وسط جدل قانوني وإنساني يتصاعد.. 20 دولة أوروبية تضغط لإعادة "الأفغان بلا إقامة"

وسط جدل قانوني وإنساني يتصاعد.. 20 دولة أوروبية تضغط لإعادة "الأفغان بلا إقامة"
مهاجرون أفغان

في تطور جديد يعكس التحول المتسارع في سياسات الهجرة الأوروبية، دعت عشرون دولة في الاتحاد الأوروبي المفوضية الأوروبية إلى بدء عملية منظمة لإعادة الأفغان المقيمين في أوروبا دون وضع قانوني.

الرسالة، التي بادرت بها بلجيكا وشاركت فيها دول من بينها النمسا وألمانيا والسويد وإيطاليا، طالبت بأن تشمل العملية عمليات ترحيل طوعية وأخرى قسرية عند الضرورة، حتى لو تطلب الأمر التفاوض مع حركة طالبان التي تدير شؤون أفغانستان منذ أغسطس 2021 وفق "أفغانستان إنترناشيونال".

وقالت وزيرة اللجوء والهجرة البلجيكية أنلين فان بوسويت إن الدول الموقعة تعتبر أن غياب آلية لإعادة المهاجرين غير الشرعيين من أفغانستان يشكّل تهديداً للأمن الداخلي في أوروبا ويقوض ثقة الرأي العام بسياسات الهجرة واللجوء، وأضافت أن على الاتحاد الأوروبي أن يتحرك بشكل منسق لإيجاد حلول قانونية وتنظيمية للملف، بما في ذلك تعزيز دور وكالة فرونتكس في تنظيم ودعم عمليات العودة الطوعية.

الأمن في مواجهة الالتزامات الإنسانية

ترى هذه الدول أن ملف الأفغان العالقين في أوروبا تحول إلى تحد أمني متزايد، خاصة بعد أن توقفت اتفاقات الإعادة مع كابول منذ سيطرة طالبان على السلطة. فبحسب بيانات وكالة اللجوء الأوروبية، يقدّر عدد الأفغان المقيمين في دول الاتحاد دون إقامة قانونية بعشرات الآلاف، في حين يُرفض أكثر من نصف طلبات اللجوء المقدمة سنوياً بسبب عدم استيفاء معايير الحماية الدولية.

إن هذه الدعوات أثارت موجة واسعة من الانتقادات من منظمات حقوقية أوروبية ودولية اعتبرت أن إعادة أي لاجئ أو طالب لجوء إلى أفغانستان في ظل الظروف الحالية يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولمبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في اتفاقية جنيف لعام 1951.

موقف المنظمات الحقوقية والأممية

منظمة العفو الدولية وصفت المقترح الأوروبي بأنه "سابقة خطيرة"، مشيرة إلى أن الوضع الأمني في أفغانستان لا يزال هشاً، وأن النساء والفتيات يواجهن قيوداً غير مسبوقة في التعليم والعمل والحركة، كما حذّرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن أي اتفاق لإعادة الأفغان، سواء عبر التفاوض المباشر مع طالبان أو بوساطة أوروبية، يجب ألا يؤدي إلى خرق مبدأ الحماية الدولية.

وأضافت المفوضية أن أكثر من 6.4 مليون أفغاني يعيشون خارج بلادهم، معظمهم في إيران وباكستان، بينما تستضيف أوروبا ما يقارب 800 ألف لاجئ أفغاني، وأوضحت أن نحو 67 في المئة من العائدين إلى أفغانستان خلال الأعوام الثلاثة الماضية واجهوا أوضاعاً إنسانية قاسية ونقصاً حاداً في المساعدات والخدمات الأساسية.

عودة طالبان وتصاعد الأزمة

منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم في أغسطس 2021، علّقت غالبية الدول الأوروبية اتفاقات الترحيل السابقة مع كابول بسبب غياب حكومة معترف بها دولياً يمكن التنسيق معها. كما حذر الاتحاد الأوروبي مراراً من أن الوضع الأمني والسياسي في البلاد لا يتيح تنفيذ عمليات إعادة آمنة أو مستدامة.

ومع ذلك، تشهد أوروبا منذ عام 2022 تصاعداً في الهجرة غير النظامية عبر طرق البلقان ووسط البحر المتوسط، وهو ما دفع بعض الحكومات إلى المطالبة بتشديد سياسات اللجوء وإعادة من رفضت طلباتهم.

وفق بيانات وكالة فرونتكس، ارتفعت محاولات دخول المهاجرين غير النظاميين إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 18 في المئة خلال النصف الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وكان المهاجرون الأفغان في صدارة الجنسيات المسجلة.

جدل حول التفاوض مع طالبان

الاقتراح بالتفاوض مع حركة طالبان أثار استياءً داخل أروقة الاتحاد الأوروبي، حيث اعتبره بعض النواب في البرلمان الأوروبي "اعترافاً ضمنياً" بسلطة الحركة، في حين دافع آخرون عن الفكرة باعتبارها "مقاربة واقعية" لإيجاد حلول عملية للهجرة غير القانونية.

وترى بلجيكا والنمسا، وهما من أكثر الدول تشدداً في هذا الملف، أن التواصل مع طالبان لا يعني بالضرورة التطبيع السياسي، بل يهدف فقط إلى تسهيل عمليات الإعادة الطوعية وضمان الحد الأدنى من سلامة المرحلين.

الموقف القانوني الأوروبي

تؤكد المفوضية الأوروبية أن أي عملية إعادة يجب أن تراعي القوانين الدولية ومعايير الاتحاد الأوروبي المتعلقة بحقوق الإنسان، وقد شدد مفوض شؤون الهجرة ماغنوس برونر على أن الاتحاد "لا يدرس حالياً أي اتفاق مباشر مع طالبان"، لكنه لا يستبعد دراسة آليات تعاون فني أو إنساني عبر قنوات أممية.

أما وكالة فرونتكس، التي تلعب دوراً محورياً في تنظيم عمليات العودة المشتركة، فتشير إلى أن برامج "العودة الطوعية المدعومة" تمثل بديلاً أكثر إنسانية من الترحيل القسري، إذ تتيح للمهاجرين المغادرة بمساعدة مالية وفرص لإعادة الاندماج في بلادهم الأصلية.

الانعكاسات الإنسانية على اللاجئين الأفغان

الأفغان المقيمون في أوروبا يعيشون حالة من القلق بعد هذه التطورات، إذ يخشى كثير منهم أن تؤدي السياسة الجديدة إلى تراجع الحماية الممنوحة لطالبي اللجوء، ويقول أحد اللاجئين في ألمانيا، وهو مدرس سابق من كابول، إن العودة بالنسبة له "تعني الموت"، مضيفاً أن "من الصعب الحديث عن العودة الطوعية في بلد تغيب فيه الحقوق الأساسية للإنسان".

كما تؤكد منظمات الإغاثة العاملة في مخيمات اللاجئين في أوروبا أن نحو 60 في المئة من الأفغان المسجلين لديهم نساء وأطفال فروا من العنف أو الاضطهاد، وتشير التقديرات إلى أن نسبة البطالة في أفغانستان تجاوزت 40 في المئة عام 2025، في حين يعيش أكثر من 23 مليون شخص تحت خط الفقر، بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

التوازن الصعب بين الأمن والواجب الأخلاقي

تواجه أوروبا معضلة متزايدة بين حماية أمنها الداخلي واحترام التزاماتها الدولية، فبينما يطالب الرأي العام الأوروبي بتشديد الرقابة على الهجرة، تؤكد القوانين الدولية أن ترحيل اللاجئين إلى بلد غير آمن يشكل انتهاكاً لمبادئ الحماية الإنسانية.

ويرى خبراء في القانون الدولي أن الحل يكمن في مقاربة مزدوجة تعتمد على تعزيز برامج الاندماج والعودة الطوعية عبر الأمم المتحدة، مع معالجة جذور الأزمة داخل أفغانستان من خلال دعم التنمية والاستقرار.

مستقبل الملف

من المتوقع أن تناقش المفوضية الأوروبية هذه المقترحات في اجتماع وزراء الداخلية والهجرة المقبل في بروكسل، وسط انقسام واضح بين دول الشمال التي تميل إلى التشدد ودول الجنوب التي تحذر من التداعيات الإنسانية.

ورغم عدم وجود قرار نهائي حتى الآن، فإن الخطوة تمثل مؤشراً على توجه أوروبي جديد نحو إعادة تقييم سياسة اللجوء بعد موجات الهجرة المتتالية.

بحسب بيانات الأمم المتحدة، يعيش أكثر من 29 مليون شخص داخل أفغانستان في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، بينهم نحو 15 مليون طفل، منذ سيطرة طالبان، فرضت الحركة قيوداً واسعة على النساء في التعليم والعمل والسفر، وأغلقت معظم المنظمات النسائية.

في هذا السياق، يصف المراقبون الحديث عن إعادة اللاجئين بأنه خطوة محفوفة بالمخاطر، قد تضع الاتحاد الأوروبي في مواجهة مباشرة مع التزاماته القانونية والإنسانية. وبين ضغوط الأمن الداخلي والواجب الأخلاقي، تبقى قضية اللاجئين الأفغان اختباراً حقيقياً لضمير أوروبا السياسي والإنساني.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية