ليبيا ترفض "وطن بديل".. تسريبات عن خطة أمريكية لتهجير الفلسطينيين
وسط جدل عربي ونفي أمريكي
في ختام جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط، تحولت النقاشات من فشله في تحقيق هدنة بقطاع غزة، ودعوته للسيطرة عليه، إلى جدل واسع بشأن خطة أمريكية مزعومة تقضي بتهجير مليون فلسطيني إلى ليبيا.
الخطة التي كشفت عنها شبكة "NBC" الأمريكية لم تحظَ بأي تعليق رسمي من حكومتي بنغازي وطرابلس المتنازعتين على السلطة في ليبيا، في حين رفضتها حركة "حماس" بشدة، محذّرة مما وصفته بمخططات إسرائيلية موازية لإجبار الفلسطينيين على "الهجرة الطوعية" بالتزامن مع تصعيد عسكري في القطاع.
وفي تصريحات لموقع "جسور بوست"، اعتبر مستشار قانوني ليبي وأحد شيوخ القبائل أن تنفيذ هذا المخطط مستحيل قانونًا، كما أن الليبيين لن يقبلوا به، فيما رأى أكاديمي متخصص في الشؤون الأمريكية والدولية أن واشنطن تسعى من خلال هذه التسريبات لتوجيه رسالة للعرب بأن خطط التهجير لا تزال قائمة، وأن مشروع الإعمار العربي في غزة لم يعد مطروحًا.
وأكد أن المخطط وُلد ميتًا، سواء نظريًا أو عمليًا، نظرًا لصعوبات عدة، أبرزها نقل هذا العدد الهائل من السكان، ورفضه شعبيًا، وموقف قومي يرفض تصفية القضية الفلسطينية.
تسريبات جديدة
وسط توقعات عربية ودولية بأن تسفر زيارة ترامب عن إعلان هدنة في غزة، تجاهل الرئيس الأمريكي هذه القضية، وتحدّث بدلًا من ذلك عن رغبته في تحويل القطاع إلى منطقة حرة تحت السيطرة الأمريكية.
لكن الزخم تصاعد بعد تسريبات أمريكية أشارت إلى خطة تُدرس بجدية لنقل نحو مليون فلسطيني إلى ليبيا، بحسب ما أفاد به خمسة أشخاص مطلعين، بينهم مسؤول أمريكي سابق، لشبكة “NBC ”ووفقًا للتسريبات، فإن الإدارة الأمريكية ناقشت هذه الفكرة مع قيادات ليبية، مقابل تقديم مليارات الدولارات من الأصول الليبية المجمدة في الولايات المتحدة منذ أكثر من عقد.
وأوضحت الشبكة أن الخطة لا تزال في مراحلها الأولية، ولم يتم التوصل إلى أي اتفاق نهائي بشأن تفاصيل التنفيذ، كما لم يُحدد بعد توقيت أو آلية النقل، وأشارت إلى 7أن إسرائيل أُبلغت بهذه المناقشات.
وفيما لا يزال عدد الفلسطينيين المستهدفين بالهجرة "الطوعية" إلى ليبيا غير واضح، قال مسؤول أمريكي سابق إن من بين الأفكار المطروحة تقديم حوافز مالية، مثل السكن المجاني ورواتب شهرية، لتشجيع الفلسطينيين على الرحيل.
كما لم يُحدد حتى الآن الموقع المحتمل لإعادة توطين هؤلاء الفلسطينيين داخل ليبيا، وتدرس الإدارة الأمريكية جميع الخيارات الممكنة للنقل، سواء جوًا أو برًا أو بحرًا، وفقًا للمصدر ذاته.
لن نغادر أرضنا
من جهته، نفى باسم نعيم، أحد قياديي حركة "حماس"، علم الحركة بأي مناقشات حول نقل فلسطينيين إلى ليبيا، مؤكدًا في تصريحات لـ"NBC News" أن "الشعب الفلسطيني متجذر في أرضه وملتزم بالدفاع عنها حتى النهاية"، مشددًا على أن "الفلسطينيين وحدهم يملكون الحق في تقرير مصيرهم".
ورغم عدم صدور ردود رسمية حديثة من حكومتي طرابلس وبنغازي على هذه التسريبات، فإن موقفهما المعلن سابقًا كان رافضًا بشكل قاطع لأي مخطط لاستقبال لاجئين فلسطينيين.
ففي 3 مارس الماضي، نفى المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة الوطنية الليبية تقارير أمريكية تحدثت عن استعداد ليبيا لاستقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيين، واصفًا تلك الادعاءات بأنها "لا أساس لها من الصحة ولم تصدر عن أي جهة رسمية ليبية".
وأكد المكتب حينها أن "التقرير يفتقر لأبسط معايير المصداقية والموضوعية"، وأن "السياسات الليبية، سواء الداخلية أو الخارجية، تُعلَن فقط عبر القنوات الرسمية"، مشيرًا إلى أن "أي أخبار غير صادرة عن الجهات المختصة لا تُعدّ سوى محاولات للتشويش وإثارة البلبلة".
كما شدد على أن "ليبيا تجدد التزامها الثابت والداعم للقضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في العيش بحرية وكرامة على أرضه"، مؤكدًا أن سياسات الدولة الليبية في هذا الشأن تنبع من المبادئ والقيم التي يؤمن بها الشعب الليبي.
حلم أمريكي
بعد الجدل الواسع الذي أثارته تسريبات شبكة "NBC" الأمريكية حول خطة أمريكية لنقل مليون فلسطيني إلى ليبيا، سارع متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي إلى نفي تلك التقارير، مؤكدًا أنها "غير صحيحة".
وأضاف المتحدث: "الوضع على الأرض لا يسمح بمثل هذه الخطة. لم تُناقش هذه الفكرة أصلًا، وهي لا معنى لها".
ورغم هذا النفي الرسمي، فإن ملف تهجير الفلسطينيين من غزة، والسيطرة الأمريكية على القطاع، ظل مطروحًا منذ تولي الرئيس دونالد ترامب ولايته الثانية في 20 يناير الماضي.
فقد فاجأ ترامب الأوساط السياسية، بما في ذلك داخل إدارته، حين طرح في فبراير الماضي خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقترحًا بنقل سكان غزة إلى مصر أو الأردن.
لاحقًا، أعاد الرئيس الأمريكي طرح فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، تحت ذريعة "إعادة الإعمار" وتحويل القطاع إلى "منتجع ساحلي دولي تحت الإدارة الأمريكية"، وهو ما قوبل برفض حاسم من القاهرة وعمان، اللتين تبنتا مع أطراف عربية أخرى مشروعًا مصريًا بديلًا لإعمار القطاع.
ورغم تصريحات سابقة لترامب بأنه "لن يضغط لتنفيذ التهجير"، عاد خلال جولته الأخيرة إلى طرح فكرة تحويل غزة إلى منطقة حرة تخضع لواشنطن، في إطار رؤية مستمرة يروج لها رغم اعتراضات المنطقة.
محاولات لتسويق التهجير
كشفت مصادر دبلوماسية عن ضغوط مارسها ترامب على مصر والأردن للقبول بالمقترح، مع تلويح أمريكي بتعليق المساعدات الاقتصادية التي تُقدّر بمليارات الدولارات، ورغم تلك الضغوط، فإن البلدين تمسّكا برفضهما لأي مخطط من هذا النوع.
وتتزامن هذه التحركات مع تصريحات لوزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، أعلن فيها في مارس الماضي موافقة المجلس الوزاري الأمني المصغر على اقتراح من وزير الدفاع يسرائيل كاتس بتنظيم "النقل الطوعي" لسكان غزة إلى دول ثالثة، بحسب القانونين الإسرائيلي والدولي، وبما يتماشى مع "رؤية الرئيس ترامب".
كما ترافقت تلك التحركات مع تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تحدث فيها عن وجود اتصالات مع عدة دول لبحث إمكانية استقبال لاجئين فلسطينيين من غزة، وفقًا لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية.
في تعليقه على التطورات، قال المستشار القانوني والحقوقي الليبي، وأحد أعيان قبائل ورفلة، موسى علي الغويل، "في ظل تصاعد الخطاب السياسي والإعلامي حول خطط أمريكية–صهيونية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين إلى دول عربية، وعلى رأسها ليبيا، فإن الموقف الشعبي الليبي واضح في رفض هذه المؤامرات التي تُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الشعب الفلسطيني، واعتداءً سافرًا على سيادة ليبيا".
وأوضح الغويل في تصريح لـ"جسور بوست" أن "الشعب الليبي، بكافة أطيافه، كان دائمًا من أوائل الداعمين للقضية الفلسطينية، وقدم التضحيات دفاعًا عن القدس"، مشددًا على أن "ليبيا لن تكون وطنًا بديلًا لأي شعب، وفلسطين لا وطن لها سوى فلسطين، والقدس عاصمة أبدية لها".
وأضاف: "أي محاولة لفرض مشروع توطين داخل الأراضي الليبية ستُقابل برفض شعبي شامل، وليبيا لن تكون أداة بيد سلطات إسرائيل هذه المؤامرات تسعى لتصفية القضية الفلسطينية عبر تهجير سكانها، وتحويلهم إلى قضايا إنسانية، بدلًا من كونهم ضحايا احتلال غاشم".
وأشار الغويل إلى أن "استخدام ليبيا لتصفية الهوية الفلسطينية، مشروع استعماري مقنّع بثوب إنساني كاذب"، محملًا المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، المسؤولية الكاملة عن هذه "المؤامرات المرفوضة".
واختتم حديثه قائلًا: "الشعب الليبي لن يسمح بأن تتحول أرضه إلى ساحة صراعات أو مشاريع استعمارية. فلسطين للفلسطينيين، وليبيا لأبنائها، والقرار الوطني الليبي لن يُختطف لمصلحة أجندات مشبوهة، مهما اشتدت الضغوط".
تكتيك ضغط أمريكي
من جانبه، يرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الشؤون الأمريكية والعلاقات الدولية، أن "التسريبات الأخيرة بشأن تهجير فلسطينيين إلى ليبيا ليست عشوائية، بل تحمل رسائل أمريكية موجهة للعرب".
وقال صادق في تصريح لـ"جسور بوست":منذ لقاء وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش بنظيرها الإسرائيلي في روما، وإقالتها في أغسطس 2023، والأنظار تتجه إلى ليبيا كمحور محتمل في مشروع أمريكي–إسرائيلي لتوطين الفلسطينيين، أو على الأقل لإثارة الجدل السياسي حول هذا الاحتمال".
وأضاف: "هذه التسريبات قد تكون وسيلة للضغط، أو لمحاولة إرباك الموقف العربي، وتوجيه رسالة بأن خطة التهجير لا تزال مطروحة، وأنه لا مكان حاليًا لأي مشروع إعمار حقيقي في غزة".
وأشار صادق إلى أن "عودة ترامب إلى الحديث عن تحويل غزة إلى منطقة حرة تحت سيطرة واشنطن، تُعدّ بمنزلة تأكيد جديد على أن المخطط لم يُسحب من الطاولة بعد".
ورأى الدكتور سعيد صادق أن تنفيذ خطة تهجير مليون فلسطيني إلى ليبيا غير ممكن عمليًا، مؤكدًا: "نقل هذا العدد من السكان، ولو على مراحل، يحتاج إلى عمليات نقل جوية وبرية وبحرية معقدة، وهو أمر غير واقعي. حتى نظريًا، الخطة غير قابلة للتطبيق، وتتطلب بنى تحتية واتفاقات وتنسيقات دولية لا يمكن تحقيقها بسهولة، خاصة في ظل الرفض الشعبي والسياسي في ليبيا والمنطقة".