من الهامش إلى القيادة.. نظام "الكومينات" يعيد تعريف دور المرأة السورية

من الهامش إلى القيادة.. نظام "الكومينات" يعيد تعريف دور المرأة السورية
مشاركات سوريات في نظام الكومينات

يمثل نظام الكومينات في سوريا أحد أبرز النماذج الاجتماعية التي تسعى إلى بناء حياة حرة قائمة على المشاركة الجماعية والعدالة الاجتماعية، حيث لا يقتصر دوره على تنظيم شؤون المجتمع اليومية، بل يتعداها ليكون مساحة فعلية لحماية الحقوق وتعزيز القيم الإنسانية، وفي مقدمتها حقوق المرأة السورية، فالكومين ليس مجرد إطار إداري، بل أسلوب حياة يربط الفرد بالمجتمع ويمنحه شعوراً بالمسؤولية والانتماء.

بحسب تقرير نشرته وكالة “أنباء المرأة”، اليوم الثلاثاء، تصبح المشاركة الشعبية أساس اتخاذ القرار في هذا النموذج، ويتحول كل فرد إلى شريك فاعل في إدارة شؤون الحي أو القرية أو المدينة. 

ويبرز دور النساء داخل الكومينات بوصفه ركيزة أساسية لضمان التوازن والعدالة في الحقوق والحريات، إذ إن حضورهن الفاعل يضفي بعداً إنسانياً واجتماعياً عميقاً على العمل الجماعي.

المرأة ونظام الكومينات

تلعب المرأة السورية دوراً محورياً داخل نظام الكومينات، من خلال مشاركتهن في النقاشات اليومية واللجان المختلفة، وإسهاماتهن في معالجة القضايا الاجتماعية وبناء الثقة داخل المجتمع، وهذا الحضور لا يقتصر على التمثيل الشكلي، بل يمتد إلى التأثير الحقيقي في مسار القرارات وتوجيه العمل الجماعي نحو حلول أكثر عدالة وشمولية.

وتؤكد رئيسة مجلس تل معروف غالية أحمد أن نظام الكومينات لا يمكن النظر إليه بوصفه مجرد آلية تنظيمية، بل طريقة حياة متكاملة، وترى أن مشاركة النساء إلى جانب الرجال داخل الكومين تمنحه قوة حقيقية؛ لأن القضايا الاجتماعية لا يمكن فهمها أو حلها من منظور واحد، وتشير إلى أن النساء يضطلعن اليوم بمسؤوليات مهمة داخل مجتمعاتهن، بعد أن كان دورهن في الماضي محصوراً في الأعمال المنزلية.

وتشير غالية أحمد إلى أن التحول الذي شهدته المرأة داخل المجتمع السوري لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة فكر أعاد الاعتبار لدورها ومكانتها، فبعد سنوات من التهميش أصبحت النساء حاضرات في المؤسسات والكومينات، ولهن دور واضح في جميع اللجان التي تشكلت ضمن هذا النظام. هذا التحول لم يغير صورة المرأة داخل المجتمع فحسب، بل غير أيضاً طبيعة العلاقات الاجتماعية، وجعل التعاون بديلاً عن الهيمنة.

وتوضح أن نظام الكومينات يقوم على مبدأ الرئاسة المشتركة، وهو مبدأ جوهري يضمن مشاركة المرأة والرجل معاً في قيادة الكومين، فالرئاسة ليست امتيازاً فردياً، بل مسؤولية مشتركة، تقوم على التكامل لا التنافس، وترى أن الرجل وحده لا يستطيع إيجاد حلول عادلة لقضايا تمس النساء؛ لأن المرأة أكثر قرباً من هذه القضايا وأكثر فهماً لتفاصيلها اليومية.

الرئاسة المشتركة ضمانة للعدالة

يعد مبدأ الرئاسة المشتركة أحد الأعمدة الأساسية في نظام الكومينات، حيث يمنع تحول القيادة إلى سلطة أبوية أو مركزية، وتوضح غالية أحمد أن غياب المرأة عن موقع القيادة يؤدي إلى إنتاج قرارات ناقصة، في حين يفتح حضورها المجال أمام نقاشات أعمق وحلول أكثر واقعية.

ومن خلال هذا المبدأ، تمكنت النساء في سوريا من المطالبة بحقوقهن والمشاركة الفعلية في الحياة العامة، دون أن يكن تابعات أو مهمشات، فالرجل والمرأة يشغلان موقع الرئاسة معاً، ويتقاسمان المسؤولية في إدارة شؤون الكومين، ما يعكس فلسفة تقوم على الشراكة والمساواة.

ضمن هذا الإطار تبرز أهمية الزيارات الدورية التي يقوم بها أعضاء الإدارة الذاتية إلى الكومينات، وتوضح غالية أحمد أن هذه الزيارات تأتي استجابة لدعوة القائد عبد الله أوجلان، وتهدف إلى تعزيز التواصل المباشر مع المجتمع. ففي كل يوم سبت، يزور أعضاء الإدارة الكومينات للاستماع إلى مقترحات الأهالي، ومناقشة المشكلات بشكل جماعي، والعمل على تطوير الخطط المتعلقة بالقرى والمدن.

هذا التواصل المباشر يسهم في إعادة بناء الكومينات بصورة فضلى، ويعزز الثقة بين المجتمع والمؤسسات، كما يمنح الأفراد شعوراً بأنهم شركاء حقيقيون في صنع القرار، وليسوا مجرد متلقين له.

المجتمع وحرية المرأة

ترى غالية أحمد أن حرية المجتمع لا يمكن أن تتحقق دون تحرير وتعزيز دور المرأة، فقبل هذا الفكر كان وجود المرأة وحقوقها مهمشين إلى حد كبير، أما اليوم فقد وصلت النساء داخل الكومينات إلى مستويات متقدمة من الوعي والتنظيم.

وتشير إلى أن النساء صنعن تاريخهن بأيديهن، وطوّرن دورهن في العمل الكومينالي بشكل لافت، كما تؤكد أن القرارات التي تتخذ بشكل فردي أو مركزي تكون فارغة وعديمة الجدوى، في حين تصبح القرارات الجماعية التي تأخذ آراء أعضاء الكومينات والمجتمع بعين الاعتبار، قرارات فعالة وقادرة على إحداث تغيير حقيقي.

ضمن مساعي تعزيز دور المرأة يجري العمل على تأسيس كومينات خاصة بالنساء، بهدف خلق مساحة آمنة لهن لمناقشة قضاياهن وتبادل الخبرات وإيجاد حلول جماعية لمشكلاتهن، وترى غالية أحمد أن الكومين هو القيمة الحقيقية للمجتمع، وأن تأسيسه في كل مكان يمثل خطوة أساسية لبناء مجتمع حر ومتوازن.

وتوضح أن الكومينات النسائية تتيح للنساء مناقشة القضايا المتعلقة بهن بشكل مباشر، وعندما يصدر قرار يخص المرأة، يكون نتيجة هذا النقاش المشترك، وهذا النهج يعزز دور النساء في المجتمع، ويمنحهن مساحة أوسع للمشاركة في الحياة العامة، بعيداً عن الإقصاء أو التهميش.

الوعي والعدالة الاجتماعية

من جهتها تؤكد عضوة مجلس عدالة المرأة في تل معروف زكية محمد أن العمل داخل الكومينات لا يقتصر على التنظيم الاجتماعي، بل يشمل أيضاً رفع مستوى الوعي لدى النساء.

وتوضح أن المجلس ينظم ندوات ودورات تدريبية تهدف إلى مساعدة النساء على معرفة ذواتهن بشكل أعمق، وتعزيز وعيهن بحقوقهن.

وتشير إلى أن المرأة في السابق كانت تعمل وتبذل جهوداً كبيرة، لكن هذه الجهود لم تكن تقدر أو ترى، ومع تطور الفكر المجتمعي أصبحت المرأة اليوم صاحبة قرار، وقادرة على إثبات وجودها والمطالبة بحقوقها.

ورغم هذا التقدم، تؤكد زكية محمد أن بعض النساء ما زلن يتعرضن للعنف، ما يجعل من هذه الندوات والدورات ضرورة ملحة لمواجهة هذه الظواهر.

نحو مجتمع تشاركي متوازن

يعكس نظام الكومينات تجربة اجتماعية تسعى إلى بناء مجتمع يقوم على المشاركة والعدالة والتكافل، فحين يشعر الأفراد بأن أصواتهم مسموعة وأن مشاركتهم تحدث فرقاً، يتحول الكومين إلى فضاء حي للمبادرات وحل المشكلات اليومية، ويشكل حضور النساء في هذا الفضاء ضمانة أساسية لاستدامة هذا النموذج؛ لأنه يربط بين العدالة الاجتماعية والحرية الفردية.

نشأ نظام الكومينات بوصفه إطاراً اجتماعياً يهدف إلى تنظيم حياة المجتمع على أساس المشاركة المباشرة واتخاذ القرار الجماعي، بعيداً عن المركزية والسلطة الفردية، ويعتمد هذا النظام على مبادئ أساسية، منها الرئاسة المشتركة والمساواة بين الجنسين، باعتبارهما شرطين لتحقيق العدالة والحرية. 

وفي إقليم شمال وشرق سوريا لعبت الكومينات دوراً مهماً في تعزيز التماسك الاجتماعي، وتمكين النساء من المشاركة الفعلية في الحياة العامة، من خلال العمل المجتمعي واللجان والأنشطة التوعوية، ويعد هذا النموذج اليوم تجربة اجتماعية تسعى إلى تقديم بديل إنساني يقوم على التعاون والوعي والاحترام المتبادل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية