676 مليون امرأة في خطر.. تقرير أممي: النساء يدفعن الثمن الأكبر للصراعات
676 مليون امرأة في خطر.. تقرير أممي: النساء يدفعن الثمن الأكبر للصراعات
في زمنٍ يشهد أعلى عدد من النزاعات النشطة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يزداد المشهد قتامة بالنسبة للنساء والفتيات حول العالم، فوفقًا لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2025 حول "المرأة والسلم والأمن"، يعيش اليوم أكثر من 676 مليون امرأة على بُعد خمسين كيلومترًا فقط من مناطق نزاعات مميتة، وهو رقم غير مسبوق منذ تسعينيات القرن الماضي.
التقرير الذي أُطلق في مقر الأمم المتحدة بنيويورك يوم الاثنين، يصوّر واقعًا صادماً: تضاعف عدد الضحايا المدنيين من النساء والأطفال أربع مرات خلال العامين الماضيين، وارتفعت حوادث العنف الجنسي المرتبطة بالنزاعات بنسبة 87 في المائة وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
انهيار عقدين من التقدم
يأتي هذا التقرير في الذكرى الخامسة والعشرين لقرار مجلس الأمن رقم 1325، الذي مثّل قبل ربع قرن نقطة تحول في إدماج المرأة ضمن جهود السلام والأمن، لكن، كما يشير التقرير، فإن عقدين من العمل الدؤوب لإنصاف النساء في ساحات الصراع باتا مهددين بالتآكل.
قالت سيما بحوث، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، في كلمة مؤثرة خلال حفل الإطلاق: "يُقتل النساء والفتيات بأعداد قياسية، ويُستبعدن من طاولات السلام، ويُتركن دون حماية مع تزايد الحروب، النساء لا يحتجن إلى وعود جديدة، بل إلى القوة والمشاركة المتساوية والحماية الحقيقية".
ومن بين الأصوات التي شاركت في الفعالية، جاءت لينا إيكومو، ناشطة في مجال النوع الاجتماعي من جمهورية إفريقيا الوسطى، لتؤكد أن النساء في المناطق المنكوبة لا يحتجن إلى بيانات بقدر ما يحتجن إلى دعم ملموس يمكّنهن من البقاء والمشاركة، كلماتها لخصت حقيقة مريرة يعيشها الملايين: "نحن لا نطلب امتيازات، نطلب فقط أن يُسمع صوتنا ونحن نحاول بناء السلام من تحت الركام".
تمويل يتراجع في زمن التسلح
ورغم ما أثبتته التجارب من أن مشاركة النساء في عمليات السلام تزيد من فرص استدامته، فإن الأرقام تكشف عن فجوة صارخة بين الخطاب والواقع، فوفقًا للتقرير، خلت تسع من كل عشر عمليات سلام في عام 2024 من أي مشاركة نسائية في المفاوضات، بينما لم تتجاوز نسبة الوسيطات 14 في المائة على المستوى العالمي.
وفي المقابل، تجاوز الإنفاق العسكري العالمي 2.7 تريليون دولار في العام نفسه، في حين لم تحصل منظمات المرأة العاملة في مناطق النزاع سوى على 0.4 في المائة فقط من المساعدات الإنسانية والإنمائية، ما دفع العديد منها إلى حافة الإغلاق.
وقالت نيارادزاي جومبونزفاندا، نائبة المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، في مؤتمر صحفي: "العالم يسير في الاتجاه الخاطئ، الإنفاق العسكري في أعلى مستوياته، في حين تتعرض المساواة والتعددية لهجوم غير مسبوق، نحن نخسر التوازن بين حماية الإنسان وتمويل الحرب".
إنجازات يجب ألا تضيع
ورغم الصورة القاتمة، يشير التقرير إلى نتائج إيجابية تحققت على مدى العقود الماضية بفضل القرار 1325، فقد زادت أعداد النساء العاملات في مؤسسات العدالة والأمن، وتوسعت برامج الدعم للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، كما تم التحقيق في جرائم كانت تُهمل سابقاً.
وفي عدد من الدول المتأثرة بالنزاعات، انخفضت وفيات الأمهات وتسرب الفتيات من المدارس، وتزايدت نسبة مشاركة النساء في البرلمانات والحكومات، كما تلقّت آلاف الناجيات تعويضات، وأقرت 115 دولة خطط عمل وطنية لدعم أجندة المرأة والسلام والأمن.
وقالت جومبونزفاندا: "قيادة النساء ليست رمزية، إنها تجعل السلام ممكناً ودائماً. وما تحقق حتى الآن يجب ألا يُهدر بسبب غياب الإرادة السياسية أو ضعف التمويل".
حروب تُشن على أجساد النساء
لكن خلف الأرقام هناك قصص لا تُحصى من الألم، تقول سارة هندريكس، مديرة شعبة السياسات والبرامج في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، إن "الأرقام لا تحكي إلا جزءاً من الحقيقة، فخلفها نساء يلدن في الملاجئ تحت القنابل وأخريات يتعرضن للنعنف الجنسي، وفتيات يُجبرن على ترك المدرسة، وناجيات يُجبرن على الصمت، وبانيات سلام يخاطرن بحياتهن كل يوم".
وتضيف هندريكس أن الحروب الحديثة "تُشن على أجساد النساء والفتيات"، في تجاهل فاضح للقانون الدولي الإنساني، مشيرة إلى أن ما يحدث في غزة مثال مأساوي لذلك، حيث "قُتلت النساء والفتيات بمعدل امرأتين كل ساعة خلال العامين الماضيين".
دعوة إلى التحرك لا إلى الندم
دعا التقرير إلى خطوات عاجلة يمكن أن تعيد تصحيح المسار العالمي. وتتمثل أولى الأولويات في وضع أهداف وحصص إلزامية لضمان مشاركة النساء في عمليات السلام والمفاوضات السياسية بشكل كامل وآمن، مع تخصيص ما لا يقل عن واحد في المائة من المساعدات الإنمائية الرسمية مباشرة لمنظمات المرأة في الدول المتأثرة بالنزاعات.
كما شدد التقرير على ضرورة ضمان المساءلة في جميع حالات العنف الجنسي والاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي، وإعادة توجيه الموارد من صناعة السلاح نحو جهود بناء السلام والتعافي بقيادة النساء، وإطلاق "ثورة بيانات" لرصد تجارب النساء في الأزمات وجعلها مرئية ومؤثرة في السياسات.
وختمت هندريكس حديثها بالقول: "ما نحتاجه اليوم ليس مزيداً من التقارير، بل إرادة سياسية تُترجم التعاطف إلى أفعال، العالم يملك الأدلة والحلول، لكنه يفتقر إلى القرار".
اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 1325 في أكتوبر عام 2000، ليكون أول إطار دولي يُقر بالدور المحوري للنساء في بناء السلام ومنع النزاعات وحماية المجتمعات من آثار الحروب، وعلى مدى السنوات التالية، تبنّت الأمم المتحدة وشركاؤها سلسلة من الخطط والبرامج لتعزيز المشاركة النسائية في عمليات الوساطة وإعادة الإعمار، غير أن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في العقد الأخير أضعفت الالتزامات الدولية، وأعادت الخطاب العسكري إلى الواجهة.
ويأتي تقرير عام 2025 في لحظة حرجة تشهد فيها الإنسانية تزايداً في الحروب والنزوح، حيث يعيش أكثر من نصف مليار امرأة في مناطق يهددها العنف المسلح، وسط فجوة عميقة بين الإنفاق على السلاح والإنفاق على السلام، وبينما يحتفل العالم بمرور ثلاثين عاماً على منهاج عمل بيجين وخمسة وعشرين عاماً على القرار 1325، تبدو الرسالة الأممية واضحة: لا سلام دائماً دون النساء، ولا أمن حقيقياً من دون مساواة وعدالة.











