نزيف مستمر.. أطفال ونساء سوريا يدفعون ثمن الانفلات الأمني

نزيف مستمر.. أطفال ونساء سوريا يدفعون ثمن الانفلات الأمني
عناصر دورية أمنية في سوريا

تشهد مناطق واسعة من سوريا تصاعدا مقلقا في أعداد الضحايا المدنيين، في ظل استمرار العنف وتعدد مصادر الخطر وغياب مظاهر الاستقرار والأمان. وخلال شهر ديسمبر الجاري وحده، سقط عشرات المدنيين بين قتيل وجريح، كان بينهم 16 طفلا و14 سيدة، في حوادث متفرقة توزعت على محافظات عدة، في مشهد يعكس هشاشة الوضع الأمني واستمرار التهديد اليومي لحياة السكان.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان تنوعت أسباب هذه الحوادث بين انفجارات الألغام ومخلّفات الحرب، وإطلاق النار الطائش أو العرضي، إضافة إلى الجرائم الجنائية وحالات العنف الأسري، فضلا عن سقوط ضحايا نتيجة عمليات عسكرية واشتباكات مسلحة، وهذا التنوع في مصادر الخطر يؤكد أن المدني السوري لا يزال محاصرا بأشكال متعددة من العنف، حتى في المناطق التي توصف بأنها أكثر هدوءا.

مخلفات الحرب خطر دائم

مع بداية شهر ديسمبر، استشهد طفل من بلدة تلمنس في ريف إدلب الشرقي نتيجة انفجار لغم أرضي في محيط بلدة معرشورين بريف معرة النعمان، في حادثة تعكس استمرار تهديد الألغام المنتشرة في الأراضي الزراعية والمناطق المفتوحة، ولم تمض أيام حتى لقي طفل آخر مصرعه في حي طب الجورة بمدينة دير الزور إثر انفجار جسم من مخلفات الحرب، ما يؤكد أن هذه المخلفات لا تزال تحصد الأرواح بعد سنوات من توقف المعارك في بعض المناطق.

وتكرر المشهد ذاته في ريف حلب الجنوبي، حيث استشهد طفلان وأصيب طفلان آخران جراء شظايا انفجار لغم أرضي في قرية بياعية الدنش، كما فارق طفل الحياة لاحقا في مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي متأثرا بإصابته بشظايا قنبلة عنقودية، وفي ريف حمص الشمالي، استشهد طفل يبلغ من العمر 8 سنوات إثر انفجار قنبلة عنقودية في قرية الزعفرانة، في حادثة جديدة تؤكد أن مخلفات الحرب ما زالت تشكل تهديدا مباشرا لحياة الأطفال.

الرصاص الطائش يحصد الأرواح

لم تقتصر أسباب الوفيات على الألغام وحدها في سوريا، بل كان للرصاص الطائش والعرضي نصيب كبير من الضحايا، ففي ريف دمشق، توفي طفل يبلغ من العمر 14 عاما بعد تعرضه لطلق ناري عن طريق الخطأ في بيت تيما بمنطقة قطنا. وفي ريف حماة الغربي، فارق طفل الحياة متأثرا بجراحه إثر إصابته برصاصة طائشة في الرأس أثناء الاحتفال بما يعرف بيوم التحرير.

وفي ريف دير الزور الشرقي، قُتل طفل في مقتبل العمر جراء إصابته بعيار ناري طائش في بلدة الجرذي، كما توفيت طفلة لاحقا متأثرة بإصابتها بطلقة نارية طائشة في بلدة ذيبان، وفي مدينة الرقة، قُتلت طفلة تبلغ من العمر 14 عاما إثر إصابتها بطلق ناري من سلاح صيد أطلق من مسافة قريبة، في حادثة تعكس خطورة انتشار السلاح داخل الأحياء السكنية.

جرائم جنائية وعنف أسري

إلى جانب مخلفات الحرب والرصاص الطائش، سجل شهر ديسمبر سلسلة من الجرائم الجنائية وحوادث العنف الأسري في سوريا والتي أودت بحياة نساء وفتيات، ففي حي الدعتور بمدينة اللاذقية، قُتلت شابة طعنا بأداة حادة على يد شخص من معارفها بعد استدراجها إلى إحدى المنازل، وفي دمشق، عثر على جثة سيدة مجهولة الهوية في حي التضامن، وقد تعرضت لإطلاق نار بعدة رصاصات.

وفي مخيم اليرموك جنوب العاصمة، قتلت سيدة على يد زوجها بإطلاق النار عليها بسبب الضغوط المعيشية، فيما شهد ريف السويداء الجنوبي جريمة مروعة راحت ضحيتها امرأة وطفلتها البالغة من العمر نحو 9 أعوام بعد أن أطلق شقيق الزوج النار عليهما، كما قُتلت امرأة متزوجة داخل منزل زوجها في قرية أشكان بناحية جنديرس، حيث عُثر على آثار ضرب وعنف على جسدها.

وفي ريف درعا الغربي، قُتلت فتاة على يد ذويها بذريعة ما يسمى جريمة شرف في بلدة تسيل، ومنع إقامة مجلس عزاء لها، في حادثة تعكس استمرار العنف القائم على النوع الاجتماعي في بعض المجتمعات المحلية.

ضحايا العمليات العسكرية والاشتباكات

لم تكن العمليات العسكرية بمنأى عن سقوط المدنيين، حيث قُتلت سيدة خلال عملية إنزال جوي نفذتها قوات التحالف الدولي في قرية المسطاحة قرب بلدة معدان بريف الرقة الشرقي أثناء تبادل إطلاق النار مع عناصر من تنظيم متطرف، وتكرر الأمر في قرية جديدة بريف الرقة، حيث قُتلت سيدة خلال عملية إنزال مماثلة.

وفي مدينة حلب، سقطت عدة سيدات ضحايا القصف المتبادل والاشتباكات بين القوات المختلفة في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية، إضافة إلى فقدان سيدتين حياتهما خلال قصف متبادل في أحياء أخرى من المدينة، كما قتلت سيدة جراء إطلاق نار من حاجز مجهول على طريق ترمانين الدانا شمال إدلب بعد استهداف سيارة مدنية بشكل مباشر.

خلال الشهر ذاته، عُثر على جثث سيدات مجهولات الهوية في أكثر من منطقة، من بينها سيدة وُجدت مقيدة اليدين والقدمين قرب معبر السهو النهري في بلدة البوليل بريف دير الزور الشرقي، وهذه الحوادث تعكس حالة الانفلات الأمني وغياب المساءلة، حيث تُرتكب الجرائم دون معرفة الجناة أو محاسبتهم.

الأطفال والنساء في دائرة الخطر

تُظهر هذه الوقائع بوضوح أن الأطفال والنساء هم الفئات الأكثر تضررا من العنف والانفلات الأمني في سوريا، فالأطفال يدفعون ثمن الألغام والرصاص الطائش، والنساء يتعرضن لجرائم قتل وعنف أسري واعتداءات خلال العمليات العسكرية. ويؤكد هذا الواقع غياب منظومات الحماية الفعالة، وضعف الإجراءات الرسمية والمجتمعية التي من شأنها الحد من هذه المآسي.

دور المرصد السوري لحقوق الإنسان

واصل المرصد السوري لحقوق الإنسان توثيق هذه الحوادث ضمن متابعته اليومية للأوضاع الأمنية والإنسانية في مختلف المناطق السورية، مشددا على أن استمرار هذه الخسائر البشرية يعكس فشلا واضحا في حماية المدنيين، كما جدد المرصد مطالبته للجهات الرسمية والمنظمات الإنسانية باتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية الأطفال والنساء، والعمل الجاد على إزالة مخلفات الحرب، والحد من انتشار السلاح، ومكافحة العنف الأسري والجرائم الجنائية.

تأتي هذه الحصيلة الثقيلة في سياق أزمة ممتدة تعيشها سوريا منذ سنوات، حيث أدى النزاع المسلح إلى انتشار واسع للألغام والذخائر غير المنفجرة، وتفكك منظومات الأمن والخدمات، وازدياد معدلات الفقر والعنف المجتمعي، ورغم تراجع حدة المعارك في بعض المناطق، فإن آثار الحرب ما زالت تحصد الأرواح يوميا، في ظل غياب برامج شاملة لإزالة المخلفات القاتلة، وضعف الدعم النفسي والاجتماعي، واستمرار الإفلات من العقاب. ويؤكد مراقبون أن حماية المدنيين، ولا سيما الأطفال والنساء، باتت أولوية ملحة تتطلب جهدا محليا ودوليا منظما، يتجاوز حدود التوثيق إلى الفعل الحقيقي على الأرض.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية