مسافر يطا.. معركة قانونية وتهجير قسري ينذر بمأساة إنسانية
مسافر يطا.. معركة قانونية وتهجير قسري ينذر بمأساة إنسانية
على مدى 4 عقود مضت، خاض أهالي “مسافر يطا” الفلسطينية معركة قانونية مع السلطات الإسرائيلية، التي دأبت على طردهم من أرضهم وتهجيرهم قسريا منها.
حاليا، يواجه نحو 1200 فلسطيني في منطقة مسافر يطا جنوب الخليل خطر التهجير القسري، تحت ما يسمى "منطقة إطلاق نار لقوات إسرائيل"، وانتهت المعركة القانونية في مايو الماضي برفض "العليا الإسرائيلية" التماسا مقدما من أهالي 12 تجمعا سكنيا في مسافر يطا ضد قرار السلطات الإسرائيلية إعلانها مناطق "إطلاق نار"، بحسب وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية.
وحول القرار، قال وزير العدل محمد الشلالدة: إن قرار السلطة الإسرائيلية ترحيل وطرد السكان المدنيين مخالف لنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة حول "النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي".
ولفت الشلالدة إلى أن القانون الدولي يعرف التهجير القسري بأنه إخلاء غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها، ويندرج ضمن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، مشددا على أن التهجير القسري للمواطنين بحجة منطقة إطلاق نار ليس لضرورة عسكرية، إنما هو جريمة حرب.
وأوضح أن اتفاقيتي لاهاي وجنيف الرابعة، والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ينظر للاحتلال بأنه ذو طبيعة مؤقتة وليست قانونية، حيث لا يغير وجوده الفعلي من الوضع القانوني للأراضي المسيطر عليها، ويمنع الدولة المسيطرة من إصدار أي تغيير إلا بهدف أمني بما لا يضر المصلحة العامة للسكان المدنيين.
وأضاف، أن عملية تهجير المواطنين المدنيين في مسافر يطا هي نقل قسري للسكان بغرض تغيير التركيبة الديمغرافية لتحقيق الهيمنة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية واستخدامها لأغراض استيطانية استعمارية، مشيرا إلى أن سياسة الطرد والترحيل التي تمارسها السلطة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وضد أهالي مسافر يطا متواصلة منذ سيطرته على الأرض الفلسطينية، وما ارتكبه من مذابح في كفر قاسم والطنطورة هدفه تفريغ الأرض من مواطنيها الأصليين وإحلال المستوطنين مكانهم.
وأكد الشلالدة أن الأهالي يملكون سندات ملكية تاريخية لأراضيهم، إلا أنهم مهددون من سلطات إسرائيل التي تحرمهم من أبسط حقوقهم، بمنع تزويد الأهالي بالخدمات من كهرباء ومياه، وهدم المنازل والمدارس وتدمير خطوط المياه في انتهاك صارخ لحقوق المدنيين.
وعن الآليات القانونية لمواجهة هذا القرار، قال: لا بد من العمل على إصدار قرارات من المنظمات الدولية ومجلس حقوق الإنسان لوصم إسرائيل كدولة "أبرتهايد" وفصل عنصري، وملاحقة الشركات الأجنبية التي تساهم في جريمة الفصل العنصري، ومطالبة الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة بـتحمل مسؤولياتها والسعي لاتخاذ إجراءات جادة لإنفاذ اتفاقية جنيف الرابعة، وأن تخضع إسرائيل للمساءلة الكلية بشأن كافة تجاوزاتها بحق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك مساءلتها عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها.
وأشار الشلالدة إلى الجهد الدبلوماسي الذي تبذله دولة فلسطين في سبيل وصم إسرائيل كدولة فصل عنصري، من خلال البرلمانات العربية والأوروبية والمنظمات والمؤسسات الدولية وصولا إلى استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري وأبرتهايد.
وأوضح أنه ستكون هناك خطوة في سبيل تقديم شكوى ضد إسرائيل للمحكمة الجنائية الدولية وملاحقتها أمام محكمة العدل الدولية ضد جرائمها، لأن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم ومطالبتها بالتعويض المادي.
ودعا الشلالدة إلى تفعيل دور المنظمات الحقوقية لملاحقة إسرائيل قانونيا ومنعها من تهجير أهالي مسافر يطا.
بدوره، قال مدير الخرائط بجمعية الدراسات العربية خليل التفكجي، إن جميع أراضي "ج" هي أراضٍ مستولىً عليها تحت مسميات مختلفة مثل: كسارات، ومحميات طبيعية، ومناطق تدريبات عسكرية، وقرار طرد المواطنين في المسافر تأكيد على قرارات سابقة اتخذتها سلطات الاحتلال في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم.
وأشار إلى أن سلطات إسرائيل استولت على مئات الدونمات في الضفة الغربية تحت مسمى "المناطق العسكرية المغلقة".
وأكد التفكجي أن قرار إسرائيل طرد السكان من مسافر يطا يأتي في إطار ما تضمنته "صفقة القرن" التي تتضمن تهجير وإفراغ المواطنين من منطقة جنوب غرب الخليل وعرب الرماضين باتجاه أراضي الـ48، ويشمل أيضا البدو في منطقة الخان الأحمر.
ورأى أن إسرائيل تطبق منذ سنوات ما تسميه "الضم الصامت" وأن الصراع في مضمونه الحقيقي "صراع على الديمغرافيا بعد أن تم حسمه على الأرض بالاستيلاء على الأراضي وبناء المستوطنات عليها".
وحول ما يتعرض له أهالي مسافر يطا، قال المنتدب من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان لدعم ومساندة أهالي مسافر يطا، محمود زواهرة، إن قرار ترحيل السكان قسريا إلى مدينة يطا، هو قرار سياسي يهدف إلى السيطرة والاستيلاء على أراضي المواطنين لخدمة المشاريع الاستيطانية، وربط مستوطنة "كريات أربع" مع مستوطنات جنوب الخليل ومع أراضي الـ48، ما ينهي إمكانية إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيًا.
وذكر أن مسافر يطا تتكون من 23 خِربة وقرية ما بين أهالي يطا والبدو الذين هُجروا من مناطق بئر السبع والنقب، بينهم 8 خرب يقطنها 1200 مواطن مهددة بالإخلاء.
وحذر من المخاطر الناجمة عن تهجير سكان، منوها أنها ستشكل تطهيرا عرقيا للسكان الفلسطينيين في تلك المنطقة، وستؤدي إلى طمس الموروث الثقافي الفلسطيني الفريد من نوعه في المكان، وستؤثر على مصدر رزق مئات العائلات التي تعتاش على تربية الماشية والزراعة.
ودعا الزواهرة إلى ضرورة تعزيز المقاومة الشعبية لدعم صمود أهالي المسافر.
وتقع التجمعات المهددة بالتهجير القسري جنوبي مدينة الخليل إلى الجنوب الشرقي من يطا في منطقة تم إعلانها منطقة إطلاق نار رقم 918 بتاريخ 25/12/1972 على مساحة 32 ألف دونم من مسافر يطا وأجرى عليها تعديلات في عامي 1980 و1982 ولا يستخدم لأغراض التدريب العسكري سوى 3% من مجمل المساحة المعلنة.
وتضم 17 تجمعا فلسطينيا معظمها موجود قبل السيطرة على الضفة الغربية عام 1967 وهي (جنبا، والمركز، وحلاوة، وخربة الفخيت، وخربة التبانة، وخربة المجاز، وصفي الفوقا، وصفي التحتا، ومغاير العبيد، وطوبة، وخلة الضبع، والخروبة، وخربة المفقرة، وخربة صرورة، والركيز، وبير العد).
وفي عام 1999 هجر جيش إسرائيل نحو 700 مواطن بالقوة من سكان 12 قرية وخربة (الركيز، والمفقرة، وخلة الضبع، وصفي الفوقا، وصفي التحتا، والحلاوة، ومغاير العبيد، والمركز، والمجاز، وجنبا، والفخيت، وطوبا) المنتشرة في هذه المنطقة، وأصدرت حوالي 358 إخطار هدم تحت ما أسمته سلطات إسرائيل "السّكن بشكل غير قانونيّ في منطقة إطلاق نار"، إلا أن السكان عادوا بعد 4 أشهر من التهجير لعدم قبولهم بالقرار وبموجب التماس قدم للمحكمة (517/00). وسمح لهم بالعودة والسكن المؤقت في خِربهم.
وقدم الأهالي التماسا للمحكمة "العليا الإسرائيلية" عام 2012 وشمل 8 تجمعات وهي: (خربة التبان، وصفي الفوقا، وصفي التحتا، والحلاوة، والمركز، والمجاز، وجنبا، والفخيت)، ورفضت المحكمة كافة الالتماسات التي قدمت من أجل السماح للسكان بالمكوث الدائم على أرضهم وفي منازلهم، وتزامن ذلك مع تسارع وتيرة الهدم في هذه المنطقة منذ عام 2016.
وجرى عقد سلسلة من الجلسات في المحاكم الإسرائيلية بين عامي 2017 و2021، وكان قرار ما يسمى بمحكمة "العليا الإسرائيلية" الأخير بتاريخ 5 مايو 2022 بتهجير هذه الخِرب الثماني وأكثر من 1200 مواطن بينهم 500 طفل.