شواطئ العالم تتآكل.. أزمة الرمال وتغير المناخ تهدد الحق في السكن والبيئة
من ميامي إلى برشلونة وصولاً إلى جولد كوست
مع تصاعد تأثيرات التغير المناخي، تواجه المجتمعات الساحلية حول العالم أزمة متفاقمة تتمثل في تآكل الشواطئ واختفاء الرمال، ما يهدد حقوق الإنسان الأساسية في السكن الآمن والبيئة المستدامة، من ميامي إلى جولد كوست، مرورًا ببرشلونة ورودانثي، تتسارع الخسائر، وسط استجابات حكومية متباينة تطالها اتهامات بالتمييز والإقصاء.
في تقريرها المنشور، اليوم الأربعاء، أوضحت صحيفة "فايننشيال تايمز" أن الشواطئ العالمية باتت في مواجهة مباشرة مع آثار التغير المناخي، خاصة مع ارتفاع مستوى سطح البحر وتكرار العواصف، وأشارت إلى أن أكثر من نصف الشواطئ الرملية حول العالم مهددة بالاختفاء بحلول نهاية القرن، في ظل تآكل متسارع يقوض البنية التحتية والمنازل وسبل العيش.
وفي بلدة رودانثي الصغيرة بولاية نورث كارولاينا، تواجه الأسر ذات الدخل المحدود خطر التهجير نتيجة تآكل الساحل، ورغم وجود مبادرات مثل مبادرة "انسحاب مُدار"، التي تعتمد على شراء الحكومة للمنازل المهددة بالانهيار، فإن أحد سكان المنطقة، لم يستفد من هذه البرامج نظرًا لعدم إدراج منزله ضمن المناطق المؤهلة، مما يعكس فجوة في الإنصاف والحق في السكن بين المواطنين.
انتهاك حق السكان
ويرى الخبراء أن غياب الشفافية وعدم تكافؤ فرص الحصول على التعويضات في هذه السياسات يشكلان انتهاكًا لحق السكان في المشاركة العادلة، ويؤديان إلى تهجير قسري مغلف بمبررات بيئية.
تلجأ العديد من الحكومات إلى ما يعرف بـ"تغذية الشواطئ"، أي ضخ الرمال إلى السواحل المتآكلة بهدف حماية الممتلكات الخاصة وجذب السياحة.
في جزيرة "بالد هيد" الأمريكية أطلق مشروع استُخدمت فيه الرمال لحماية مجموعة من المنازل، وهو ما أدى إلى تدمير موائل طبيعية للأسماك، وانتقده الصيادون المحليون باعتباره انتهاكًا للبيئة ومصدر رزقهم.
وفي هذا السياق، يُحذّر خبراء من أن تغذية الشواطئ تمثل حلاً قصير الأمد يُفاضل بين حماية الاستثمارات الخاصة على حساب حقوق المجتمعات الساحلية والأنظمة البيئية، ويُعيد إنتاج أوجه التمييز المناخي.
التوزيع غير العادل للموارد
وكما تناولت "فايننشيال تايمز" في تقريرها فكرة التوزيع غير العادل للموارد في التصدي لتآكل الشواطئ، ففي برشلونة، تُستخدم الرمال للحفاظ على شواطئ تجارية وسياحية، في حين تُهمل مناطق سكنية أقل دخلًا، أما في أستراليا، فقد أظهرت التحليلات أن عمليات التغذية بالرمال تستهدف بدرجة أكبر المواقع ذات العقارات الفاخرة، ما يعزز الفجوة بين الأثرياء والفئات المهمّشة.
وتُطرح هنا تساؤلات حقوقية جوهرية: من يقرر من يستحق الحماية؟ ولماذا يُستبعد السكان الأصليون والمجتمعات المهمّشة من خطط الإنقاذ؟
وسلّط التقرير الضوء على جانب آخر من الأزمة، يتمثل في ندرة الرمال الطبيعية، التي تُعد ثاني أكثر الموارد استخدامًا بعد الماء، والتي غالبًا ما تُستخرج من قيعان الأنهار أو قاع البحر، ما يهدد النظم البيئية ويقوض الحق في بيئة سليمة.
ومع ازدياد الطلب، نشأت أسواق موازية لاستخراج الرمال، ترتبط أحيانًا بالجريمة المنظمة أو بانتهاكات لحقوق العمال في دول الجنوب، ما يستدعي رقابة دولية ومساءلة شفافة.
قضية بيئية وفنية
رغم أن الموضوع يُقدَّم غالبًا كقضية بيئية أو فنية، فإن أبعاده الحقوقية واضحة وجوهرية، حيث تتقاطع مع:
- الحق في السكن، خاصة في مواجهة مخططات الانسحاب الساحلي غير العادل.
- الحق في بيئة صحية، في ظل تدمير المواطن البحرية والمخاطر البيئية لتغذية الشواطئ.
- الحق في المشاركة العامة، مع استبعاد المجتمعات من اتخاذ القرار بشأن حماية السواحل.
- العدالة المناخية، في توزيع الموارد وتحمّل الأضرار المناخية بشكل غير متكافئ.
وتكشف أزمة الرمال وتآكل الشواطئ كما عرضتها فايننشيال تايمز أن تحديات تغير المناخ ليست تقنية فحسب، بل تمس جوهر العدالة والحقوق، والمطلوب اليوم ليس فقط البحث عن حلول هندسية، بل عن إجابات عادلة تُنصف الإنسان والبيئة معًا، وتضمن ألا تتحول أزمة الشواطئ إلى أزمة حقوق غائبة.