لتعزيز حقوق الإنسان.. سوريا تلغي المحاكم الاستثنائية وتتبنّى مسار العدالة الانتقالية

لتعزيز حقوق الإنسان.. سوريا تلغي المحاكم الاستثنائية وتتبنّى مسار العدالة الانتقالية
سوريا تحتفل لأول مرة في تاريخها باليوم العالمي لحقوق الإنسان

في خطوة رسمية لإعادة الاعتبار لحقوق الإنسان، أعلنت وزارة العدل السورية، اليوم الخميس، إلغاء المحاكم الاستثنائية واعتماد منهج العدالة الانتقالية، وهي خطوة لفتت الأنظار لكونها من أوسع الإجراءات الحقوقية التي تتخذها الدولة منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من عقد. 

جاء الإعلان خلال احتفالية غير مسبوقة باليوم العالمي لحقوق الإنسان في دمشق، حيث أكد وزير العدل مظهر الويس أنّ بلاده تمضي نحو مرحلة جديدة ترتكز على احترام الحقوق الأساسية وإعادة بناء منظومة العدالة على أسس قانونية شفافة، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا".

وشدّد الويس على أنّ الوزارة انطلقت في مسار إصلاحات متدرجة لتعزيز قيم حقوق الإنسان، من خلال الرقابة القضائية على السجون، وإنشاء مكاتب قانونية بهدف ضمان حقوق السجناء، والتأكد من توافق أساليب الاحتجاز مع المعايير الدولية. 

وأوضح أنّ إلغاء المحاكم الاستثنائية يُعدّ خطوة مركزية في هذا المسار، لكون هذه المحاكم ارتبطت خلال سنوات الحرب بانتقادات واسعة تتصل بانعدام الضمانات القانونية، وغياب المحاكمات العادلة، وتوسّع العمل بأحكام طارئة لا تخضع للمعايير المتعارف عليها في الدساتير الحديثة. 

وأضاف الوزير أنّ اعتماد العدالة الانتقالية يمثل محاولة إصلاحية تهدف إلى إتاحة الحق في التقاضي للجميع، وفتح المجال لتسوية الانتهاكات وطيّ صفحة الصراع على أسس قانونية ومجتمعية سليمة.

دلالات الاحتفالية الحقوقية 

يحمل تنظيم سوريا لأول احتفالية وطنية باليوم العالمي لحقوق الإنسان دلالات سياسية وقانونية واسعة، خاصة أنه يأتي بعد يومين فقط من الاحتفال الرسمي بعيد "التحرير والنصر". 

واعتبر الويس أنّ الجمع بين المناسبتين يشير إلى رغبة الدولة في ربط الانتصار العسكري ببداية مرحلة جديدة تضع "كرامة الإنسان" في مركز السياسات العامة. 

كما أن عقد الاحتفالية بمشاركة وزراء وسفراء وشخصيات أممية ومؤسسات مجتمع مدني داخل قصر المؤتمرات، يعكس -وفق مراقبين- محاولة رسم مسار جديد لصورة الدولة أمام المجتمع الدولي، الذي يُطالب منذ سنوات بإصلاحات جوهرية في ملف القضاء وحقوق الإنسان.

نحو إصلاحات داخلية

جاء هذا التطور في ظل تغيرات إقليمية ودولية تضغط باتجاه تعديل البيئة القضائية في سوريا، فمنذ اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948، التزمت الدول الأعضاء -ومن بينها سوريا- بتطبيق مبادئه. 

غير أنّ سنوات الحرب تركت آثارًا عميقة على النظام القضائي، ما جعل ملف المحاكم الاستثنائية والاحتجاز أحد أبرز القضايا التي تُثار في المحافل الحقوقية. 

وبالتالي، فإن إعلان إلغاء هذه المحاكم لا يُمكن قراءته بمعزل عن تحركات أممية تطالب بمواءمة الممارسات القضائية مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها دمشق، بما في ذلك حق المحاكمة العادلة وعدم الاحتجاز التعسفي.

تحديات أمام العدالة الانتقالية

رغم أهمية الخطوات المُعلنة، يرى خبراء حقوق الإنسان أنّ مسار العدالة الانتقالية في سوريا لا يزال يحتاج إلى آليات واضحة تُترجم الالتزامات إلى إجراءات عملية، تشمل توثيق الانتهاكات، وتعويض الضحايا، وضمان عدم الإفلات من العقاب، وتطوير المؤسسة القضائية بشكل فعلي. 

ويشير حقوقيون إلى ضرورة إشراك المجتمع المدني في مراحل الإصلاح، وإتاحة مساحة أوسع لرقابة المنظمات المستقلة على السجون والمحاكم. 

ومع ذلك، يشكل الإعلان الحكومي خطوة مهمة نحو فتح باب التغيير القانوني، خصوصًا في بلد شهد واحدًا من أعقد النزاعات في القرن الحالي، وما نتج عن ذلك من ملفات عدلية متراكمة.

لحظة سورية فارقة

يمثل إعلان وزارة العدل السورية إلغاء المحاكم الاستثنائية واعتماد العدالة الانتقالية لحظة فارقة في مسار العلاقة بين الدولة ومنظومة حقوق الإنسان. 

وبينما يرحّب الحقوقيون بالخطوة من حيث المبدأ، يبقى نجاحها مرهونًا بتطبيقها العملي على الأرض، وبمدى استعداد السلطات لفتح مسار شفاف للمحاسبة، وضمان وصول الجميع إلى العدالة بلا استثناء. 

ويُنتظر أن تكشف الأشهر المقبلة ما إذا كانت هذه الإجراءات تشكل بداية إصلاحات حقيقية، أم تبقى في حدود الرسائل السياسية ذات الطابع الرمزي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية