حول تغيّر المناخ.. لماذا تطالب المفوضية الأسترالية بإطار قائم على الحقوق لمكافحة المعلومات المضللة؟

حول تغيّر المناخ.. لماذا تطالب المفوضية الأسترالية بإطار قائم على الحقوق لمكافحة المعلومات المضللة؟
قضية تغير المناخ

أعلنت المفوضية الأسترالية لحقوق الإنسان، الأربعاء، أنها قدمت ملاحظاتها الرسمية مؤخرا إلى لجنة فرعية في مجلس الشيوخ الأسترالي معنية بنزاهة المعلومات حول تغيّر المناخ والطاقة، رافضة أي مقاربة أحادية تقوّض حرية التعبير، ومطالبة في المقابل باستراتيجية قائمة على حقوق الإنسان لمعالجة أضرار المعلومات المضللة والمغالطات المتعلقة بالمناخ. 

هذه الخطوة تضع أستراليا في قلب نقاش دولي متسع حول كيفية موازنة حماية النقاش العام من الحملات المنظمة على العلم، وبين ضمان فضاء حر لصوت المعارضة والبحث العلمي، وفق موقع مفوضية حقوق الإنسان الأسترالية.

لماذا تُعتبر معلومات المناخ أمراً ذا أثر حقوقي؟

المعلومات المضللة والمعلومات الموجّهة لا تقتصر أضرارها على سطح النقاش العام؛ بل تؤثر على حقّ الناس في الوصول إلى بيئة صحّية وآمنة من خلال تأخير السياسات، وتقويض ثقة المواطنين في مؤسسات الصحة والبيئة، وتقليل الدعم العام للإجراءات التخفيفية والتكيّفية، وهذه المخاطر لم تعد نظرية، وتشير منظمات أممية وأبحاث مستقلة إلى أن حملات التضليل تكبّل جهود الحوكمة وتُعرقل القرارات التي تحمي الفئات الأكثر ضعفاً. 

من أين تأتي معلومات التضليل؟

ثلاثة محركات رئيسية تقف وراء انتشار التضليل المناخي، المحرك الأول تجاري وسياسي ممثلا في جهات ومصالح اقتصادية، خصوصاً من قطاعات الوقود الأحفوري وبعض الجهات الصناعية، تستثمر في حملات إنكار أو تأخير الحلول لصالح الربح أو حماية مواقعها السوقية، والمحرك الثاني تكنولوجي ممثلا في خوارزميات منصات التواصل تُفضّل المحتوى الاستثنائي والعاطفي، ما يسرّع انتشار الأكاذيب ويخلق صدى، والمحرك الثالث اجتماعي-ثقافي ممثلا في الاستقطاب السياسي، وضعف الثقة بالمؤسسات، ومستويات متباينة في محو الأمية الإعلامية والمعرفية تجعل المجتمعات أكثر عرضة للتضليل، وتوثق تقارير دولية دور شبكات منسقة وبوتات في تضخيم السرديات المضادة للإجراءات المناخية.

تأثيرات إنسانية مباشرة وغير مباشرة

الأثر الإنساني يتجلى بثلاثة مسارات أولها التأخير في تنفيذ سياسات الحد من الاحترار يؤدي إلى تفاقم الكوارث الطبيعية -فيضانات، جفاف وحرائق- التي تقتل وتشرّد وتدمّر سبل العيش، وتؤثر خصوصاً على المجتمعات الفقيرة والسكان الأصليين.

 ثانياً، التضليل يضعف ثقة الناس بالتحذيرات والصُدق العلمي، فيؤدي إلى استجابة متأخرة عند حدوث كوارث، ويزيد الخسائر البشرية.

 ثالثاً، المسرح العام المضطرب يطغى عليه خطاب الكراهية والمضايقات التي تستهدف العلماء والمدافعين عن المناخ، ما يقوّض السلامة الشخصية لمدافعي حقوق الإنسان والباحثين، وهذه الروابط بين التضليل والأذى البشري جعلت مؤسسات أممية تدعو إلى تدخّل منسّق.

الإطار القانوني وحقوق الإنسان

الحقّ في بيئة صحية أصبح معترفاً به دولياً كجزء من منظومة حقوق الإنسان، ما يعطي بعداً قانونياً لمحاربة التضليل الذي يعرقل حماية هذا الحق، وفي المقابل، أي محاولة تنظيمية لمكافحة التضليل يجب أن تلتزم بمتطلبات حرية التعبير ومن بينها وضوح النصوص، وضوابط الضرورة والتناسب، وسبل إنصاف فعالة مقابل أي قيود على الكلام.

وشددت المفوضية في أستراليا على هذا النهج من خلال مكافحة الأضرار بالاعتماد على سياسات متعددة الأبعاد، مع ضمان ألا تُستخدم القوانين لإسكات الآراء المخالفة المشروعة. 

ردود الفعل المحلية والدولية

المنظمات الدولية والهيئات الأممية -من مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى اليونسكو- تعمل على إصدارات إرشادية وبرامج لبناء قدرات الإعلام ومحو الأمية المعلوماتية ومكافحة تضليل المناخ، بينما يقترح خبراء أمميون مداخل أكثر صرامة تجاه توصيفات متعمدة ومدعومة تمويلياً تستهدف المصلحة العامة، وفي أستراليا، لاقت ملاحظات المفوضية تأييداً من منظمات بيئية ومدافعين عن حقوق الإنسان، بينما أثار الاقتراح ردودَ فعل قلق لدى أطراف تخشى أن تتحول القوانين إلى أدوات لكبح النقاش السياسي والبحث العلمي، وهو جدل ظهر بحدة في الإعلام والسياسة. 

حلول عملية مقترحة تستند إلى حقوق الإنسان

الخبرة الدولية والمراجع توصي بخارطة إجراءات متكاملة تشمل تعزيز الشفافية في تمويل الحملات الإعلامية، واشتراط إفصاح المنصات عن خوارزميات التوزيع للباحثين، وتمويل صحافة مستقلة وصحافة محلية توفّر تحقيقات استقصائية، وبرامج محو أمية معلوماتية في المدارس والمجتمعات الهشة، وآليات للإشارة السريعة للمحتوى الكاذب مع ضمان إجراءات طعن قانونية، ودعم حقوق الباحثين من التعرض للمضايقات، وتؤكد المفوضية الأسترالية الحاجة إلى مزيج من هذه الأدوات ضمن إطار حقوقي يقيّد أي تدخل تنظيمي محتمل لتجنّب التعدّي على الحريات الأساسية. 

النقاش السياسي والقيود المحتملة

مقترحات مثل حظر إعلانات شركات الوقود الأحفوري أو تجريم التضليل الممنهج أثيرت على مستوى الأمم المتحدة وبعض الخبراء، ودعاة هذه الخطوة يرونها ضرورية لوقف تأثير قوىٍ تعوق المسار السياسي، مع ذلك، يخشى معارضون أن تؤدي صياغات سيئة إلى قمع النقاش أو استهداف معارضين سلميين. 

التحذيرات التي أطلقها الجهاز الوطني لحقوق الإنسان في أستراليا تأتي في وقت يشتد فيه السباق بين الحقائق العلمية وقوّة الخطاب المضلّل، ومكافحة التضليل المناخي ليست رفاهية تنظيمية، بل واجبٌ لحماية الحقوق الأساسية المرتبطة بالبيئة والحياة والصحة. الدروس الدولية تُظهر أن الحلول الأكثر فاعلية تجمع بين تمكين المجتمع المدني، ودعم الصحافة المستقلة، وشفافية المنصات الرقمية، ومقاربة قانونية تحترم الحريات. 

وبحسب مفوضية حقوق الإنسان الأسترالية فإن فشل الحكومات في بناء إطار متوازن يعرض مجتمعاتها لأضرار تتراكم وتُحصى بأرقام بشرية ومعيشية، خصوصاً في مناطق ضعيفة التكيّف مع المناخ، حيث كل معلومة مضللة يمكن أن تعني فرقاً بين النجاة والمأساة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية