جراح مفتوحة.. 50 مقبرة جماعية و2865 ضحية تروي فظائع الحرب في سوريا
جراح مفتوحة.. 50 مقبرة جماعية و2865 ضحية تروي فظائع الحرب في سوريا
منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، تحولت البلاد إلى مسرح واسع لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لم تقتصر على ساحات القتال فقط، بل امتدت إلى المعتقلات والمنازل والقرى والحقول، وعلى مدار أكثر من عقد، ظل مصير عشرات الآلاف من السوريين مجهولا، بين معتقلين ومختفين قسرا وقتلى لم تُعرف قبورهم، ومع سقوط النظام السابق، بدأت الأرض نفسها تتكلم، كاشفة عن مقابر جماعية متناثرة في محافظات عدة، تحمل في طياتها أدلة صادمة على حجم الفظائع التي ارتُكبت بحق المدنيين.
يؤكد المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير له الأحد أن المقابر الجماعية ليست مجرد مواقع دفن، بل وثائق دامغة على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ففي كل موقع يتم اكتشافه، تظهر رفات نساء وأطفال ورجال، بعضهم مقيد، وبعضهم يحمل آثار رصاص أو حرق أو تعذيب شديد، وهذه المشاهد أعادت فتح جراح لم تندمل، وأعادت إلى الواجهة مطالب السوريين بالعدالة وكشف الحقيقة وإنصاف الضحايا.
أرقام صادمة تكشف حجم المأساة
وفق توثيقات المرصد السوري لحقوق الإنسان، بلغ عدد المقابر الجماعية التي تم اكتشافها منذ سقوط نظام بشار الأسد 50 مقبرة جماعية، احتوت على رفات 2865 ضحية، وتوزعت هذه المقابر على محافظات عدة، أبرزها حمص ودمشق وريف دمشق ودرعا ودير الزور وحماة، في مؤشر واضح على الطابع الممنهج للقتل والإخفاء القسري.
في حمص وحدها، تم توثيق 14 مقبرة جماعية ضمت رفات 1295 جثة، بينهم 3 أطفال و4 نساء، في حين شهدت دمشق اكتشاف 3 مقابر جماعية احتوت على رفات 1025 شخصا، كثير منهم قضوا تحت التعذيب في مراكز احتجاز سيئة الصيت، أما ريف دمشق، فشهد العثور على 10 مقابر جماعية ضمت 218 جثة، في حين توزعت مقابر أخرى في درعا وحماة ودير الزور وإدلب وحلب.
درعا وريف دمشق بؤرتا الاكتشافات الأولى
في 17 ديسمبر، عثر على مقبرة جماعية في مزرعة غرب مدينة إزرع بريف درعا الأوسط، ضمت 34 جثة بينهم نساء وأطفال، وكان الموقع خاضعا سابقا لسيطرة ميليشيا تابعة للمخابرات العسكرية، ما يعزز فرضية أن الضحايا أُعدموا ميدانيا أو قضوا تحت التعذيب، وفي اليوم نفسه، اكتشفت مقبرة أخرى قرب مطار دمشق الدولي، ضمت جثامين 21 شخصا مجهولي الهوية، إضافة إلى مقبرة ثالثة في منطقة القطيفة احتوت على رفات أكثر من 100 شخص قتلوا في فترات متفرقة خلال عهد النظام السابق.
وفي 19 ديسمبر، تم العثور على رفات 20 شخصا داخل مخزن أدوية في منطقة السيدة زينب بريف دمشق، وهي منطقة عرفت سابقا بكونها أحد أبرز المعاقل الإيرانية. وتشير المعلومات إلى أن المستودع كان يستخدم لأغراض عسكرية، ما يفتح الباب أمام فرضيات التصفية داخل مواقع مغلقة.
في 22 ديسمبر، صدم أهالي بلدة قرفا في ريف درعا بالعثور على مقبرة جماعية تضم رفات 93 مدنيا، بينهم نساء وأطفال، ووفقا لمعلومات موثوقة، فإن الضحايا أعدموا حرقا وهم أحياء، في واحدة من أكثر الجرائم وحشية التي تم توثيقها، بعد اعترافات لعناصر سابقة في شعبة المخابرات العسكرية.
حمص مدينة المقابر الصامتة
تعد محافظة حمص من أكثر المناطق التي شهدت اكتشافات مروعة، ففي 23 ديسمبر، تم العثور على مقبرة جماعية في مدينة حمص تضم أكثر من 1200 جثة، يرجح أن أصحابها اعتقلوا في فترات سابقة ونقلوا من مشفى حمص العسكري لدفنهم سرا، تلا ذلك العثور على 3 مقابر جماعية في قرية القبو، ثم مواقع أخرى في أحياء وقرى متعددة، من بينها المختارية ودير بعلبة وتسنين والبقيعة وخربة السودا.
وفي 27 أبريل، كشفت حملة أمنية عن مقبرة جماعية في محيط قرية المختارية، ضمت 17 مدنيا قتلوا ذبحا بالسكاكين، بعد اعتراف أحد الموقوفين بمشاركة ميليشيا الدفاع الوطني في عمليات التصفية الجماعية.
لم تسلم الطفولة من جرائم النظام السابق ففي 2 فبراير، عثر في بلدة صبيخان بريف دير الزور على مقبرة جماعية تضم رفات 6 أطفال تراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما، كانوا يعملون في رعي الأغنام قبل اختطافهم، كما تم العثور في مواقع أخرى على رفات أطفال داخل أقبية وآبار ومبان مهجورة، بعضها يحمل آثار حرق وتعذيب.
دمشق ومطار المزة ذاكرة الرعب
في 28 فبراير، تم اكتشاف واحدة من أضخم المقابر الجماعية داخل العاصمة دمشق، حيث عثر على رفات نحو 1000 شخص قتلوا تحت التعذيب بعد احتجازهم في مطار المزة العسكري، الذي اشتهر بعمليات الإعدام والتعذيب الجسدي والنفسي، وأعاد هذا الاكتشاف تسليط الضوء على منظومة الاعتقال التي اعتمدها النظام السابق، وحولت المؤسسات العسكرية إلى مراكز موت بطيء.
لم تتوقف الاكتشافات عند الأشهر الأولى، بل استمرت حتى نوفمبر وديسمبر، مع العثور على رفات بشرية في أحياء دمشق وريفها، وفي حماة ودير الزور وحمص، ففي 30 نوفمبر، عثر على مقبرة جماعية غرب حمص تضم 10 أشخاص، وفي 14 ديسمبر، تم العثور على رفات 3 أشخاص في منطقة تلة الرواد بريف دير الزور الغربي، التي كانت خاضعة لسيطرة فصائل إيرانية.
صرخة للعدالة والمحاسبة
في ظل هذا المشهد المروّع، يجدد المرصد السوري لحقوق الإنسان مناشدته للمجتمع الدولي، ولا سيما لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بضرورة فتح تحقيقات مستقلة وشفافة، وحماية مواقع المقابر باعتبارها أدلة جنائية لا تسقط بالتقادم، كما يدعو إلى تشكيل لجنة دولية خاصة بملف المفقودين والمخفيين قسرا، للكشف عن مصيرهم وتحديد هويات الضحايا وتسليم رفاتهم إلى ذويهم.
منذ عام 2011، شهدت سوريا واحدة من أعقد النزاعات في العالم، تخللها استخدام واسع للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، وفق تقارير أممية وحقوقية، ومع تعثر مسارات العدالة الدولية، بقي ملف المفقودين والمقابر الجماعية مؤجلا لسنوات. اليوم، ومع تكشف هذه المواقع تباعا، تعود المطالبات بإرساء آليات عدالة انتقالية حقيقية، تضمن عدم إفلات الجناة من العقاب، وتحفظ ذاكرة الضحايا بوصفها جزءا أساسيا من مستقبل سوريا.











