تغير المناخ وارتفاع أسعار الغذاء.. أزمة حقوقية تهدد الفقراء وتربك استقرار الدول
تغير المناخ وارتفاع أسعار الغذاء.. أزمة حقوقية تهدد الفقراء وتربك استقرار الدول
في الوقت الذي ترتفع فيه درجة حرارة الكوكب بشكل غير مسبوق، يواجه العالم أزمة صامتة تضرب موائد ملايين الفقراء حول العالم، هي ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية نتيجة للطقس المتطرف الناتج عن تغير المناخ، حيث تؤكد التقارير أن القفزات الحادة في أسعار سلع مثل الأرز، والبطاطس، والبصل، والكاكاو، ليست مجرد تذبذبات سوقية، بل هي نتيجة مباشرة لظواهر مناخية متطرفة تجاوزت كل الحدود المناخية التاريخية السابقة.
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "الغارديان"، فإن موجات الحر الشديد والجفاف والأمطار الغزيرة، التي أصبحت أكثر تواترًا وشدة، أدت إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية في 18 دولة بين عامي 2022 و2024، حيث ارتفع سعر الكاكاو بنسبة 300% عالميًا بعد موجات حر وجفاف غير مسبوقة في غانا وساحل العاج، وهما دولتان تنتجان أكثر من 60% من الإنتاج العالمي لهذه السلعة.
أما “فايننشيال تايمز” فربطت بشكل مباشر بين موجة الحر التي ضربت الهند في مايو 2023 وارتفاع أسعار البصل بنسبة 89%، كما قفز سعر الكرنب في كوريا الجنوبية بنسبة 70%، والأرز في اليابان بنسبة 48%، والخضراوات في الصين بنسبة 30%، وفي أوروبا أدى الجفاف في جنوب إسبانيا إلى ارتفاع سعر زيت الزيتون بنسبة 50% خلال عام واحد.
تهديد الحق في الغذاء
لا تقف تداعيات هذه الأزمة عند حدود ارتفاع الأسعار فقط، بل تتجاوزها إلى انتهاك مباشر للحق في الغذاء والتغذية السليمة، فالأسر ذات الدخل المنخفض، وفقًا لتقارير "مؤسسة الغذاء" و"كاربون بريف"، تقلل من استهلاك الفواكه والخضراوات باهظة الثمن، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية، لا سيما بين النساء والأطفال.
وأكدت المديرة التنفيذية لمؤسسة الغذاء، آنا تايلور، أن استهلاك الخضراوات والفواكه "شديد التأثر بارتفاع الأسعار"، ما يؤدي إلى أنظمة غذائية أقل تغذية، ترتبط بشكل مباشر بأمراض مزمنة مثل السكري، وأمراض القلب، وبعض أنواع السرطان.
تاريخيًا، لطالما شكل ارتفاع أسعار الغذاء شرارة للاحتجاجات، في عام 2010، فرضت روسيا حظرًا على تصدير القمح بعد موجة حر شديدة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار عالميًا واندلاع "أعمال شغب الخبز" في دول مثل موزمبيق، اليوم، يكرر التاريخ نفسه وفقًا لتحذيرات راج باتيل، الباحث في جامعة تكساس، الذي أكد أن "تضخم أسعار المواد الغذائية دائمًا سياسي".
وتُظهر الدراسة الجديدة التي نشرها مركز برشلونة للحوسبة الفائقة أن التضخم الغذائي الناتج عن المناخ قد يمتد لأكثر من 12 شهرًا، ما يُربك السياسات النقدية ويُهدد الاستقرار السياسي، خاصة في الدول ذات الدخل المنخفض.
تداعيات اقتصادية عابرة للحدود
وفقًا لتقارير "فايننشيال تايمز" و"كاربون بريف"، فإن ارتفاع أسعار الغذاء يُعقّد من جهود البنوك المركزية في السيطرة على التضخم، ففي المملكة المتحدة، تسبب ربيع جاف في ارتفاع معدل التضخم إلى 3.6% في يونيو 2024، ما قلص من فرص خفض أسعار الفائدة.
وفي تقرير مشترك شمل البنك المركزي الأوروبي، ومؤسسة الغذاء، ومعهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ، حُذر من أن أسعار الغذاء المرتفعة ستؤثر على قدرة الدول في الحفاظ على استقرارها النقدي، وستضاعف من هشاشة الاقتصادات الناشئة.
وحللت دراسة "كاربون بريف" 16 حالة من ارتفاع الأسعار في دول مختلفة، ووجدت أن موجة الحر التي اجتاحت آسيا عام 2024 أدت إلى زيادات حادة في أسعار البصل، والأرز، والخضراوات، بشكل متزامن في الهند، الصين، اليابان، وكوريا الجنوبية، كما شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا بنسبة 80% في أسعار الخضراوات في أريزونا وكاليفورنيا نتيجة جفاف 2022.
وهذه القفزات لا تنعكس فقط على الأسر، بل على السياسات الاقتصادية، حيث يؤثر ارتفاع أسعار الغذاء على نتائج الانتخابات في بعض الديمقراطيات، كما حدث في الولايات المتحدة، بحسب الباحث ماكسيميليان كوتز.
توصيات لمواجهة الأزمة
تدعو التقارير مجتمعة إلى اعتبار أزمة الغذاء المرتبطة بالمناخ قضية حقوقية وإنسانية ذات أولوية وتوصي بما يلي: اعتماد سياسات دعم غذائي للفئات الهشة، إدراج الأمن الغذائي ضمن خطط التكيّف المناخي الوطنية، بناء أنظمة زراعية مرنة وقادرة على مقاومة الصدمات المناخية، منع المضاربة في أسواق السلع الغذائية.
ويتزامن نشر هذه التقارير مع استعدادات الأمم المتحدة لعقد قمة نظم الغذاء في 27 يوليو، والتي تهدف إلى بحث مستقبل الأمن الغذائي العالمي، في هذا السياق، يطالب خبراء بأن تُدرج قضية عدالة الغذاء المناخي ضمن جدول أعمال القمة، وأن تتحمّل الدول الصناعية مسؤولياتها الأخلاقية والمالية تجاه الدول المتضررة.
وتُظهر البيانات أن أزمة المناخ لم تعد تهديدًا مستقبليًا بل واقعًا حاليًا، يضرب الحق في الغذاء والصحة، وبينما يتصارع العالم مع موجات حر وجفاف وفيضانات، يدفع الفقراء الثمن مضاعفًا.