بين الإنقاذ والمراقبة.. ما ضوابط استخدام الذكاء الاصطناعي في رصد حقوق الإنسان؟
بين الإنقاذ والمراقبة.. ما ضوابط استخدام الذكاء الاصطناعي في رصد حقوق الإنسان؟
دخلت أدوات الذكاء الاصطناعي بسرعة ساحات العمل الحقوقي والعدلي من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية بسرعة قياسية إلى تحليل كمّ هائل من المنشورات الرقمية واستخراج أدلة يمكن تقديمها أمام محاكم، لتصبح هذه التقنيات شريكاً أساسياً للمحققين والمنظمات والهيئات الأممية لفتح نوافذ على مناطق محجوبة أو خطرة، ولتحويل معلومات مبعثرة إلى أدلة ذات صلة قضائية وإنسانية، وفي الوقت نفسه، تبرز أسئلة أخلاقية وقانونية عميقة حول الدقة والتحيز والخصوصية وإمكانية سوء الاستخدام.
تتعدد دوافع اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي من حيث سرعة تحليل كميات هائلة من البيانات في أزمنة حاسمة، والقدرة على التحقق المتقاطع من مصادر متعددة، وإمكانية إصدار إنذارات إنسانية فورية تقلل الخسائر في الأرواح، وفي مناطق النزاع حيث تختفي الأدلة أو تُسحب بسرعة، تمكن خوارزميات رؤية الحاسوب وتقنيات معالجة اللغة الطبيعية فرق التحقيق من بناء صور زمنية ومكانية للهجمات وإعادة تركيب أدلة مقاطع الفيديو والصور الميدانية، وقد استفاد توثيق جرائم الحرب في أوكرانيا من هذه الأدوات، كما مكنت تقنيات التنبؤ والتحليل السريع فرق الإستدلال لاقتفاء مواقع القصف وتتبع تحركات الآليات العسكرية وفق شبكة "techgenyz".
إنذار مبكر وتوثيق قضائي
أبرزت تجارب ميدانية إمكانات فعلية تشمل أنظمة الإنذار المبكر مثل منصات مبنية على مزيج من حساسات أرضية وتحليل بيانات تُستخدم لتنبيه المدنيين لوقت وقوع غارات جوية، وهو ما أسهم في إنقاذ أرواح في مناطق بها نزاعات من خلال تقصّي إشارات صوتية وبيانات حسّاسات وإصدار إنذارات فورية، كما استُخدمت صور الأقمار الصناعية المدعومة بتعلّم آلي لاكتشاف تدمير البنى أو وجود مقابر جماعية، ما يسهل توثيقاً معيارياً تُقبل عند جمع الأدلة القانونية، وتوضح تقارير ومشروعات ميدانية كيف أصبحت الأدلة الرقمية المرتّبة زمنياً أساساً في تحقيقات دولية وإقليمية.
الفائدة الإنسانية المباشرة للإستخدام الإيجابي للذكاء الاصطناعي هي إنقاذ مدنيين بتوقيت أفضل للوصول إلى مأوى أو نقل المساعدة، وتقوية قضايا العدالة عبر توثيق محكم يوثّق التوقيت والمكان والأنماط، وقضائياً، تساهم سجلات أقمار صناعية وتحليلات متعددة المصادر في بناء سلاسل سلسلة إثبات يمكن أن تدعم دعاوى جرائم حرب، ومع ذلك، تبقى القيود جدية ممثلة في أخطاء تفسير الصور أو التنبؤ تشير إلى احتمال تشويه الحقائق، وتحليل آلي قد يخطئ في تمييز أهداف مدنية وعسكرية، ما يعرّض الشهود والضحايا لمخاطر أو لاتهامات خاطئة إذا لم تُوازن الاستنتاجات بتحقّق بشري وميداني.
المراقبة والقمع والتحيز
مصادر متعددة للمخاطر ظهرت عملياً في إمكانية استغلال أدوات الرصد ذاتها من قبل أجهزة حكومية لقمع المعارضة أو تعقب نشطاء وناجحين حقوقيين، كما أظهرت تقارير تحقيقية أن نماذج شبيهة بمنصات المحادثة استُخدمت في سياقات استخباراتية مثيرة للقلق، ما يبرز خطر أن تتحول تكنولوجيا الحماية إلى أدوات قمع، إضافة إلى ذلك، يحمل الاعتماد على مجموعات بيانات غير متوازنة مخاطر تحيّز منهجي قد يغفل اعتداءات في مناطق مهمشة أو يفرط في تقدير حالات في مناطق أخرى، وهذه المخاطر تستدعي ضوابط قانونية وأخلاقية صارمة قبل توسيع الاستخدام.
اتخذت هيئات أممية ومنصات متعددة مواقف توازن بين الترحيب بإمكانات الذكاء الاصطناعي والتحذير من مخاطره، وتؤكد تقارير ومبادرات أممية وجوب إدماج حقوق الإنسان في تصميم ونشر الأنظمة الآلية، وتدعو إلى مبادئ حكم رشيد تشمل الشفافية والمسؤولية والمساءلة. من جهات دولية ومجتمعات مدنية، صدرت بيانات عمل مشتركة تحذر من استخدام الأنظمة لقمع الحريات وتقترح معايير لحماية خصوصية المدنيين وحق المدافعين عن الحقوق في العمل بحرية، كما بدا أن منظمات حقوقية ومسوحاً علمية تشدد على أن إثباتات الذكاء الاصطناعي يجب أن تُكمّلها استقصاءات ميدانية مستقلة لتجنب خطأ الاستدلال بحسب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
من أجل تحويل الإمكانات إلى أدوات تحفظ الحقوق، يوصي الخبراء وبيانات ورش العمل بعدة مبادئ عملية: احتياطات بشريّة في كل خطوة، إفصاح عن مصادر البيانات ونسب الخطأ، حصر وصول بيانات حسّاسة لأطر قانونية تحمي خصوصية الضحايا، وتوافر آليات مستقلة لمراجعة النتائج والتحقق الميداني، كما تُعدّ معايير الشفافية وإجبارية توثيق كيفية جمع البيانات وحفظها أمراً ضرورياً لتأسيس مصداقية الأدلة أمام محاكم وطنية ودولية.
توصيات لصناع القرار
توصي المنظمات الحقوقية والأممية بتوجيهات واضحة تضع الحقوق في قلب السياسات تتضمن تمويل بنية تحتية مستقلة للتحقق تدار بمشاركة مجتمع مدني محلي؛ وإدخال بنود التقيّد بالمعايير الأخلاقية في عقود الشراء والدعم التقني، وتدريب فرق تحقيق دولية ومحلية على دمج نتائج الذكاء الاصطناعي مع تحقيقات ميدانية موثقة، وهذه الخطوات تقلل مخاطر الإضرار بالمدنيين وتزيد فرص مساءلة مرتكبي الانتهاكات.
يشكّل الذكاء الاصطناعي ثورة واعدة في مجال العدالة حيث يمكنه تسريع كشف الانتهاكات وحماية المدنيين وتعزيز الأدلة القضائية، لكن نجاح هذه الثورة المقترنة بالعدالة يتوقف على ضبطها بقواعد حقوقية وقانونية صارمة، وعلى إدراك أن الأدوات التقنية لا تُعفي من التحقق الإنساني ولا من التزام الدول والمجتمع الدولي بحماية الحقوق والمساءلة، مع ضوابط مناسبة، يجوز أن يصبح الذكاء الاصطناعي شريكاً حقيقياً في بناء عالم أكثر أمناً وعدالة للضحايا والناجين.