من إسواتيني إلى رواندا.. كيف تُعرّض اتفاقيات الترحيل المهاجرين للاحتجاز والإعادة القسرية؟

من إسواتيني إلى رواندا.. كيف تُعرّض اتفاقيات الترحيل المهاجرين للاحتجاز والإعادة القسرية؟
ترحيل المهاجرين

 

حذرت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أممية وخبراء قانون دولي من أن سلسلة اتفاقيات ترحيل أبرمتها إدارة الولايات المتحدة مؤخراً مع دول إفريقية، والتي تتضمن مدفوعات ومساعدات لحكومات هذه الدول، خرجت عن حدود القانون الدولي لحماية اللاجئين والمهاجرين، ووضعت مئات الأشخاص في خطر الاعتقال التعسفي والمعاملة اللاإنسانية والإعادة القسرية. 

وبحسب ما أوردته "هيومن رايتس ووتش" الأربعاء فإن هذه السياسة، التي تهدف ظاهرياً إلى كبح تدفقات الهجرة عبر نقل مواطنين من دول ثالثة إلى بلدان لا تربطهم بها صلات واضحة، تثير أسئلة جوهرية حول مسؤوليات الدول وواجباتها لحماية الأشخاص الذين قد يتعرضون للاضطهاد عند ترحيلهم. 

أسباب ظهور هذه الاتفاقيات وانتشارها

تعود جذور الظاهرة إلى مزيج من عوامل داخلية في الولايات المتحدة من سياسات هجرة تصعيدية تهدف إلى الردع وتخفيف الأعباء على أنظمة الاحتجاز المحلية، وإلى رغبة بعض الدول الإفريقية في تأمين تمويل أو دعم إداري لبنى حدودية مقابل قبول مرحلين، كما يعبر هذا التوجه عن تحوّل في نموذج التعامل الدولي مع قضية الهجرة: من استجابة قائمة على الحماية الدولية والتعاون متعدد الأطراف إلى ترتيبات ثنائية تقوم على تبادل المنافع وتسهيل الإبعاد خارج الأطر التقليدية لللجوء، وتترافق هذه الاتفاقيات مع غياب شفافية وبنود ضمان لإجراءات حقوقية واضحة، ما يجعلها عرضة لسوء التنفيذ وانتهاك التزامات القانون الدولي.

تداعيات إنسانية فورية وميدانية

أدت عمليات ترحيل المهاجرين إلى حالات احتجاز في مراكز مغلقة وظروف اعتقال وصفتها منظمات حقوقية بأنها قاسية، كما رُصدت حالات غياب تام للوصول القانوني والشفافية حول مصير المحالين، وأفادت تقارير بأن أكثر من ثلاثين شخصاً قد نُقلوا إلى بلدان مثل إسواتيني ورواندا وغانا وجنوب السودان، بينما تستعد رواندا لاستقبال ما يصل إلى 250 شخصاً في إطار صفقة تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، تُظهر تجارب المرحّلين أن بعضهم مُنع من الطعن القانوني في ولاياتهم الأصلية أو الأمريكية، وبعضهم أعيد لاحقاً إلى بلدان قد يتعرض فيها للاضطهاد أو التعذيب، كما حصل في حالات شهدت عودة أفراد إلى دول الأصل بعد إخفاق ترتيبات “الدولة الثالثة” في توفير الحماية، وتضع هذه السيناريوهات الضحايا أمام خطر الإبعاد غير القانوني وفقدان وضع الحماية.

حظر الإعادة القسرية والاعتقال التعسفي

يُعد مبدأ عدم الإعادة القسرية حجر الزاوية في نظام اللاجئين الدولي؛ بموجبه لا يجوز لأي دولة أن تعيد شخصاً إلى مكان يحتمل أن يُعذب أو يُطاله اضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسه أو انتمائه السياسي، كما تحظر المعاهدات الدولية الاعتقال التعسفي وفرض الاحتجاز دون ضمانات قضائية، الاتفاقيات الثنائية التي تُتيح ترحيل أشخاص رُفضت طلباتهم أو الذين ما زالوا أمام محاكم قد تخرق هذه المبادئ إذا لم تتضمن فحوصات حماية شاملة أو ضمانات لجوء فعالة. الأمم المتحدة وأجهزة حقوق الإنسان نبهت إلى أن أي نقل لا يضمن فهماً دقيقاً لمخاطر الإعادة أو الوصول إلى إجراءات الطعن يمثل مخالفة لالتزامات حقوق الإنسان.

ردود فعل المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني

طالبت هيومن رايتس ووتش وحملات حقوقية وإغاثية عدة الحكومات الإفريقية بعدم توقيع اتفاقيات من هذا النوع أو مراجعتها فوراً، محذرة من أن قبول أموال مقابل استقبال أشخاص معرضين للخطر يضع تلك الدول في موضع شريك في انتهاكات محتملة، كما أصدرت منظمات أممية وفرق خبراء إعلاناً يدعو إلى ضمان الشفافية وإتاحة وصول المحامين والمراقبين المستقلين إلى المرحّلين، وإلى رفض أي ممارسات ترسل أشخاصاً إلى أماكن لا تتوفر فيها إجراءات حماية حقيقية، وقد رفعت قضايا قانونية في محاكم عدّة سعياً لإيقاف عمليات الطرد وإعادة من تم ترحيلهم إلى بلدان ترزح تحت مخاطر التعذيب أو الاضطهاد. 

أمثلة ووقائع بارزة توضح المخاطر

قضايا عدة برزت مؤخراً: احتجاز خمسة أشخاص في إسواتيني في ظروف قالت منظمات حقوقية إنّها قاسية، وقضية مرحّلين احتجزوا في معسكرات عسكرية أو مراكز احتجاز مؤقتة في غانا وجنوب السودان دون وضوح الأساس القانوني لاحتجازهم، وحالات أفادت بأن أشخاصاً أعيدوا إلى بلدانهم الأصل بعد أن منحتهم محاكم أمريكية إعفاءات أو اعترافات بخطورة إرجاعهم، وهذه الوقائع تبرز ثغرات كبيرة في ضمانات الحماية والمساءلة، وتثير قلقاً من أن الممارسات الثنائية تتجاوز التزامات مبادئ اللاجئين وحقوق الإنسان.

الأرقام والسياق الدولي.. حاجة متزايدة للحماية وإعادة التوطين

في ظل تزايد النزاعات والكوارث المناخية والاضطهاد في أجزاء كثيرة من العالم، تشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى تزايد حاجة ملايين الأشخاص لإعادة التوطين والحماية الدولية، ما يجعل سياسات الطرد إلى دول ثالثة أمراً إشكالياً من حيث المسؤولية المشتركة والعدالة الدولية، كما أن اعتماد صيغ “التحويل” بمقابل مالي إلى دول أُخرى يضع عبئاً جديداً على نظام الحماية ويقوّض آليات التضامن الدولية. 

خيار القانون وآليات المناصرة العملية

تدعو المنظمات الحقوقية إلى إجراءات عملية واضحة: تعليق هذه الاتفاقيات فوراً، نشر نصوصها كاملة أمام الجمهور والمراقبين المستقلين، ضمان وصول المحامين ووكالات الأمم المتحدة إلى المرحّلين، فتح تحقيقات مستقلة في حالات الاحتجاز القسري، والالتزام الصارم بمبدأ عدم الإعادة القسرية، وعلى الدول الإفريقية أن تراعي مسؤولياتها الدولية، وعلى الولايات المتحدة ومماثلة أن تضمن أن أي ترتيبات لا تُخالف حقوق الإنسان الأساسية أو أن تخضع لمساءلة قضائية وسياسية دولية. 

معادلة الكرامة مقابل الردع

الاتفاقيات التي تيسّر ترحيل أشخاص إلى دول لا تربطهم بها صلات قد تبدو سياسياً جذابة كأداة للردع، لكنها تضع كرامة إنسانية على المحك، فحماية اللاجئين والمهاجرين ليست مجرد مسألة تقنية أو إدارية، بل هي التزام قانوني وأخلاقي دولي، وفي غياب آليات شفافة وموثوقة للمساءلة والوقاية، سيبقى الثمن إنسانياً باهظاً، إذ قد يدفعه أشخاص أبرياء بحريتهم وسلامتهم وربما حياتهم، وتواجه الدول، خاصة في إفريقيا وأوروبا والأمريكتين، اختبار حقوقي وسياسي لمعرفة ما إذا كانت ستصون معايير الحماية أم ستستبدلها بحلول قصيرة الأمد تعرض الناس للخطر. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية