مدارس مدمرة وأطفال في العراء.. أزمة التعليم في سوريا تتفاقم مع الطقس القاسي وغياب الاستجابة

مدارس مدمرة وأطفال في العراء.. أزمة التعليم في سوريا تتفاقم مع الطقس القاسي وغياب الاستجابة
أطفال يتلقون دروسهم على الأرض في سوريا

تعيش مناطق واسعة من شمال سوريا منذ أيام على وقع منخفض جوي شديد البرودة، ترافق مع هطولات مطرية غزيرة ورياح قوية، ما ضاعف معاناة السكان، ووضع العملية التعليمية في مواجهة اختبار قاسٍ، خصوصاً في الأرياف التي تعاني أصلاً نقصاً حاداً في المدارس والبنية التحتية التعليمية.

أوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير له، الأحد، أن الوصول إلى المدارس بات تحدياً يومياً لآلاف الأطفال، في حين أصبحت القدرة على الاستمرار في التعليم أكثر هشاشة من أي وقت مضى، في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، تتفاقم الأزمة مع خروج عدد كبير من المدارس عن الخدمة منذ سنوات، وتعرض أخرى لأضرار جسيمة جراء القصف، ما جعل بيئة التعليم غير آمنة وغير صالحة في كثير من الأحيان.

تعليم في العراء

في بلدة كفرسجنة، تصف مصادر محلية مشهدا يعكس عمق الأزمة، حيث يواصل التلاميذ حضور الدروس في فصول مفتوحة على الهواء الطلق، دون جدران تحميهم من البرد أو المطر، أطفال يجلسون على مقاعد متهالكة أو على الأرض، يحملون دفاترهم بأيدٍ مرتجفة، في حين يحاول المعلمون الاستمرار في الشرح وسط ظروف قاسية لا تليق بحق أساسي مثل التعليم.

لا تقتصر المعاناة في سوريا على بلدة كفرسجنة، إذ تشهد بلدات أخرى مثل التمانعة وكفرنبل ومحردة وصوران ومورك وحلفايا أوضاعا مشابهة، وتعاني العديد من المدارس نقصاً حاداً في التجهيزات الأساسية، من أبواب ونوافذ ومقاعد، إضافة إلى أسقف متصدعة وجدران متآكلة، وتعرض بعض الأبنية لانهيارات جزئية نتيجة القصف السابق، ما يفرض على الإدارات التعليمية استخدام غرف غير مكتملة أو غير آمنة.

مع استمرار المنخفضات الجوية خلال فصل الشتاء، تتزايد المخاوف من توقف عدد من المدارس بشكل كامل عن العمل، وحذرت مصادر تعليمية من أن الأمطار الغزيرة قد تتسبب في انهيارات إضافية داخل الأبنية المتضررة، في حين يشكل البرد القارس خطراً صحياً حقيقياً على الأطفال، ما قد يدفع الأهالي إلى منع أبنائهم من الذهاب إلى المدارس، رغم إدراكهم أهمية التعليم.

تقصير إداري وغياب البدائل

غياب البدائل التعليمية يزيد من حدة الأزمة، ففي مناطق كثيرة لا تتوفر مدارس قريبة يمكن نقل الطلاب إليها، ولا توجد إمكانيات لتأمين صفوف مؤقتة مجهزة، وهذا الواقع يضع آلاف الأطفال أمام خيار واحد، إما الاستمرار في التعليم في ظروف غير إنسانية، أو الانقطاع القسري عن الدراسة، بما يحمله من آثار طويلة الأمد على مستقبلهم.

بعد مرور أكثر من عام على سقوط نظام الأسد في سوريا، يلاحظ السكان والمعلمون تقصيراً واضحاً من مديريات التربية في تلك المناطق، لم تُتخذ خطوات جدية لإعادة تأهيل المدارس المتضررة أو توفير الحد الأدنى من مستلزمات التعليم، ورغم تكرار المناشدات، لا تزال الخطط الإسعافية غائبة، ما يترك القطاع التعليمي في مواجهة مباشرة مع عوامل الطبيعة والإهمال الإداري.

معلمون يصارعون الظروف

في ظل هذا الواقع، يكافح المعلمون يومياً للحفاظ على استمرارية التعليم، فكثير منهم يواصلون التدريس دون رواتب منتظمة أو دعم كافٍ، ويحاولون تعويض نقص الإمكانيات بجهود فردية، وبعض المعلمين يقومون بجمع التبرعات لتأمين وسائل تدفئة بسيطة أو أدوات تعليمية، في حين يعتمد آخرون على مبادرات مجتمعية محدودة لا تغطي سوى جزء بسيط من الاحتياجات.

يشعر الأهالي أن التعليم لم يعد أولوية حقيقية لدى الجهات المعنية، رغم أنه يمثل حجر الأساس لأي تعافٍ أو استقرار مستقبلي، ويخشى كثيرون أن يؤدي استمرار هذا الإهمال إلى ارتفاع معدلات التسرب المدرسي، وزيادة عمالة الأطفال، وتكريس جيل محروم من فرص التعليم والمعرفة.

آثار نفسية واجتماعية

الأزمة لا تقتصر على الجانب المادي، بل تمتد إلى الأثر النفسي والاجتماعي على الأطفال. الدراسة في بيئة غير آمنة، وسط البرد والخوف من انهيار المباني، تترك آثارا عميقة على شعور الأطفال بالأمان والاستقرار، كما يشعر كثير منهم بأن حقهم في التعليم يُنتزع منهم تدريجياً، في ظل غياب حلول حقيقية.

رغم تكرار النداءات من الأهالي والمعلمين والفعاليات المحلية، لا تزال الاستجابة محدودة، وقدمت منظمات إنسانية دعماً جزئياً في بعض المناطق، إلا أن حجم الاحتياجات يفوق بكثير الإمكانيات المتاحة. ويؤكد ناشطون أن غياب تنسيق فعال بين الجهات التعليمية والمنظمات الداعمة يعرقل أي تحسن ملموس.

خطر ضياع جيل كامل

يخشى مختصون في الشأن التربوي من أن استمرار هذا الوضع في أغلب المناطق السورية قد يؤدي إلى ضياع جيل كامل من الأطفال، خصوصاً في المناطق الريفية، فالتعليم المتقطع أو غير الآمن لا يحقق أهدافه، بل قد يدفع الأطفال إلى ترك المدرسة نهائياً، ما ينعكس سلباً على المجتمع بأسره في المدى المتوسط والبعيد.

يرى تربويون أن المرحلة الحالية تتطلب تدخلاً عاجلاً، يبدأ بتأمين صيانة إسعافية للأبنية المتضررة، وتوفير مستلزمات أساسية مثل الأبواب والنوافذ ووسائل التدفئة، إضافة إلى إنشاء صفوف مؤقتة آمنة خلال فصل الشتاء، كما يؤكدون ضرورة وضع خطة تعليمية واضحة تضمن استمرارية التعليم في الظروف الطارئة.

تعرض قطاع التعليم في شمال سوريا خلال سنوات النزاع لأضرار واسعة، حيث دمرت مئات المدارس بشكل كلي أو جزئي، وتحولت كثير من الأبنية التعليمية إلى مراكز إيواء أو خرجت عن الخدمة نهائيا، ومع محدودية الموارد وغياب التمويل المستدام، يعتمد التعليم في هذه المناطق بشكل كبير على مبادرات محلية ودعم منظمات إنسانية، إلا أن التحديات المناخية، مثل موجات البرد والأمطار الغزيرة في فصل الشتاء، تكشف هشاشة هذا القطاع وتؤكد الحاجة إلى سياسات تعليمية طارئة تضمن حق الأطفال في تعليم آمن ومستمر، باعتباره أحد أهم مقومات بناء المجتمع وإعادة الاستقرار.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية