من شمال إفريقيا للخليج.. تقلبات مناخية تضرب دولاً عربية مخلفة خسائر بشرية ومادية
من شمال إفريقيا للخليج.. تقلبات مناخية تضرب دولاً عربية مخلفة خسائر بشرية ومادية
شهدت عدة دول عربية خلال الأيام الأخيرة موجة واسعة من التقلبات الجوية العنيفة امتدت من شمال إفريقيا إلى المشرق والخليج مخلفة خسائر بشرية ومادية ومسببة اضطرابات في الحياة اليومية للسكان بين فيضانات مميتة وتعليق للدراسة وتحذيرات رسمية من أحوال جوية غير مستقرة في أكثر من بلد في مشهد يعكس تصاعد حدة الظواهر المناخية وتأثيرها المباشر في المجتمعات.
التغيرات الجوية التي سادت المنطقة لم تكن محصورة في دولة واحدة بل جاءت متزامنة على امتداد رقعة جغرافية واسعة شملت مصر والمغرب والسعودية وقطر والبحرين والكويت وسلطنة عمان وسوريا والعراق، حيث أصدرت السلطات المختصة بيانات وتحذيرات رسمية دعت فيها السكان إلى توخي الحذر ومتابعة المستجدات الجوية أولاً بأول، وفق وكالة أنباء الأناضول.
في مصر توقعت هيئة الأرصاد الجوية نشاطاً ملحوظاً للرياح في أغلب أنحاء البلاد، ما يزيد الإحساس ببرودة الطقس بالتزامن مع تكون ضباب كثيف أحياناً خلال ساعات الليل المتأخرة وحتى ساعات الصباح الأولى خاصة على الطرق المؤدية من وإلى شمال البلاد والقاهرة الكبرى ومدن القناة وشمال الصعيد ووسط سيناء، كما رجحت الهيئة فرص هطول أمطار متوسطة، قد تكون غزيرة أحياناً، على السواحل الشمالية الشرقية وشمال ووسط سيناء، مع احتمالية وصولها إلى حد السيول في بعض المناطق ما رفع منسوب القلق لدى السكان والسلطات المحلية.
المغرب يدفع الثمن الأعلى
في المغرب كانت الحصيلة الأشد قسوة؛ حيث لقي 37 شخصاً مصرعهم يوم الأحد جراء سيول وفيضانات مفاجئة أعقبت أمطاراً رعدية غزيرة ضربت مدينة آسفي على الساحل الأطلسي، وأكدت السلطات المحلية أن المياه اجتاحت أحياءً سكنية وتسببت في أضرار كبيرة بالمنازل والمتاجر، في حين جرى إسعاف 32 شخصاً نقلوا إلى المستشفى غادر معظمهم بعد تلقي العلاجات اللازمة، في حين بقيت حالات أخرى تحت المراقبة الطبية، هذه المأساة أعادت إلى الواجهة مخاطر الفيضانات الخاطفة في المدن الساحلية والهشة
وفي قطر أفادت إدارة الأرصاد الجوية بتوقع سحب متفرقة تتحول إلى أجواء غائمة جزئياً مع فرص لأمطار على بعض المناطق الشمالية خلال ساعات الليل مع رياح شمالية غربية إلى شمالية شرقية خفيفة إلى معتدلة السرعة وفي البحرين أعلنت الأرصاد أن الأجواء ستكون غائمة مع فرص لأمطار متفرقة يوم الاثنين تتراوح شدتها بين الخفيفة والمتوسطة مع تهيؤ فرص لأمطار رعدية مصحوبة بهبات رياح قوية يوم الثلاثاء، ما استدعى تنبيهات للبحارة ومستعملي الطرق.
وفي الكويت توقعت إدارة الأرصاد الجوية طقساً مائلاً للبرودة مع فرصة لتشكل الضباب في بعض المناطق ما قد يؤثر في مدى الرؤية الأفقية خاصة خلال ساعات الصباح الباكر أما في سلطنة عمان فحذرت الأرصاد من استمرار تدفق السحب على عدد من المناطق مع هطول أمطار متفرقة قد تكون رعدية داعية السكان إلى الحذر في الأودية والمناطق المنخفضة.
وفي السعودية دفعت التقلبات الجوية السلطات إلى اتخاذ إجراءات احترازية، حيث أعلنت وكالة الأنباء السعودية مساء الأحد تعليق الدراسة الحضورية في عدد من الجامعات والمدارس؛ حرصاً على سلامة الطلاب والكوادر التعليمية، وأكدت أن الدراسة ستستمر عن بُعد، وشمل القرار جامعات القصيم والباحة إضافة إلى مدارس في مناطق عدة، منها العاصمة الرياض وجازان، في خطوة تعكس مستوى الجدية في التعامل مع المخاطر المناخية.
بلاد الشام والعراق
في سوريا أعلنت المديرية العامة للأرصاد الجوية أن البلاد ستشهد طقساً خريفياً مستقراً ليلاً مع تشكل الضباب قبل أن تبدأ حالة من عدم الاستقرار اعتباراً من يوم الاثنين يتركز تأثيرها في جنوب وشرق البلاد بهطولات مطرية متوسطة إلى غزيرة مع توقع تحول التساقطات إلى ثلجية فوق مرتفعات دمشق الغربية على أن تنحسر هذه الحالة مساء يوم الأربعاء.
في العراق أعلنت هيئة الأنواء الجوية تعرض البلاد لمنخفض جوي يتسبب بهطول أمطار متفاوتة الشدة تمتد حتى يوم الجمعة، وأوضحت أن الهطولات تبدأ مساء وليل يوم الاثنين وتترافق مع هبوب رياح شمالية غربية شديدة البرودة تؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة إلى مستويات متدنية ولفتت الهيئة إلى أن هذه الحالة الجوية تعد نادرة ومتقلبة وتحتاج إلى متابعة مستمرة، نظراً لعدم وجود مسار ثابت وواضح لمحور المنخفض.
انعكست هذه التقلبات الجوية بشكل مباشر على حياة ملايين المواطنين بين من فقدوا أحباءهم أو منازلهم كما في المغرب، ومن اضطروا لتغيير نمط حياتهم اليومية وتعليم أبنائهم عن بعد أو تأجيل أعمالهم والتنقل بحذر في ظل الضباب والأمطار الغزيرة، وتبرز في مثل هذه الظروف هشاشة بعض البنى التحتية وضرورة الجاهزية المسبقة للتعامل مع الطوارئ.
الظواهر الجوية المتطرفة
تشير دراسات مناخية حديثة إلى أن المنطقة العربية باتت أكثر عرضة للظواهر الجوية المتطرفة نتيجة التغير المناخي العالمي حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة معدلات تبخر المياه وتراكم بخار الماء في الغلاف الجوي ما يرفع احتمالات العواصف الرعدية والسيول المفاجئة وفي الوقت نفسه تعاني العديد من الدول العربية من فترات جفاف طويلة، ما يجعل تأثير الأمطار الغزيرة أكثر تدميرا بسبب ضعف قدرة التربة والبنية التحتية على امتصاص المياه وتتعاظم المخاطر في المدن المكتظة والمناطق الفقيرة بالخدمات.
وفي ظل هذا الواقع المتغير تتزايد الدعوات إلى تعزيز أنظمة الإنذار المبكر وتحديث شبكات التصريف والاستثمار في سياسات تكيف مناخي تقلل من الخسائر البشرية والمادية وتحمي المجتمعات من كوارث باتت تتكرر بوتيرة أعلى من السابق.
وحذرت الأمم المتحدة مراراً من مخاطر تغير المناخ وتأثيره المتزايد على حياة الملايين حول العالم، مؤكدة أن ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات تبخر المياه يؤديان إلى تصاعد وتيرة العواصف والفيضانات والجفاف، ما يفاقم المخاطر على الأمن الغذائي والمائي ويزيد من هشاشة المجتمعات الأكثر ضعفا.
وفي هذا الإطار، تبذل الأمم المتحدة جهوداً مكثفة لمكافحة آثار التغير المناخي من خلال برامج لدعم التكيف مع الظواهر المناخية، وتعزيز البنية التحتية المقاومة للكوارث الطبيعية، وتشجيع استخدام مصادر الطاقة النظيفة وتقنيات الزراعة المستدامة، إلى جانب حملات توعية للمجتمعات المحلية حول إدارة المخاطر البيئية، فيما تسعى المنظمات الأممية بالتعاون مع الدول الأعضاء إلى دفع سياسات عالمية تقلل الانبعاثات الكربونية وتضع استراتيجيات طويلة الأمد لحماية البيئة والحفاظ على حياة الإنسان والطبيعة على حد سواء.











