عقب عام التوترات.. جدل واسع بسبب مشروع دستور "الأزمة" في تونس
عقب عام التوترات.. جدل واسع بسبب مشروع دستور "الأزمة" في تونس
بعد أن كانت "درة" ثورات الربيع العربي، عاشت تونس عاما كاملا على صفيح ساخن، عقب اندلاع أزمة سياسية خانقة وإجراءات استثنائية جدلية، غير أن البلد العربي يطمح في الاستقرار بالتصويت على دستور جديد.
ومنذ 25 يوليو 2021، تشهد تونس أزمة سياسية حادة عقب اتخاذ الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية، منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى، وحل البرلمان ومجلس القضاء، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية.
وفي أواخر يونيو الماضي، نُشر المشروع الجديد للدستور التونسي في الجريدة الرسمية بالبلاد، إذ تضمن 142 مادة تمنح سلطات واسعة لرئيس الجمهورية خلافاً لدستور 2014 الذي كان ينص على نظام شبه برلماني.
ووفق مشروع الدستور الجديد، فإن لرئيس الجمهورية أن يعين رئيس الحكومة وأعضاءها باقتراح من الأخير، وللرئيس الحق أيضا أن ينهي مهام الحكومة أو عضو منها تلقائيا أو باقتراح من رئيس الحكومة، ولا يُسأل (في إشارة للرئيس) عن الأعمال التي قام بها في إطار أدائه مهامه.
بدورها، أعلنت هيئة الانتخابات التونسية، مشاركة 24 حزبا بحملة الاستفتاء على الدستور، فيما تقاطع الحملة أحزاب أخرى، أبرزها حركة "النهضة" (الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في تونس).
لكن الرفض الأبرز لمشروع الدستور الجديد تَفجر جراء تبرأ العميد الصادق بلعيد، رئيس لجنة الدستور في تونس (عينه قيس سعيد) من نسخة المشروع، معتبرا إياها "خطيرة وتمهد لنظام ديكتاتوري".
وقال بلعبد في تصريح أوردته وسائل إعلام محلية: "اللجنة بريئة من مشروع الدستور الذي صدر، والنسخة التي نشرها سعيد لا تشبه المسودة الأولى التي اقترحتها لجنة الدستور".
وأضاف: "الدستور النهائي الذي نشره الرئيس يحتوي على مخاطر ومطبات جسيمة من مسؤوليته التنديد بها، ومن أهمها طمر وتشويه الهوية التونسية، وتمهيد الطريق لنظام ديكتاتوري مشين".
وأثار مشروع الدستور الجديد جدلا واسعا وانتقادات في البلد العربي المأزوم، في الوقت الذي دعا فيه الرئيس التونسي، المواطنين إلى التصويت بـ "نعم" في الاستفتاء الشعبي المقرر يوم 25 يوليو الجاري.
وقال سعيد في بيانٍ للرئاسة التونسية، إن "مشروع الدستور الجديد يعبر عن روح الثورة، ولا مساس فيه على الإطلاق بالحقوق والحريات".
وأضاف: "النصوص القانونية ستكون تحت الرقابة الشعبية فضلا عن رقابة دستورية القوانين من قبل محكمة دستورية تسهر على ضمان علوية الدستور بعيدا عن كل محاولات التوظيف".
ووجه سعيد حديثه للتونسيين: "قولوا نعم في الاستفتاء على مشروع الدستور حتى لا يصيب الدولة هرم (الشيخوخة) المهمة الأولى للدولة هي تحقيق الاندماج، ولن يتحقق إلا بإشراك الجميع على قدم المساواة في وضع التشريعات".
واختتم قائلا: "التاريخ لن يعود أبداً إلى الوراء، مشروع الدستور هو من روح الثورة ومن روح مسار التصحيح".
رفض سياسي
وفي بيان لها اليوم الثلاثاء، قالت جبهة "الخلاص الوطني" بتونس، إن "مشروع الدستور المقترح للاستفتاء عليه يمثل رِدة تهدد بالعودة بالبلاد إلى الحكم الفردي المطلق الذي عانت منه لمدة تزيد على 5 عقود".
وأوضحت الجبهة أنها "ترفض مشروع الدستور، وتدعو إلى مقاطعة الاستفتاء عليه لأنه مبني على الانقلاب على الشرعية الدستورية، ولما يُمثله من عودة للنّظام الرئاسي المقيت".
وأعلنت "التمسك بدستور 2014 وأن إصلاحه يكون عبر حوار وطني شامل يحافظ على مبادئ الفصل بين السلطات والتوازن والرقابة المتبادلة بينها شرط لضمان الحقوق والحريات وسيادة القانون".
وجبهة "الخلاص الوطني" تشكلت في 31 مايو الماضي، من 5 أحزاب هي "النهضة"، و"قلب تونس"، و"ائتلاف الكرامة"، و"حراك تونس الإرادة"، و"الأمل"، إضافة إلى حملة شعبية باسم "مواطنون ضد الانقلاب"، وعدد من البرلمانيين والسياسيين.
فيما ترك الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) لأعضائه حرية التصويت في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، معللا ذلك بـ"التنوّع والتعدّد داخل الاتحاد".
وانتقد "العام التونسي للشغل" في بيان، "غياب التنصيص على الطابع المدني لأغلب الفصول المتعلّقة بالحريات والحقوق، وما شاب بعضها من تقييد أو غموض كبعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ما قد يهدّد هذه الحريات والحقوق عند الممارسة والتأويل ويوفّر الفرصة لانتهاكها".
وأضاف: "هناك تجميع كبير للسلطات وتركيز واسع للصلاحيات لدى رئيس الجمهورية في المشروع المقدّم، وتحجيم لباقي الهيئات الدستورية وهياكل الدولة وغيرها من العناصر الغامضة أو الملغَّمة وهو ما من شأنه أن يهدّد الديمقراطية".
ودعا إلى "إجراء حوار حقيقي غير جاهز النتائج يُشارك فيه أوسع طيف اجتماعي ومدني وسياسي على قاعدة تحويل 25 يوليو إلى مسار حقيقي للتصحيح والمراكمة لا للنسف، لإخراج البلاد من الأزمة ومواصلة البناء وتثمين المكاسب".
خطر على المدنية
ورجح 4 تونسيين من إجمالي 6 استطلعت آراءهم "جسور بوست"، تمرير مشروع الدستور المقترح، لعدة أسباب، أبرزها: إرهاق الشعب التونسي من التحولات السياسية خلال العشرية السابقة، والرغبة شبه الجماعية في استتباب الأمن واستقرار الأوضاع على حساب الحريات.
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي التونسي مراد علالة، إن هناك مآخذ كثيرة على مشروع الدستور المقترح، أبرزها جمع كافة السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في يد رئيس الجمهورية.
وأوضح علالة: "مشروع الدستور الجديد سيحول النظام السياسي البرلماني إلى نظام رئاسي، كما يهدد مدنية الدولة التونسية إذ يذكر أن الدولة وحدها تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام، دون ذكر عبارة ارتباط مقاصد الإسلام بحقوق الإنسان كما كان في النص الدستوري السابق".
وأضاف: "هذا النص على الأرجح يغازل جماعات الإسلام السياسي، وسيسمح بمزيد من تغولها في مختلف مجالات الحياة في الدولة التونسية"، مشيرا إلى المخاوف بشأن اعتبار الاستفتاء بمثابة تغليف الديكتاتورية بمظلة الشرعية الشعبية.
ومضى علالة قائلا: "الاحتمال الأكبر أن مشروع الدستور سيتم الموافقة عليه في الاستفتاء، لأن كل شيء جاهز لتمريره، لكن المؤكد أنه لن يحل الأزمة المركبة التي تشهدها تونس".
ودعا الباحث التونسي رئيس بلاده قيس سعيد إلى مراجعة خياراته الأحادية وخطابه القائم على التقسيم لا التجميع، بهدف تخفيف حدة الاحتقان السياسي وإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية وإنعاش الحياة الاجتماعية.
وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، أن العدد الإجمالي للمسجلين بالاستفتاء بلغ 9 ملايين و296 ألفا و64 ناخبا في الداخل والخارج.