100 مليون هكتار تضيع سنوياً.. الأمم المتحدة تحذر من انهيار النظم البيئية بسبب التصحر

100 مليون هكتار تضيع سنوياً.. الأمم المتحدة تحذر من انهيار النظم البيئية بسبب التصحر
التصحر

في مشهد بيئي يزداد قتامة، تتسارع معدلات التصحر في مختلف أنحاء العالم مدفوعة بموجات الحرّ القياسية وسوء إدارة الموارد الطبيعية، ما يهدد الأمن الغذائي والاقتصادي والإنساني على حد سواء، ومع اشتداد الأزمات المناخية يتحدث الخبراء عن "حرب صامتة" تدور رحاها على سطح الأرض، يخسر فيها الكوكب يوميًا مساحات خصبة بحجم مدن بأكملها.

تقدّر الأمم المتحدة أن ما يعادل مساحة دولة مصر –نحو 100 مليون هكتار من الأراضي الصالحة والمنتجة– يتدهور سنويًا بفعل الجفاف والتصحر، وهما ظاهرتان تتغذيان على تغير المناخ وسوء إدارة الأراضي، ويصف تقرير حديث لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر الظاهرة بأنها "تحدٍ كوني يمس الحياة على الأرض"، إذ تمثل الأراضي الجافة الآن أكثر من 40% من سطح اليابسة خارج القارة القطبية الجنوبية، ويعيش فيها أكثر من 2.3 مليار إنسان، أي ربع سكان العالم تقريبًا.

ومع ازدياد ارتفاع درجات الحرارة على نحو غير مسبوق، أصبح الجفاف أكثر تكرارًا وحدة، ما أدى إلى استنزاف التربة من عناصرها المغذية وجعلها عاجزة عن تجديد الغطاء النباتي. ويُحذر العلماء من أن التصحر لم يعد مجرد خطر بيئي، بل قضية تنموية وإنسانية تهدد الاستقرار والأمن العالميين.

أسباب متشابكة

تعددت تعريفات التصحر، لكنه يُختصر في كونه فقدان الأرض لخصوبتها وقدرتها على دعم الحياة النباتية والحيوانية، وتعود أسبابه إلى تداخل عوامل طبيعية مع أخرى بشرية، تشمل ارتفاع درجات الحرارة وتذبذب الأمطار وإزالة الغابات والرعي الجائر والتوسع العمراني العشوائي والتعدين غير المنظم.

ويشير خبراء الأمم المتحدة إلى أن النشاط البشري أسهم في تكوين "حلقة مفرغة" تؤدي فيها إزالة الغطاء النباتي إلى زيادة انبعاثات الكربون، وهو ما يفاقم تغير المناخ ويزيد في المقابل من الجفاف والتصحر، ويُعد سوء إدارة الموارد المائية والزراعية، خصوصًا في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، أحد أبرز العوامل التي تعجل بانهيار التربة وتدهور إنتاجيتها.

وتُظهر الإحصاءات أن نحو 77% من مساحة اليابسة أصبحت أكثر جفافًا خلال العقود الثلاثة الأخيرة مقارنة بالفترة السابقة، فيما تضاعف عدد سكان الأراضي الجافة خلال ثلاثين عامًا ليصل إلى 2.3 مليار نسمة، وفي حال استمرار الاتجاهات المناخية الحالية، قد يقفز العدد إلى خمسة مليارات بحلول نهاية القرن، مما سيضاعف الضغوط على الموارد الطبيعية المحدودة.

وتحذر الأمم المتحدة من أن ما يصل إلى 50 مليون شخص قد يضطرون للنزوح بحلول عام 2030 نتيجة التصحر وتدهور الأراضي، ففي آسيا وحدها، يتوقع أن يعيش أكثر من ملياري إنسان في ظروف مناخية جافة، بينما تواجه إفريقيا، التي تتأثر 45% من أراضيها بهذه الظاهرة، أزمة معيشية وبيئية متصاعدة تهدد الأمن الغذائي لمئات الملايين.

توسع رقعة الجفاف

في آسيا الوسطى، حيث تمتد الصحاري عبر جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، تشير الدراسات إلى أن أكثر من 60% من أراضي المنطقة معرضة للتصحر، وتشهد مناطق شمال أوزبكستان وقرغيزستان وجنوب كازاخستان وجنوب غرب الصين تحولات مناخية جذرية حولت مساحات شاسعة إلى أراضٍ قاحلة منذ ثمانينيات القرن العشرين.

أما في القارة الإفريقية فقد أصبح التصحر أحد أخطر التحديات الوجودية، خاصة في شمال وغرب القارة، حيث تهدد الرمال المتحركة القرى والمدن، وفي دول الساحل الإفريقي، يدفع تراجع الغطاء النباتي المزارعين والرعاة إلى النزوح، ما يخلق توترات اجتماعية واقتصادية قد تتطور إلى نزاعات على الموارد.

ويؤدي التصحر إلى تغير الأنماط البيئية، إذ تحل أنواع نباتية غير نافعة محل الأنواع المحلية، كما يستنزف الموارد المائية الجوفية ويزيد من خطر العواصف الغبارية التي تُلحق أضرارًا جسيمة بصحة الإنسان، خاصة في المناطق المتاخمة لمصادر الغبار مثل الصحراء الكبرى والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.

الوجه الخفي للتصحر

تحذر منظمة الصحة العالمية من أن العواصف الغبارية الناتجة عن التصحر تسهم في ما بين 15% إلى 50% من وفيات أمراض القلب والرئة في المناطق المتضررة، فالجزيئات الدقيقة المحمولة بالهواء تخترق الجهاز التنفسي وتزيد معدلات الإصابة بالربو والأمراض المزمنة، كما تعوق هذه العواصف النقل الجوي وتؤثر على جودة المياه والزراعة وتفاقم الأضرار الاقتصادية.

وفي الشرق الأوسط، باتت الظاهرة تُعرف بـ"الضباب البني"، حيث تعاني مدن كبرى مثل الرياض وطهران وبغداد من ارتفاع حاد في مستويات الغبار على مدار العام، وهو ما يعكس الأثر المتزايد لتغير المناخ وتدهور الأراضي الزراعية في المناطق الجافة.

وراء الأرقام الجافة، قصص بشرية مؤلمة، ففي القرى الجبلية وشبه الصحراوية، تتآكل الأراضي الصالحة للزراعة، ما يجبر الأسر على ترك منازلها بحثًا عن الماء والعمل، كثيرون يجدون أنفسهم عالقين بين النزوح والفقر، في حين يُقدَّر أن نحو 700 مليون شخص حول العالم يواجهون خطر النزوح بسبب التصحر بحلول منتصف القرن الحالي إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.

تتحدث منظمات الإغاثة عن تزايد معدلات الفقر وسوء التغذية في المجتمعات الريفية، وارتفاع نسبة الأطفال خارج التعليم بسبب الحاجة للعمل الزراعي أو الهجرة، ويرى خبراء التنمية أن التصحر ليس مجرد قضية بيئية، بل أزمة عدالة اجتماعية، إذ تقع أعباؤه على الفئات الأكثر ضعفًا التي تسهم بأقل قدر في انبعاثات الكربون المسببة للأزمة.

تحركات دولية محدودة

رغم توقيع أكثر من 190 دولة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، فإن التنفيذ يواجه تحديات ضخمة تتعلق بضعف التمويل والتنسيق، وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن خسائر العالم من تدهور الأراضي تبلغ نحو 10% من الناتج الزراعي العالمي سنويًا.

وقد أطلقت الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة مبادرة "استعادة مليار هكتار" ضمن أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، بهدف إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة وتحسين إدارتها، ومع ذلك، لا تزال الفجوة التمويلية تتجاوز 300 مليار دولار سنويًا لتحقيق الأهداف المنشودة.

المنظمات الحقوقية الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، حذّرت من أن استمرار التدهور البيئي سيؤدي إلى موجات نزوح قسري وانتهاكات لحقوق الإنسان، مطالبة الدول الغنية بتحمل مسؤولياتها في تمويل جهود التكيّف ومساعدة المجتمعات المتضررة.

ويؤكد الخبراء أن الحد من التصحر لا يمكن أن يتحقق بمعالجات جزئية، بل من خلال إدارة فعالة للمخاطر تشمل سياسات زراعية مستدامة، واستثمارًا في التقنيات الحديثة للريّ، وتوسيع الرقعة الخضراء عبر برامج تشجير واسعة، كما يوصون بدمج البعد الإنساني في الاستراتيجيات البيئية، لضمان دعم المجتمعات المحلية المتضررة وتعزيز قدرتها على الصمود.

وفي نهاية المطاف، يبدو أن معركة التصحر ليست مجرد سباق لإنقاذ الأرض، بل اختباراً لإرادة البشرية في التعايش مع كوكب يتغير بسرعة تفوق قدرتها على التكيف، وكما يقول أحد تقارير الأمم المتحدة: “إما أن نستعيد الأرض، وإما نفقد مستقبلنا المشترك".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية