بين الإقصاء والعنف.. تحديات مؤلمة لمعاناة النساء ذوات الإعاقة في المجتمعات الهشة
بين الإقصاء والعنف.. تحديات مؤلمة لمعاناة النساء ذوات الإعاقة في المجتمعات الهشة
بين قسوة نظرة المجتمع وتراجع الاهتمام الرسمي والدولي، تعاني النساء والفتيات ذوات الإعاقة تحديات جسيمة، حيث تتضاءل فرص الدعم وتتزايد الانتهاكات، في ظل غياب سياسات كافية لحمايتهن وتمكينهن، ولا سيما في المجتمعات الفقيرة والمتضررة من الحروب والنزاعات.
يرى خبراء حقوق الإنسان والعمل النسائي، في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، أن النساء والفتيات ذوات الإعاقة يواجهن صعوبات بالغة، تراوح بين عدم توفر التسهيلات في الأماكن العامة وسوق العمل، وغياب الدعم الاجتماعي والقانوني، فضلاً عن نقص الخدمات الصحية المتخصصة.
ويطالب الخبراء باتخاذ تدابير عاجلة على المستويات التشريعية والدولية والإنسانية، مع التركيز على تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية وضمان تكافؤ الفرص في التعليم والتوظيف.
وكشفت تقديرات أممية عام 2021 عن وجود 700 مليون أنثى من ذوات الإعاقة حول العالم، مشيرة إلى أن معدل انتشار الإعاقة بين الإناث بلغ 19.2% مقارنة بـ12% بين الذكور، ما يعني أن واحدة من كل خمس نساء تعاني الإعاقة.
كما أظهرت تقديرات سابقة لصندوق الأمم المتحدة للسكان أن ما بين 40% و68% من الفتيات ذوات الإعاقة تعرضن للاعتداء قبل سن 18 عاماً.
وتعيد هذه الأزمة إلى الواجهة نتائج تقرير المقررة الخاصة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هبة هجرس، المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ58، والذي حصل موقع "جسور بوست" على نسخة منه.
ويُظهر التقرير أن النساء والفتيات ذوات الإعاقة يواجهن تحديات فريدة في مجالات متعددة، منها الحصول على التعليم، فرص العمل، الرعاية الصحية، المشاركة السياسية، والحماية من العنف وسوء المعاملة.
ويسلط التقرير الضوء على العوائق المستمرة التي تحول دون تمتع النساء والفتيات ذوات الإعاقة بحقوقهن الكاملة، مشددًا على ضرورة تبني نهج مزدوج يدمج احتياجاتهن ضمن السياسات العامة، مع توفير استجابات مخصصة لواقعهن.
كما يشير التقرير إلى أن التمييز المزدوج، القائم على أساس الإعاقة والنوع الاجتماعي، يحد -بشكل كبير- من استقلالية النساء ذوات الإعاقة واستقرارهن الاقتصادي، إذ يكنَّ أكثر عرضة للفقر، ويواجهن فجوات في الأجور وعراقيل في التوظيف مقارنة بالرجال ذوي الإعاقة أو النساء غير ذوات الإعاقة.
كما يعانين نقصاً في الترتيبات التيسيرية في أماكن العمل، ويواجهن وصمات اجتماعية تقلل من فرصهن في المشاركة المجتمعية الفعالة.
وفيما يتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، يؤكد التقرير أن النساء والفتيات ذوات الإعاقة أكثر عرضة للعنف المنزلي، والعنف والاستغلال الجنسيين، فضلًا عن أشكال العنف المرتبطة بالإعاقة، مثل الاعتداءات من قبل مقدمي الرعاية أو الأفراد في دور الإيواء، لذلك يشدد التقرير على الحاجة إلى نهج متكامل يضمن حمايتهن ويوفر لهن خدمات دعم شاملة.
ويبرز التقرير أن النساء والفتيات ذوات الإعاقة لسن مجموعة متجانسة، حيث تتداخل إعاقاتهن مع عوامل أخرى مثل العمر، والانتماء العرقي أو الديني، والوضع الاقتصادي، ما يجعلهن يواجهن تمييزًا مركبًا، وتشمل الفئات الأكثر عرضة للخطر: كبيرات السن، والنساء من الشعوب الأصلية، واللاجئات، والنازحات، والمهاجرات، والنساء في أماكن الاحتجاز، والنساء اللاتي يعشن في فقر مدقع أو لديهن إعاقات متعددة.
ويشير التقرير إلى أن العزلة والإقصاء الاجتماعي هما واقع مرير لكثير من النساء ذوات الإعاقة، إذ تُفرض عليهن قيود مجتمعية تحد من خياراتهن السكنية وحريتهن في اتخاذ القرارات. كما يواجهن أخطارًا مثل التعقيم القسري ومنع الحمل القسري، ويعانين نقص الخدمات الصحية، ولا سيما في مجال الصحة الجنسية والإنجابية.
وأوصى التقرير الدول بضرورة تعزيز الأطر القانونية والسياسات الوطنية بما يتماشى مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وضمان حقوق النساء والفتيات ذوات الإعاقة في إمكانية الوصول، الأهلية القانونية، والمشاركة الفعالة في المجتمع. كما دعا إلى إلغاء آليات اتخاذ القرار بالنيابة عنهن، وتمكينهن من الاستقلال الذاتي، مع توفير أنظمة دعم تتناسب مع احتياجاتهن المختلفة.
معاناة مستمرة
تظل معاناة النساء والفتيات ذوات الإعاقة مستمرة منذ سنوات، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة عن المرأة بعنوان "أهداف التنمية المستدامة 2030 للنساء والفتيات ذوات الإعاقة" الصادر في 2022، والذي يبرز التحديات التي تواجههن في مختلف جوانب الحياة.
بحسب التقرير الأممي، تفتقر النساء والفتيات ذوات الإعاقة غالبًا إلى الأهلية القانونية، ولا يحظين سوى بمكانة متواضعة داخل الأسر والمجتمعات، كما يتعرضن لتمييز مضاعف مقارنة بالرجال والفتيان ذوي الإعاقة ونظيراتهن غير المعوقات.
ويتعرضن أيضًا لخطر العنف نتيجة التمييز الاجتماعي، الذي يزداد سوءاً بفعل الفقر، والعزلة الاجتماعية، والتهميش، وندرة الخدمات وأنظمة الدعم، فضلًا عن صعوبة الوصول إلى العدالة.
كما يتعرضن للاستغلال من قبل المقربين الذين يعتمدن عليهم في الرعاية والدعم الشخصي والمهني. بالإضافة إلى ذلك، فإنهن أكثر عرضة للزواج المبكر والإنجاب القسري، وسوء التغذية، والتعقيم القسري، والإجهاض، نتيجة للجهل الثقافي داخل الأسرة والمجتمع.
ويشير التقرير إلى أن النساء والفتيات ذوات الإعاقة غالباً ما يعتمدن على الآخرين في الرعاية، ولكن في كثير من الأحيان يُجبرن على رعاية أنفسهن دون أي دعم اجتماعي أو اعتراف بعملهن غير مدفوع الأجر. كما يُهمشن باعتبارهن أمهات "غير مؤهلات"، ما يؤدي إلى حرمانهن من حقوق حضانة أطفالهن بعد الطلاق.
أما على الصعيد السياسي، فتواجه النساء ذوات الإعاقة عراقيل كبيرة تحول دون مشاركتهن في صنع القرار، حيث تُهمش آراؤهن لمصلحة الخبراء أو أفراد الأسرة أو مقدمي الرعاية.
كما يواجهن نقصاً في الحقوق الصحية والإنجابية، وعدم القدرة على اتخاذ قراراتهن بشأن الزواج، واستخدام وسائل منع الحمل، والرعاية الصحية الإنجابية.
وفيما يتعلق بالفقر، تشير الإحصاءات إلى أن واحدًا من بين كل خمسة أفراد في أفقر الفئات حول العالم يعاني إعاقة، ما يزيد من التمييز والتهميش. وتظهر الدلائل أن الفقر أكثر حدة بين ذوي الإعاقة بسبب صعوبة الوصول إلى الموارد الأساسية ووسائل الدعم.
وتواجه النساء ذوات الإعاقة تحديات كبرى في الحصول على السكن اللائق، والرعاية الصحية، والتعليم، والتدريب، والعمل، حيث يعانين التحيز في التوظيف والترقية والأجور، فضلاً عن نقص الدعم في بيئات العمل والمدارس التي ما تزال غير مهيأة بشكل مناسب لمساعدتهن على المشاركة المتساوية.
وتشير البيانات إلى أن معدلات توظيف النساء ذوات الإعاقة أقل من نظرائهن من الرجال ذوي الإعاقة أو النساء غير المعوقات. ففي 51 دولة، تبلغ نسبة توظيف النساء ذوات الإعاقة 20% فقط، مقارنة بـ53% من الرجال ذوي الإعاقة و30% من النساء غير المعوقات.
كما أن ثلث الأطفال غير الملتحقين بالمدارس الابتدائية، والذين يبلغ عددهم 58 مليوناً، يعانون الإعاقة، مع تدني معدلات التحاق الفتيات مقارنة بالفتيان.
تحديات وتدابير
بدورها قالت المحامية والحقوقية ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، انتصار السعيد، إن "واقع النساء والفتيات ذوات الإعاقة يمثل تحدياً كبيراً في مجال حقوق الإنسان، حيث يعانين التمييز المزدوج القائم على الجنس والإعاقة، ما يؤدي إلى تفاقم الصعوبات التي يواجهنها في مختلف مجالات الحياة".
وأشارت انتصار في تصريح لـ"جسور بوست" إلى أن "هؤلاء النساء يواجهن صعوبة في الحصول على التعليم، والرعاية الصحية، وفرص العمل، والمشاركة في الحياة السياسية، بالإضافة إلى تعرضهن لأخطار العنف وسوء المعاملة".
وأضافت السعيد أن "النساء والفتيات ذوات الإعاقة يواجهن تحديات خاصة تتعلق بضعف التيسيرات في الأماكن العامة وسوق العمل، وغياب الدعم الاجتماعي والقانوني، فضلاً عن الافتقار إلى خدمات صحية متخصصة تلبي احتياجاتهن الفريدة".
وفي ظل هذه التحديات، يطالب الخبراء والمنظمات الحقوقية باتخاذ تدابير عاجلة لضمان تكافؤ الفرص وتعزيز حقوق النساء والفتيات ذوات الإعاقة على المستويات التشريعية، والاجتماعية، والاقتصادية، والصحية.
وتؤكد الحقوقية انتصار السعيد أنه "على الرغم من وجود بعض الجهود التي بذلتها الحكومات والمنظمات الدولية، فإن هذه الفئات ما تزال تتعرض لظروف غير عادلة في العديد من المجالات".
وعن السبل التي يجب أن توفرها الحكومات لدعم هذه الفئات، تضع السعيد ستة تدابير رئيسية، تشمل تحقيق تكافؤ الفرص في التعليم والعمل: ضرورة توفير تعليم شامل وميسر للفتيات ذوات الإعاقة، مع اتخاذ إجراءات لضمان المساواة في فرص العمل من خلال تهيئة بيئات العمل لتكون أكثر شمولاً.
أما الثاني فهو القضاء على العنف ضد النساء والفتيات ذوات الإعاقة، وضرورة اتخاذ تدابير صارمة لحمايتهن من العنف القائم على النوع الاجتماعي والإعاقة، مع توفير مراكز حماية وخدمات دعم قانوني.
ويتضمن الثالث تحسين الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية: يجب أن تتناسب هذه الخدمات مع احتياجات النساء ذوات الإعاقة، مع توفير المعلومات اللازمة بشأنها، أما الرابع فهو تشجيع المشاركة السياسية والاجتماعية، حيث ينبغي تمكين النساء ذوات الإعاقة من المشاركة في الحياة السياسية والمجتمعية، من خلال تشجيع وجودهن في المناصب العامة وتطوير سياسات تدعم مشاركتهن.
أما الخامس فهو حماية حقوق النساء ذوات الإعاقة في القضاء: من الضروري إزالة الحواجز التي تعوق وصولهن إلى العدالة، بما في ذلك تطوير التشريعات التي تضمن لهن حقوقًا متساوية في الإجراءات القانونية.
وسادس التدابير يتمثل في تطوير سياسات تراعي التنوع والاحتياجات الخاصة، وينبغي أن تأخذ السياسات بعين الاعتبار الفروق الفردية بين النساء ذوات الإعاقة، سواء من حيث العمر أو الخلفية الثقافية أو الظروف الاجتماعية، لضمان تحقيق العدالة والمساواة لهن.
مطالب ملحّة
ومن جانبه قالت الأمين العام السابق للاتحاد النسائي العربي، والناشطة في مجال العمل الاجتماعي والنسائي لعقود، الدكتورة هدى بدران، إن "هذه الفئة هشة للغاية وتتحمل أعباء كبيرة، لكنها تحتاج إلى استجابة أوسع على مستوى الأسر والدول والمجتمع الدولي".
وشددت بدران في تصريح لـ"جسور بوست" على أهمية أن يكون لدى الأسر وعي وتفهم لاحتياجات النساء والفتيات ذوات الإعاقة، مع توفير بيئة داعمة تتيح لهن العيش بكرامة ودون عزلة مجتمعية.
كما أكدت أن الدول تتحمل مسؤولية كبيرة في توفير وسائل نقل ميسرة، وتعليم مناسب، وخدمات صحية متكاملة، إلى جانب إصدار تشريعات عادلة تضمن حقوقهن.
كما شددت على ضرورة استمرار دعم هذه الفئة بعد سن الثامنة عشرة، خاصة مع تراجع الاهتمام بهن مقارنة بمن هنّ دون هذا السن، حيث تحظى الفتيات الصغيرات بدعم أكبر من المنظمات الدولية.
وأكدت بدران دور المجتمع الدولي في حماية النساء والفتيات ذوات الإعاقة، مشيرة إلى أن الفئات الفقيرة منهن، وخاصة الموجودات في مناطق النزاع، بحاجة إلى اهتمام أكبر؛ نظراً للأخطار الجسيمة التي يواجهنها في ظل الأوضاع غير المستقرة.