تفاقم الإصابات بالحمى النزفية في العراق وتحذيرات من موجة وبائية جديدة
30 وفاة منذ مطلع 2025 وارتفاع مطّرد في الإصابات
يُسجّل العراق منذ مطلع العام الجاري 2025 تصاعدًا مقلقًا في حالات الإصابة والوفاة بسبب مرض الحمى النزفية، في موجة وبائية أعادت إلى الأذهان الكوارث الصحية التي عايشها البلد في السنوات الأخيرة، فقد أعلنت وزارة الصحة العراقية تسجيل 231 إصابة مؤكدة بالفيروس، أودت بحياة 30 شخصًا حتى منتصف يوليو، وسط تحذيرات طبية متزايدة من تفاقم الأوضاع.
وتُعرّف الحمى النزفية -وبشكل أدق حمى القرم-الكونغو النزفية- بأنها مرض فيروسي شديد العدوى ينتقل في الغالب عبر لدغات القراد أو ملامسة دم أو أنسجة حيوانات مصابة، خصوصًا أثناء الذبح أو التعامل المباشر مع المواشي، وهي ممارسة شائعة في مناطق واسعة من العراق، خاصة الأرياف والمناطق الجنوبية.
ويمثل مربّو الماشية والجزارون الفئة الأكثر عرضة للخطر، في ظل استمرار ظواهر الرعي والذبح العشوائي، وتراجع برامج التوعية الصحية.
وعلى الرغم من أن هذا المرض ليس جديدًا على البلاد، إذ يعود تسجيل أولى الإصابات به إلى عام 1979، فإن وتيرة انتشاره في السنوات الأخيرة تثير قلق الأوساط الطبية، خصوصًا في ظل غياب لقاح فعّال سواء للبشر أو الحيوانات، واعتماد الوقاية فقط على الإجراءات الاحترازية والنظافة العامة.
وتكمن خطورته في ارتفاع معدل الوفيات الذي قد يصل إلى 40% من الحالات، بالإضافة إلى أعراضه العنيفة التي تبدأ بالحمى وآلام الجسم وتنتهي بالنزف الداخلي والفشل العضوي.
تهديدًا مزدوجًا للصحة العامة
في ظل هذه الظروف، باتت الحمى النزفية تمثل تهديدًا مزدوجًا للصحة العامة وللاستقرار الاجتماعي في العراق، مع تزايد الضغوط على البنى التحتية الصحية الهشة في عدد من المحافظات، لا سيما في الجنوب، ما يستدعي تحركًا سريعًا من قبل الجهات الرسمية والمنظمات الدولية لاحتواء الأزمة.
وأفادت منظمة الصحة العالمية، في تقارير لها، بأن حمى القرم-الكونغو النزفية تنتقل إلى الإنسان إمّا عبر لدغات القراد، أو من خلال ملامسة دم أو أنسجة الحيوانات المصابة أثناء الذبح أو خلال عمليات التحضير، مشيرة إلى أن المرض يشكّل تهديدًا صحيًا حقيقيًا خاصة في المناطق الريفية التي يكثر فيها الاحتكاك المباشر بالحيوانات، وفق وكالة "فرانس برس".
وشدد المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية، الطبيب سيف البدر، في تصريحات أدلى بها للصحفيين، على أن "المجموع التراكمي خلال عام 2025 بلغ 231 إصابة مؤكدة، بينها 30 حالة وفاة، ستة منها سُجّلت في العاصمة بغداد"، لافتًا إلى أن معدلات الإصابة في تصاعد مستمر خاصة في مناطق الجنوب.
نسبة وفيات مقلقة
أكّد مختصون في وزارة الصحة العراقية أن الحمى النزفية تُعدّ من الأمراض شديدة العدوى، ولا يتوفر لها أي لقاح سواء للإنسان أو الحيوان.
وتبدأ أعراضها بحمى شديدة وآلام عضلية وبطنية، ثم تتطور لتشمل نزفًا من العينين والأذنين والأنف، وقد تصل إلى فشل كلوي أو كبدي يؤدي إلى الوفاة.
وتقدّر منظمة الصحة العالمية معدلات الوفاة نتيجة الإصابة بالمرض بين 10% و40% من الحالات، ما يثير قلقًا متزايدًا في الأوساط الصحية العراقية.
اتهامات بالإهمال البيئي
سُجّلت أعلى نسب الإصابات هذا العام في محافظة ذي قار، حيث تم توثيق 84 إصابة، ما يعكس هشاشة الوضع الصحي في هذه المناطق التي تعتمد على تربية الأبقار والأغنام والماعز والجاموس، وهي حيوانات ناقلة للفيروس.
ودعت وزارة الصحة إلى وقف عمليات الرعي والذبح العشوائي، معتبرة أن استمرار هذه الظواهر يزيد من تفاقم الأزمة.
وأوضح البدر أنّ "مربّي المواشي والعاملين في المسالخ يُعدّون من الفئات الأكثر عرضة للإصابة"، مؤكداً على أهمية الالتزام بالإجراءات الصحية وضرورة تكثيف حملات التوعية والتطهير البيئي، لا سيما في المناطق الزراعية والريفية.
إرث صحي هش
سجّل العراق أولى حالات الإصابة بهذا المرض في عام 1979، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت عودة ظهور الفيروس بوتيرة متسارعة، خاصة بعد أن عطّل وباء كوفيد-19 في عامي 2020 و2021 العديد من حملات التعقيم ومكافحة نواقل العدوى.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد ربطت في وقت سابق ارتفاع الإصابات بـ"غياب خطط التحصين الوقائي وضعف الإمكانيات البيطرية"، ما سمح للحشرات الناقلة للفيروس، كـ"القراد"، بالتكاثر بحرية.
وفي عام 2022، سجّلت السلطات الصحية 212 إصابة و27 حالة وفاة بين يناير ومايو فقط، ما يعني أن معدلات التفشي الحالية تفوق معدلات السنوات السابقة، وتفرض تحديات كبيرة على النظام الصحي الهش في البلاد.
دعوات للحد من الكارثة
طالبت جهات صحية محلية ودولية بتكثيف الإجراءات الرقابية على الأسواق والمسالخ وتوفير معدات الحماية الشخصية للعاملين في قطاع اللحوم، إضافة إلى تعزيز حملات التطهير البيئي وتقديم الدعم البيطري.
ودعا مختصون إلى تفعيل دور الإرشاد الزراعي والصحي والتنسيق بين وزارتي الصحة والزراعة للحد من انتشار المرض.
ويواجه العراق اليوم تحديًا مزدوجًا؛ احتواء الفيروس في الوقت الحاضر، والاستعداد لمواجهة محتملة في المواسم المقبلة ما لم يتم تدارك أوجه القصور في السياسات الصحية والبيئية.