بعد أزمة معقدة.. نيجيريا تستعيد 130 تلميذاً ومدرساً من قبضة الخطف الجماعي
بعد أزمة معقدة.. نيجيريا تستعيد 130 تلميذاً ومدرساً من قبضة الخطف الجماعي
تنفست نيجيريا الصعداء مع استقبالها 130 تلميذاً ومدرساً، بعد شهر كامل من احتجازهم في واحدة من كبرى عمليات الاختطاف الجماعي التي شهدتها البلاد في تاريخها الحديث.. لحظة الوصول لم تكن مجرد حدث أمني ناجح، بل كانت مشهداً إنسانياً ثقيلاً، اختلطت فيه مشاعر الفرح بالقلق، والارتياح بالألم، مع ظهور آثار الصدمة وسوء التغذية في وجوه عدد من الأطفال.
في احتفال رسمي نظمته السلطات الحكومية، وصل الأطفال والمدرسون المحررون وسط إجراءات أمنية مشددة، بدت علامات الإرهاق واضحة على كثيرين منهم، في حين كان بعض الأطفال يحدق بصمت، وكأنهم ما زالوا عالقين في تفاصيل التجربة القاسية التي عاشوها، مصادر رسمية أكدت أن بعضهم يعاني من آثار نفسية واضحة نتيجة الاحتجاز الطويل والتهديدات المستمرة.
تعود تفاصيل الحادثة إلى هجوم مسلح وقع قبل الفجر في مدرسة كاثوليكية تقع في منطقة بابيري بولاية نيجر، في ذلك اليوم اقتحم مسلحون المدرسة بشكل مفاجئ، وأطلقوا الرصاص في الهواء لبث الرعب، قبل أن يجمعوا التلاميذ والمدرسين ويقتادوهم بالقوة إلى وجهة مجهولة، العملية تمت بسرعة ودقة، ما أربك قوات الأمن وأثار موجة غضب واسعة في البلاد.
بحسب إدارة المدرسة، فإن معظم من تعرضوا للاختطاف تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاماً، وهؤلاء الأطفال كانوا يستعدون ليوم دراسي عادي، قبل أن تتحول لحظاتهم الأولى من الصباح إلى كابوس طويل استمر شهراً كاملاً، أحد الأطفال الذين أفرج عنهم في وقت سابق روى لوكالة أسوشيتد برس أن المسلحين هددوا بقتلهم خلال الهجوم لإجبارهم على الامتثال، وهو ما ترك أثراً نفسياً عميقاً في نفوسهم.
أيام من الخوف والجوع
خلال فترة الاحتجاز عاش المختطفون في ظروف قاسية، وأشارت مصادر أمنية وإنسانية إلى أن الأطفال تعرضوا لنقص حاد في الغذاء، ما يفسر مظاهر سوء التغذية التي بدت على بعضهم عند الإفراج عنهم، كما عانى كثيرون من قلة النوم والخوف الدائم، في ظل تهديدات متكررة من الخاطفين، ما جعل تجربة الاحتجاز أقرب إلى محنة نفسية وجسدية متكاملة.
وأعلنت الشرطة النيجيرية أن تحرير المختطفين تم يوم الأحد بعد جهود أمنية مكثفة استمرت أسابيع، ولم تكشف السلطات تفاصيل دقيقة حول طبيعة العملية، سواء جرت عبر تدخل عسكري مباشر أو مفاوضات غير معلنة، مكتفية بتأكيد أن سلامة الأطفال كانت أولوية قصوى، هذا الغموض يعكس حساسية الملف وتعقيداته في بلد يعاني من انتشار جماعات مسلحة تنشط في مناطق واسعة.
وأكدت السلطات النيجيرية أنها تعمل على استكمال الإجراءات اللازمة للم شمل الأطفال مع أسرهم في أقرب وقت ممكن، مع الحرص على أن يتم ذلك قبل حلول عيد الميلاد. و بالنسبة للعائلات، يمثل هذا الموعد رمزية خاصة، إذ يأمل الأهالي أن يكون العيد فرصة لاحتضان أبنائهم بعد أسابيع من القلق والخوف والترقب.
فرح ممزوج بالحذر
رغم مشاعر الارتياح العام، فإن كثيرين في نيجيريا ينظرون إلى هذه الحادثة باعتبارها تذكيراً مؤلماً بحجم التحديات الأمنية التي تواجه البلاد، فعمليات الاختطاف الجماعي باتت تتكرر في السنوات الأخيرة، خصوصاً في المناطق الشمالية والوسطى، حيث تنشط عصابات مسلحة تستهدف المدارس والقرى طلباً للفدية أو لتحقيق مكاسب نفوذ.
خبراء في علم النفس يؤكدون أن الأطفال الذين مروا بتجربة الاختطاف يحتاجون إلى رعاية نفسية طويلة الأمد، الصدمة التي تعرضوا لها لا تنتهي بمجرد الإفراج عنهم، بل قد تستمر آثارها لسنوات إذا لم يتم التعامل معها بشكل مهني. الخوف الليلي، القلق، وصعوبة العودة إلى الدراسة من أبرز التحديات المتوقعة في المرحلة المقبلة.
تكرار استهداف المدارس في نيجيريا يعكس هشاشة الوضع الأمني في المناطق الريفية والنائية، وكثير من المدارس يفتقر إلى الحراسة الكافية أو البنية التحتية الأمنية، ما يجعلها أهدافاً سهلة للجماعات المسلحة، وهذه الهجمات لا تهدد حياة الأطفال فقط، بل تقوض حقهم الأساسي في التعليم وتدفع بعض العائلات إلى إبقاء أبنائها في المنازل خوفاً من تكرار المأساة.
أثارت حادثة الاختطاف موجة غضب واسعة في الشارع النيجيري، حيث تساءل كثيرون عن قدرة الدولة على حماية مواطنيها، وخاصة الأطفال. ورغم الترحيب بعودة المختطفين سالمين، فإن الأصوات المنتقدة طالبت بإجراءات أكثر صرامة لمنع تكرار مثل هذه الجرائم، ومحاسبة المسؤولين عن أي تقصير أمني.
تحديات أمنية مزمنة
تواجه نيجيريا منذ سنوات تحديات أمنية معقدة، تشمل نشاط جماعات مسلحة وعصابات إجرامية تستغل الفقر وضعف الدولة في بعض المناطق. عمليات الاختطاف باتت وسيلة رئيسية لتمويل هذه الجماعات، ما يجعل التصدي لها مسألة تتطلب حلولاً شاملة تتجاوز المعالجة الأمنية المباشرة.
عودة 130 تلميذاً ومدرساً تشكل بارقة أمل وسط واقع صعب، لكنها في الوقت نفسه تضع السلطات أمام اختبار جديد، فالأهالي يريدون ضمانات حقيقية بألا تتكرر هذه التجربة، وأن يتمكن أطفالهم من الذهاب إلى مدارسهم دون خوف. نجاح أي خطة مستقبلية سيقاس بقدرة الدولة على تحويل هذه العودة إلى نقطة تحول حقيقية في ملف الأمن والتعليم.
تشهد نيجيريا منذ أكثر من عقد تصاعداً في عمليات الاختطاف الجماعي، خاصة في المناطق الشمالية والوسطى، حيث تنشط جماعات مسلحة تستهدف المدنيين والمؤسسات التعليمية، وتعد المدارس من أكثر الأهداف تضرراً بسبب ضعف الحماية وسهولة الوصول إليها، وعلى الرغم من الجهود الحكومية المتكررة لتعزيز الأمن، لا تزال هذه الجرائم تمثل تهديداً مستمراً للاستقرار الاجتماعي وحق الأطفال في التعليم، ما يجعل ملف الاختطاف واحداً من أخطر التحديات الإنسانية والأمنية التي تواجه البلاد في الوقت الراهن.










