مخلفات الحرب تقتل وتبتر.. حياة أطفال سوريا في مرمى المتفجرات

مخلفات الحرب تقتل وتبتر.. حياة أطفال سوريا في مرمى المتفجرات
الأخوان أسامة ويوسف ضحايا مخلفات الحرب في سوريا

في سوريا، حيث انتهت الحرب الرسمية بسقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، تستمر مأساة الأطفال الذين أصبحوا ضحايا لمخلفات الحرب والمتفجرات المزروعة في المدن والريف، وهي تهدد حياتهم كل يوم، وما حدث للأخوين أسامة ويوسف قرب إدلب يختصر حجم هذه المأساة الإنسانية وفق منظمة "أنقذوا الأطفال".

فرح تحول إلى كارثة

بحسب تقرير نشرته منظمة "أنقذوا الأطفال" (Save the Children)، اليوم الخميس، كان من المفترض أن تكون عودة أسامة البالغ من العمر 6 أعوام ويوسف البالغ من العمر 10 أعوام إلى منزلهم مناسبة للفرح بعد سنوات من النزوح، إلا أن اللعب في الفناء أمام المنزل تحول إلى كارثة عندما انفجر لغم أرضي أثناء لعبهم، وأصيب الأخوان بجروح خطِرة وفقد كل منهما ساقه، في حين قُتل شقيقهما خالد البالغ 8 أعوام.

اضطرت العائلة للعودة إلى مخيم للنازحين في منطقة جبلية تبعد نحو 60 كيلومترًا شمال إدلب، حيث قضت ست سنوات من حياتها بعد تهجيرها الأول، ووالد الأطفال غسان الذي فقد أحد أبنائه سابقًا وفقد بصر إحدى عينيه خلال قصف عام 2019 قال إنه لم يعد يرى أي إمكانية للعودة إلى منزله.

وأضاف غسان: "كثير من الناس بدؤوا بالعودة، لكن الأمر شديد الخطورة، لن نعود الآن فالأمر محفوف بالمخاطر، لدينا خيمة صغيرة جدًا والحياة صعبة للغاية على الأولاد، ما يزال أسامة يحاول المشي وينسى أنه بلا ساق، المدرسة بالمخيم هي المكان الوحيد الذي يمنحهم الأمل، من دونها ستكون حياتهم كابوسًا".

ألغام الحرب تهدد الأطفال

تشير منظمة أنقذوا الأطفال إلى أن الألغام الأرضية والمتفجرات الأخرى تمثل خطرًا رئيسيًا على الأطفال في سوريا، فقد نزح أكثر من نصف سكان سوريا البالغ عددهم 25 مليون نسمة داخليًا وخارجيًا خلال سنوات النزاع، وعاد هذا العام نحو 1.2 مليون لاجئ و1.9 مليون نازح إلى مناطقهم، رغم استمرار المخاطر.

ووفقًا لإحصاءات مؤسسة هالو ترست، قُتل 165 طفلًا وأُصيب 423 آخرون جراء الذخائر غير المنفجرة خلال العام الماضي، ليصل إجمالي ضحايا الأطفال منذ بداية النزاع إلى 1592 ضحية، بينهم 585 قتيلاً، وهو أعلى مستوى خلال خمس سنوات، ويُرجح أن تكون الأرقام الفعلية أعلى في ظل غياب سجل مركزي للضحايا.

تمويل محدود وبرامج مهددة

تواجه جهود حماية الأطفال تحديات كبيرة نتيجة تراجع التمويل الدولي، فقد أثر هذا التراجع على استمرار المدارس في المخيمات، وبرامج التوعية بمخاطر الألغام، ودعم ضحايا المتفجرات، وتوفير الأطراف الصناعية والعلاج الفيزيائي، وتشير المنظمة إلى أن الأطفال يشكلون 43% من إجمالي ضحايا الألغام والمتفجرات في سوريا، في حين لم يُموّل النداء الإنساني الخاص بإزالة الألغام لعام 2024 إلا بنسبة 13% من أصل 51 مليون دولار مطلوبة.

دعوات عاجلة لتسريع إزالة الألغام

قالت رشا محرز مديرة منظمة أنقذوا الأطفال في سوريا: "رغم توقف الحرب وانتهاء الأعمال العسكرية، ما تزال مخلفات الحرب تهدد حياة الأطفال يوميًا، فالأطفال الذين نجوا من الحرب ما زالوا يواجهون خطر الموت في أي لحظة".

ودعت محرز إلى توسيع برامج إزالة الألغام وزيادة التمويل الدولي، مع ضرورة ضمان عودة آمنة للعائلات إلى مناطقها، كما طالبت الحكومة السورية بتسريع جهود تحديد المناطق الملوثة وتنظيفها، وتوفير المعدات اللازمة للخبراء.

وأكدت المنظمة أهمية زيادة الدعم لعلاج إصابات البتر لدى الأطفال، وتوفير الأطراف الصناعية، والعلاج الفيزيائي، فضلاً على تدريب الطواقم الطبية، وضمان التعليم الشامل للأطفال المصابين.

أثر الحرب في التعليم والرعاية

تمثل المدارس في المخيمات والأحياء المتضررة من النزاع ملاذًا للأطفال، حيث توفر لهم الأمل والاستقرار النفسي وسط بيئة محفوفة بالمخاطر، إلا أن نقص التمويل والقيود اللوجستية يحدان من قدرة هذه المؤسسات على الاستمرار في تقديم الخدمات، ما يجعل الأطفال أكثر عرضة للإهمال والتأثر النفسي والجسدي نتيجة التجارب الصادمة التي مروا بها.

تعد مخلفات الحرب والألغام الأرضية من كبرى التحديات الإنسانية في سوريا بعد سنوات من الصراع، إذ يُقدّر أن ملايين الأطنان من المتفجرات والألغام مزروعة في المدن والريف، ما يجعل الحياة اليومية للأطفال محفوفة بالمخاطر، وتعمل المنظمات الإنسانية على إزالة الألغام، وتقديم المساعدات الطبية، والعلاج الفيزيائي، والتعليم للأطفال المصابين، ومع ذلك فإن محدودية التمويل الدولي واستمرار تواجد المخلفات في مناطق مأهولة يزيدان من المخاطر ويهددان حياة الأطفال بشكل مستمر، وتشكل هذه الأزمة اختبارًا لقدرة المجتمع الدولي على حماية حقوق الأطفال وضمان سلامتهم بعد نهاية الحرب الرسمية.

الأطفال في سوريا لا يزالون يعيشون صدمة الحرب على الأرض، حيث الجروح الجسدية والنفسية، وفقدان الأحباء، وغياب الأمان، كل ذلك وسط خطر مستمر من الألغام والمتفجرات. ويحتاج ملايين الأطفال إلى حماية عاجلة، ورعاية صحية، وتعليم مستمر، وبرامج إعادة تأهيل نفسي وجسدي، وتظل جهود المجتمع الدولي حاسمة في ضمان حياة آمنة للأطفال، وإنقاذ ما تبقى من براءة الطفولة في بلد مزقته الحرب، حيث يصبح كل يوم من دون تدخل إنساني متجدد تهديدًا جديدًا لمستقبلهم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية