دفاعاً عن سجناء الرأي.. محامو تونس يعلنون إضراباً عن الطعام ابتداء من الغد
دفاعاً عن سجناء الرأي.. محامو تونس يعلنون إضراباً عن الطعام ابتداء من الغد
تستعد الساحة القانونية في تونس لتصعيد احتجاجي لافت، بعد إعلان مجموعة من المحامين عزمهم الدخول في إضراب جماعي عن الطعام ابتداء من يوم غد الاثنين 22 ديسمبر، تضامنا مع المعتقلين وسجناء الرأي، واحتجاجا على ما وصفوه بمحاكمات تفتقر إلى شروط العدالة والاستقلالية. ويأتي هذا التحرك في سياق سياسي وقضائي متوتر تشهده البلاد منذ أعوام، مع تصاعد الانتقادات بشأن وضع الحريات العامة واستقلال القضاء.
دفاع عن الدور التاريخي للمحاماة
التحرك أعلن عنه في بيان، مساء السبت، وقعه 32 محامياً، من بينهم عميدا المحامين السابقان عبدالرزاق الكيلاني وشوقي الطبيب، وهما من أبرز الأسماء المعروفة في المشهد الحقوقي داخل تونس، وأكد الموقعون في بيانهم أنهم سيشرعون في إضراب جماعي عن الطعام بداية من يوم الاثنين، داعين زميلاتهم وزملاءهم إلى التجمع في اليوم ذاته أمام دار المحامي في تونس العاصمة، في خطوة رمزية تعكس موقع المحاماة كخط دفاع أول عن الحقوق والحريات وفق وكالة أنباء الأناضول.
أوضح المحامون أن هذا التحرك يندرج في إطار التمسك بالدور التاريخي للمحاماة في الدفاع عن الحقوق والحريات وبناء دولة القانون، واعتبروا أن ما تشهده البلاد من محاكمات سياسية يمثل انحرافا خطرا عن مسار العدالة، مؤكدين رفضهم لما وصفوه بالمحاكمات غير العادلة، وانتصارهم لحرية المعتقلين وسجناء الرأي، الذين يقبعون خلف القضبان على خلفية مواقف سياسية أو نشاط مدني.
تضامن مع إضراب سياسي معتقل
وأشار البيان إلى أن الإضراب يأتي تفاعلا مع النداء الذي أطلقه السياسي والمحامي المعتقل العياشي الهمامي، الذي دخل في إضراب عن الطعام ودعا المعتقلين السياسيين إلى خوض إضراب جماعي أيام 22 و23 و24 ديسمبر.
ويعد الهمامي من الشخصيات الحقوقية البارزة في تونس، حيث سبق أن شغل منصب وزير حقوق الإنسان ورئاسة الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية.
اعتقال يثير الجدل
وكانت السلطات التونسية قد أوقفت العياشي الهمامي يوم 2 ديسمبر، تنفيذا لحكم قضائي صدر بسجنه 5 سنوات، على خلفية تهم من بينها التآمر على أمن الدولة، وأثار توقيفه موجة انتقادات واسعة في الأوساط الحقوقية والسياسية، التي رأت في الحكم استمرارا لنهج ملاحقة المعارضين، في حين تؤكد السلطات أن القضية ذات طابع جنائي بحت.
في بيانهم، عبّر المحامون عن احتجاجهم على ما اعتبروه تغييب الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، متهمين السلطة السياسية في تونس بوضع يدها على القضاء وتوظيفه في محاكمات تستهدف قمع الحريات السياسية والمدنية، واعتبروا أن هذه الممارسات تقوض مبدأ الفصل بين السلطات، وتهدد أسس دولة القانون التي ناضل التونسيون من أجلها لعقود.
قضية تعود إلى 2023
تعود جذور هذه الملفات إلى فبراير 2023، حين أوقفت السلطات عددا من السياسيين المعارضين والمحامين ونشطاء المجتمع المدني، ووجهت إليهم تهم ثقيلة من بينها محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة، والتخابر مع جهات أجنبية، والتحريض على الفوضى أو العصيان، وهي تهم ترى المعارضة أنها فضفاضة وتستخدم لإسكات الأصوات المنتقدة.
أحكام قاسية تثير الانقسام
في 28 نوفمبر الماضي، أصدرت محكمة الاستئناف في تونس أحكاما بالسجن تراوحت بين 10 و45 عاما بحق عدد من المتهمين في هذه القضايا، وشملت الأحكام شخصيات سياسية بارزة، من بينها رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة أحمد نجيب الشابي، والقيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري، ورئيس الديوان الرئاسي الأسبق رضا بلحاج، وأمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، إضافة إلى الوزير الأسبق غازي الشواشي.
روايتان متناقضتان
في مقابل الانتقادات الحقوقية، تؤكد السلطات التونسية أن المتهمين حوكموا في قضايا جنائية، وأن القضاء مستقل ولا يخضع لأي تدخل سياسي، وتشدد الحكومة على أن الإجراءات القضائية تتم وفقا للقانون، في المقابل، تصر قوى معارضة ومنظمات حقوقية على أن هذه القضايا ذات طابع سياسي واضح، وتستخدم لتصفية الخصوم وتكميم الأفواه في مرحلة تشهد تضييقا متزايدا على الحريات.
تعيش تونس منذ 25 يوليو 2021 أزمة سياسية عميقة، عقب إعلان الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية شملت حل مجلس النواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، واعتماد دستور جديد عبر استفتاء، ثم تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، وتعتبر قوى سياسية واسعة هذه الإجراءات انقلابا على الدستور وترسيخا لحكم فردي، بينما يرى مؤيدو الرئيس أنها تصحيح لمسار ثورة 2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، وبين هاتين الروايتين، تتصاعد المخاوف من تآكل منظومة الحقوق والحريات، في وقت يتحول فيه تحرك المحامين إلى أحد أبرز أشكال الاحتجاج السلمي دفاعا عن العدالة واستقلال القضاء في البلاد.











