بين الثلوج والخيام.. معاناة النازحين السوريين تتفاقم تحت وطأة الظروف المناخية

بين الثلوج والخيام.. معاناة النازحين السوريين تتفاقم تحت وطأة الظروف المناخية
معاناة النازحين من البرد والثلوج في الشمال السوري

تدخل مناطق شمال سوريا المحاذية للحدود مع تركيا فصل الشتاء هذا العام تحت وطأة ظروف مناخية قاسية، حيث تشهد تساقطاً كثيفاً للثلوج وانخفاضاً حاداً في درجات الحرارة، في وقت تحولت فيه هذه المناطق إلى ملاذ أخير لآلاف العائلات النازحة التي ما زالت عاجزة عن العودة إلى منازلها المدمرة بعد سنوات طويلة من الحرب، ومع كل موجة برد جديدة تتجدد المخاوف من أن يتحول الشتاء إلى كارثة إنسانية صامتة يدفع ثمنها الأضعف من الأطفال وكبار السن والمرضى.

بحسب تحذيرات الأرصاد الجوية وتقارير حقوقية نقلها المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم الأربعاء، فإن الأيام المقبلة تحمل معها موجة طقس شديدة البرودة، تترافق مع تساقط للثلوج وأمطار غزيرة قد تؤدي إلى فيضانات في عدد من المناطق المنخفضة ومحيط المخيمات، هذه التحذيرات أعادت إلى الواجهة حجم الهشاشة التي يعيشها النازحون في سوريا، في ظل بنية تحتية شبه معدومة، وخيام مهترئة لا تصمد أمام الرياح والأمطار، ومساكن بدائية تفتقر لأبسط مقومات الأمان.

في مخيمات الشمال السوري لا تعني كلمة مأوى سوى قطعة قماش بالية مثبتة بأعمدة خشبية أو معدنية، تتسلل منها الرياح الباردة ومياه الأمطار بسهولة، كثير من العائلات يعيش في خيام فقدت صلاحيتها منذ سنوات، لكنها لم تجد بديلاً عنها، ومع انخفاض درجات الحرارة إلى مستويات قاسية، يصبح البرد خطراً مباشراً على الحياة، خصوصاً الأطفال الرضع وكبار السن الذين لا يملكون وسائل تدفئة كافية ولا قدرة على تحمّل البرد القارس لساعات طويلة من الليل.

يدفع الأطفال الثمن الأكبر لهذه الظروف، إذ تسجل كل شتاء حالات متزايدة من الالتهابات الصدرية وأمراض الجهاز التنفسي، إضافة إلى سوء التغذية الذي يضعف مناعتهم، أما كبار السن والمرضى، فيواجهون معاناة مضاعفة، حيث يصبح الوصول إلى المراكز الطبية أمراً بالغ الصعوبة، خاصة مع انقطاع الطرق بسبب الثلوج أو الوحل، وغياب وسائل نقل آمنة في محيط المخيمات.

كارثة تلوح في الأفق

لا يقتصر الخطر على البرد وحده، فالأمطار الغزيرة المتوقعة تثير مخاوف حقيقية من فيضانات قد تغرق الخيام وتدمر ما تبقى من مقتنيات العائلات النازحة، وفي تجارب سابقة، أدت الفيضانات إلى تشريد آلاف العائلات مرة أخرى داخل المخيمات نفسها، واضطر كثير منها إلى الانتقال بشكل عشوائي بحثاً عن بقع مرتفعة، في مشهد يعكس عمق المأساة الإنسانية المتواصلة.

تتزامن هذه الظروف المناخية القاسية مع أوضاع معيشية خانقة يعيشها سكان الشمال السوري، حيث يشهد السوق ارتفاعاً حاداً في أسعار المحروقات ومواد التدفئة، إلى جانب الغلاء المتزايد في أسعار المواد الغذائية الأساسية، ومع تراجع فرص العمل ومحدودية مصادر الدخل، يجد معظم النازحين أنفسهم عاجزين عن تأمين الوقود اللازم للتدفئة أو حتى وجبة غذاء كافية لأطفالهم، ما يجعل الشتاء اختباراً قاسياً للبقاء.

مع تساقط الثلوج وانقطاع بعض الطرق، تتعقد مهمة فرق الإغاثة في الوصول إلى المخيمات والمناطق النائية، وغالباً ما تتأخر المساعدات الإنسانية في أكثر الأوقات حاجة إليها، ما يفاقم معاناة العائلات العالقة في ظروف قاسية، ويخشى العاملون في المجال الإنساني من أن تؤدي الأحوال الجوية السيئة إلى عزل بعض المخيمات بالكامل، وحرمان سكانها من المساعدات الطارئة.

مناشدات حقوقية متجددة

في ظل هذا المشهد القاتم، جدد المرصد السوري لحقوق الإنسان مناشدته للمنظمات الإنسانية والإغاثية، المحلية والدولية، للتحرك العاجل وتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية، ودعا المرصد إلى توفير مستلزمات التدفئة بشكل فوري، وتحسين ظروف الإيواء، وتعزيز إجراءات الوقاية من الفيضانات، قبل أن تتحول التحذيرات الجوية إلى مأساة فعلية تحصد أرواح المدنيين.

يعكس واقع نازحي شمال سوريا مأساة نزوح طويل الأمد، لم يعد مؤقتاً كما كان يفترض في بداياته، فآلاف العائلات تعيش في المخيمات منذ سنوات، دون أفق واضح للعودة، في ظل استمرار الدمار في مناطقها الأصلية، وغياب حلول سياسية شاملة تضع حداً لمعاناتهم، ومع كل شتاء جديد، تتراكم الأزمات، ويزداد الشعور بالعجز واليأس.

أثر نفسي واجتماعي عميق

لا تقتصر آثار الشتاء القاسي على الجانب المادي فقط، بل تمتد إلى الجانب النفسي والاجتماعي، فالعيش المستمر تحت تهديد البرد والجوع والفيضانات يولد شعوراً دائماً بعدم الأمان، خاصة لدى الأطفال الذين يكبرون في بيئة مليئة بالخوف والحرمان، كما تعاني النساء من ضغوط إضافية في محاولة تأمين احتياجات الأسرة اليومية، وسط شح الموارد وانعدام الاستقرار.

تشهد مناطق شمال سوريا منذ سنوات واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في العالم، نتيجة النزاع المسلح المستمر، وتعدد موجات النزوح الداخلي، وتدمير واسع للبنية التحتية والمساكن. ويعيش ملايين النازحين في مخيمات عشوائية أو تجمعات سكنية غير مكتملة، تعتمد بشكل شبه كلي على المساعدات الإنسانية. 

ومع تراجع التمويل الدولي خلال الأعوام الأخيرة أصبحت هذه المخيمات أكثر هشاشة أمام التقلبات المناخية، خاصة في فصل الشتاء، وفي ظل غياب حلول دائمة للنزوح، يتحول كل شتاء إلى امتحان جديد للقدرة على الصمود، حيث تتقاطع قسوة الطقس مع الفقر والحرمان، لتصنع واحدة من أكثر الصور الإنسانية إيلاماً في سوريا المعاصرة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية