لحمايتهن، وأكدت النساء أن ما يجري في عفرين يعكس واقعا مأساويا تعيشه النساء في ظل تفشي حالة الإفلات من العقاب وغياب القوانين الرادعة، ما يجعل حياة النساء عرضة للخطر الدائم.
طالبت نساء عفرين بسن قوانين واضحة وصارمة تجرم العنف الأسري وجرائم قتل النساء دون أي أعذار مخففة، وتضمن عدم إفلات الجناة من العقاب، كما دعون إلى تدخل أطراف قانونية وحقوقية مستقلة لحماية النساء المهددات وتأمين بيئة آمنة لهن، إضافة إلى ضمان مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية وفي رسم مستقبل سوريا على أسس العدالة والمساواة.
في السياق ذاته أصدر مؤتمر ستار في مدينة حلب بياناً اليوم الأحد ندد فيه بجريمة قتل شيرين أوسو وبجرائم قتل النساء التي ترتكب تحت ذريعة الشرف، وأكد البيان أن الجريمة لم تكن حادثة عرضية بل فعلا منظما جرى التخطيط له بعقلية تعتبر حياة النساء مباحة للسلب والاعتداء، مشيرا إلى أن الضحية كانت بريئة لا ذنب لها سوى أنها عاشت في بيئة تحكمها الوحشية والعنف.
انتقاد السياسات القائمة
اعتبر مؤتمر ستار أن ما حدث يكشف عن سياسة ممنهجة تهدف إلى تكريس العنف ضد النساء في عفرين، حيث تسود الفوضى وتغيب القوانين الرادعة والمنظمات الحامية لحقوق المرأة، وأشار البيان إلى أن الجناة غالبا ما يفلتون من العقاب، بل يتم تبرير جرائمهم بذريعة الشرف أو عبر التغاضي المتعمد من الجهات المسيطرة، ما يشجع على تكرار هذه الجرائم.
وانتقد البيان السياسات التي تحرم النساء من أبسط حقوقهن، مشيرا إلى قرارات حديثة تقضي بحرمان الأم من حق الوصاية على أبنائها لصالح أقارب من درجات بعيدة، معتبرا أن هذه القرارات تعكس استخفافا واضحا بحقوق النساء وسعيا منهجيا لإقصائهن عن دورهن الطبيعي في المجتمع والحياة السياسية.
أكد مؤتمر ستار أن جرائم قتل النساء تمثل وصمة عار وانتهاكا صارخا بحق الإنسانية جمعاء، داعيا جميع المنظمات الحقوقية والنسوية إلى التحرك العاجل لمحاسبة الجناة ومن يقف خلفهم، ولا سيما الفصائل التي تدعم هذه الجرائم أو تشرعنها، وشدد البيان على أن المرأة هي جوهر الحياة، وأن استهدافها بهذه الوحشية هو استهداف مباشر للمجتمع بأسره.
من وجع شيرين إلى وجع جميع النساء
اختتمت نساء عفرين بيانهن بالتأكيد على أن صوت شيرين وكل النساء اللواتي سلبت أرواحهن تحت مسميات زائفة سيظل حاضرا في الذاكرة الجماعية، مشددات على أن حماية المرأة ليست مطلبا فئويا بل شرطا أساسيا لبناء مجتمع عادل وديمقراطي تصان فيه كرامة الإنسان دون تمييز.
تأتي جريمة مقتل شيرين أوسو في سياق أوسع من الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في مناطق النزاع والاحتلال، حيث تتقاطع الذهنية الذكورية مع غياب القانون وضعف آليات الحماية، ففي عفرين المحتلة سجلت منظمات حقوقية ونسوية خلال السنوات الماضية عشرات الحالات من القتل والعنف الأسري والخطف والزواج القسري بحق النساء، غالبا دون محاسبة حقيقية للجناة، ويعزو ناشطون هذا الواقع إلى تفكك المنظومة القانونية وانتشار السلاح وتوظيف الأعراف الاجتماعية لتبرير الجرائم، ما يجعل النساء الحلقة الأضعف في مجتمع يعيش تحت وطأة العنف والفوضى.










