تشريع جديد لليمين المتطرف يتعلق بمجتمع الميم في المجر يثير انقساماً وانتقادات قبل انتخابات 2026

تشريع جديد لليمين المتطرف يتعلق بمجتمع الميم في المجر يثير انقساماً وانتقادات قبل انتخابات 2026
احتجاجات مجتمع الميم في المجر- أرشيف

في خطوة مثيرة للجدل، أقر البرلمان المجري الذي يهيمن عليه التيار اليميني الشعبوي المقرّب من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب، قانونًا جديدًا يحظر تنظيم التظاهرات العامة لمجتمع الميم، وقد أثار هذا القانون، الذي وصفته منظمة مجرية بأنه "تشريع الخوف"، انقسامات واسعة داخل الأوساط السياسية والمجتمعية، إلى جانب انتقادات أوروبية حادة.

وبينما يرى بعض المحللين الأوروبيين والروس، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن القانون يعمّق من عزلة التيار اليميني ويهدد شعبيته قبيل الانتخابات البرلمانية في 2026، يعده آخرون تعزيزًا لتوجهاته في حماية "القيم العائلية"، على غرار ما يدعو إليه ترامب ضمن رؤيته لإعادة أوروبا "أقوى" دون المساس بالحياة السياسية أو فرض القمع.

وقد صوّت البرلمان المجري، يوم الاثنين، على تعديل دستوري يحظر تنظيم فعاليات عامة لمجتمع الميم، بما في ذلك مسيرة "فخر المثليين" السنوية التي تُقام في بودابست. وجاءت نتيجة التصويت بموافقة 140 نائبًا مقابل اعتراض 20، وفق وسائل إعلام غربية، من بينها التلفزيون الألماني.

ويقف خلف هذا التشريع الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، المعروف بخطابه المحافظ. وقد حاولت المعارضة، قبل التصويت، عرقلة دخول نواب الحزب الحاكم عبر تنظيم احتجاج أمام بوابة ساحة انتظار البرلمان، إلا أن الشرطة فرّقت المحتجين.

وينص التعديل الدستوري الجديد على أولوية "حقوق الأطفال في التنمية الأخلاقية والبدنية والروحية" فوق أي حق آخر -حتى حق التجمع السلمي- كما يمنح السلطات صلاحية استخدام تقنية التعرف إلى الوجه لتحديد المشاركين في الفعاليات المحظورة، مع فرض غرامات تصل إلى 200 ألف فورنت مجري (نحو 546 دولارًا أمريكيًا.

سخرية احتجاجية 

ردًا على هذا القانون، نظم آلاف المجريين مظاهرة ساخرة في وسط بودابست، مرتدين ملابس رمادية وحاملين لافتات تنتقد تجريم الألوان والتنوع، إذ جاء هذا الاحتجاج بدعوة من حركة ساخرة تُعرف باسم "تو تيلد دوج"، التي استخدمت خطابًا تهكميًا لدعم ما وصفته بـ"جهود أوربان للقضاء على التنوع"، مشيرة بسخرية إلى أن هذه القضايا تتفوق في أهميتها على مشكلات حقيقية مثل التضخم وغياب السكن والخدمات العامة.

ويأتي هذا التجمع في أعقاب تمرير البرلمان الشهر الماضي لقانون يمنع مسيرة "الفخر"، بحجة "حماية الأطفال"، ومنذ فوز دونالد ترامب مجددًا برئاسة الولايات المتحدة، صعّد أوربان من خطابه ضد مجتمع الميم، كما تعهد بتقييد التمويل الأجنبي لوسائل الإعلام المستقلة والمنظمات غير الحكومية، ضمن استراتيجية لتعزيز موقعه السياسي قبيل الانتخابات المقررة مطلع 2026.

وتواجه حكومة أوربان تحديًا غير مسبوق من حزب معارض جديد يهدد هيمنة دامت أكثر من عقد، حيث يواصل أوربان منذ عام 2010 تعزيز أجندته المحافظة تحت شعار "حماية القيم العائلية"، وهو ما تُرجم عام 2021 بسن قانون يحظر "الترويج للمثلية الجنسية" لمن هم دون 18 عامًا، ما أثار غضب الاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان.

في المقابل، تدّعي الحكومة أن هذه الإجراءات تهدف إلى "حماية الأطفال"، في حين يرى المعارضون أنها امتداد لحملة أوسع لتقويض الحريات واستهداف الأقليات والمجتمع المدني.

تشريع الخوف

وصفت لجنة هلسنكي المجرية، وهي منظمة حقوقية مستقلة، التعديل الدستوري الأخير بأنه وسيلة "لتشريع الخوف" في بلد عضو في الاتحاد الأوروبي، مؤكدة أنه يمثل "تصعيدًا كبيرًا في جهود الحكومة لقمع المعارضة، وإضعاف حماية حقوق الإنسان، وتعزيز قبضتها على السلطة".

وفي السياق ذاته، أشارت حركة "مومنتوم" المعارضة إلى أوجه الشبه بين هذا القانون وما تطبقه السلطات الروسية، معتبرة أن المجر تسير على خطى موسكو في تقليص الحريات.

منذ إعلان حظر مسيرة "فخر بودابست" الشهر الماضي، أعربت 22 سفارة أوروبية في المجر عن قلقها العميق حيال التشريع، محذّرة من أنه قد يؤدي إلى قيود صارمة على حرية التجمع والتعبير.

في المقابل، أبدت المفوضة الأوروبية للمساواة، حاجة لحبيب، دعمها الكامل لحقوق مجتمع الميم في المجر، مشددة على ضرورة وقوف الاتحاد الأوروبي دفاعًا عن الحق في التجمع السلمي.

ويُعد هذا التعديل هو الخامس عشر على الدستور المجري منذ إقراره عام 2011، ويأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث يواجه رئيس الوزراء فيكتور أوربان ضغوطًا داخلية متزايدة، ليس فقط من المعارضة بل من داخل حزبه أيضًا.

وكان أوربان قد نفى في تصريحات سابقة العام الماضي أن يكون القانون يستهدف التمييز ضد مجتمع الميم في المجر، مؤكدًا خلال حضوره قمة أوروبية: "أنا مقاتل من أجل الحرية. في النظام الشيوعي كانت المثلية تُعاقب، وقد ناضلت من أجل حقوق المثليين"، فيما أشار إلى أن التشريع "لا يستهدف المثليين، بل يمنح الآباء حق تقرير الكيفية التي يربّون بها أطفالهم جنسيًا".

احتجاجات شعبية

يأتي تمرير هذا القانون في ظل واقع داخلي متدهور، حيث شهدت العاصمة بودابست في مارس الماضي تظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف، من بينهم زعيم المعارضة بيتر ماغيار، للمطالبة بزيادة تمويل قطاع الصحة العامة، في ظل تدهور حاد بالخدمات الطبية.

ورفع المحتجون لافتات كُتب عليها "صحتنا على المحك" و"نريد معيار رعاية أوروبي"، في تعبير صريح عن غضبهم من السياسات الحكومية، بحسب وكالة فرانس برس.

وقبل أسبوعين فقط، شهدت المجر أيضًا احتجاجًا غير مسبوق نظمته رابطة القضاة، للمطالبة باستقلال القضاء، ما يعكس تصاعد السخط الشعبي تجاه الحكومة.

ويرى الخبير الفرنسي في الشؤون الأوروبية، بيير-لويس ريموند، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن السياسات التمييزية التي يدعمها الائتلاف الحاكم بقيادة أوربان "تُعزز الانقسام داخل المجتمع المجري، بدلًا من أن تكرّس وحدته".

ويعد ريموند أن هذا التشريع قد يشكّل جزءًا من حملة أوسع لتقييد الحريات الديمقراطية قبل الانتخابات البرلمانية المرتقبة عام 2026، موضحًا أن أوربان "لا يمكن فصله عن المسار السياسي الذي يستبق الانتخابات".

ويضيف ريموند: "انتخابات 2026 قد تكون إما بوابة لتوسيع نفوذ أوربان، أو لحضور أكبر للمعارضة، التي بدأت في رفع صوتها من خلال احتجاجات ساخرة تكشف عن أولويات الحكومة المختلة، حيث تضع حظر المسيرات على رأس أجندتها بدلًا من التركيز على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية".

وفي تقييمه للمشهد السياسي، قال ريموند إن شعبية أوربان بدأت تشهد تقزيمًا جزئيًا في الرأي العام، لكنه أشار إلى أن "خطة أوربان لا تزال فعالة، وستعتمد نتائجها على مدى قدرة المعارضة على حشد التأييد والمنافسة الحقيقية في الانتخابات المقبلة".

عودة للقيم العائلية

في المقابل، يرى الخبير في الشؤون الأوروبية والروسية، الدكتور ديمتري بريجع، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن التشريع المجري الأخير يأتي في سياق أوسع من التحولات السياسية في القارة، وفي ظل انقسامات حادة داخل الاتحاد الأوروبي، وتنامي نفوذ الأحزاب اليمينية، مدفوعة بتداعيات الأزمة الأوكرانية، وعودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الداعم القوي لليمين المحافظ الأوروبي، إلى واجهة المشهد السياسي.

ويؤكد بريجع أن "هذه التشريعات لا تأتي بمعزل عن السياق الدولي، بل هي جزء من محاولة لإعادة تشكيل المجتمع الأوروبي، على غرار ما يسعى إليه ترامب في الولايات المتحدة عبر التركيز على القيم العائلية المحافظة، وهو ما سينعكس على السياسات العامة والهوية الثقافية لأوروبا، لا سيما في دول مثل المجر".

ويضيف: "نتوقع أن تشهد أوروبا تحولًا جذريًا في السنوات المقبلة، مع احتمال إغلاق ملف مجتمع الميم تدريجيًا، بالتوازي مع صعود التيارات اليمينية في عدة دول أوروبية، وهو ما ظهر جليًا في التشريع المجري الأخير"، لكنه يستبعد في الوقت ذاته أن يمتد هذا التحول إلى تقييد الحريات السياسية بشكل كامل.

وتساءل بريجع: "هل كان صوت القيم العائلية مسموعًا في أوروبا خلال العقود الماضية؟"، يجيب قائلاً: "اليمين المتطرف سيعيد إحياء هذه القيم، لتعود أوروبا إلى جذورها المسيحية المحافظة، وهو ما يُعد -برأيه- خطوة ضرورية لبناء قارة قوية ومتماسكة، قادرة على مواجهة أزماتها الديموغرافية المتفاقمة".

ومن جانبه أوضح الأستاذ في جامعة موسكو، الدكتور رامي القليوبي، في تصريح لـ"جسور بوست" أن القيم التي تروج لها التيارات اليمينية الشعبوية تتعارض جوهريًا مع المبادئ الليبرالية التي بنيت عليها الديمقراطيات الأوروبية، مضيفًا: "نحن نشهد اليوم تحركًا تدريجيًا نحو التشدد في قضايا مثل الهجرة، والحريات الاجتماعية، وهي من أبرز ملامح هذا التحول".

ورغم ذلك، يطمئن القليوبي بأن "الدول الأوروبية تظل قائمة على مؤسسات قوية، ولا يمكن أن يُفرض فيها صوت واحد أو رؤية شمولية، حتى لو تم تعزيز الرقابة أو تقليص بعض المساحات، إلا أن الوصول إلى مرحلة القمع الكامل غير وارد في المدى المنظور".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية