خبراء: التغيرات المناخية تسبب الاكتئاب وتؤدي إلى الانتحار
أكدوا أنها تفاقم مشكلات الصحة النفسية
تُعد التغيرات المناخية من أهم التحديات العالمية التي تواجهنا في القرن الحادي والعشرين، حيث تؤثر بشكل مباشر على مختلف جوانب الحياة البشرية، بما في ذلك الصحة النفسية.
وتتضمن التغيرات المناخية تغيرات في نمط الأمطار والحرارة ومناطق الجفاف وانبعاثات الغازات الدفيئة وانخفاض مستوى البحار وزيادة التردد والشدة في الأحداث الجوية المختلفة.
وبالنظر إلى التأثيرات النفسية السلبية التي يمكن أن تنتج عن التغيرات المناخية، فإن الدراسات تفيد بأنها ترتبط بزيادة القلق والتوتر والاكتئاب والضيق والشعور بالعجز والتعرض للاحتباس الحراري والجفاف والفيضانات والأعاصير والاضطرابات الأخرى المتعلقة بالمناخ.
ويمكن أن تؤدي هذه التأثيرات النفسية إلى تفاقم المشكلات الصحية النفسية الموجودة بالفعل، وزيادة احتمالية الإصابة بالأمراض النفسية الجديدة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة الناجم عن الكوارث الطبيعية، والقلق الذي يرافق تغييرات المناخ بشكل عام.
وهناك العديد من الدراسات والأبحاث التي أجريت في عام 2022 والتي تتعلق بتأثير التغيرات المناخية على الصحة النفسية، ومن أبرزها دراسة نُشرت في مجلة "The Lancet Planetary Health" أظهرت أن الارتفاع في درجات الحرارة والتغيرات المناخية المفرطة يمكن أن تؤدي إلى زيادة معدلات الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية الأخرى.
وفي دراسة أخرى أجراها باحثون من جامعة هارفارد، حول تأثير الفيضانات والأعاصير والكوارث الطبيعية الأخرى على الصحة النفسية للأفراد، أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يعانون من الفقر والعزلة الاجتماعية والأمراض المزمنة وغيرها من الأمور يواجهون مخاطر أكبر للتأثيرات النفسية السلبية لتلك الكوارث.
وأثبتت دراسة ثالثة نُشرت في مجلة "Environmental Health Perspectives" أن التعرض للتلوث الهوائي وجودة الهواء السيئة يمكن أيضاً أن يسبب تأثيرات سلبية على الصحة النفسية، مثل زيادة معدلات القلق والاكتئاب، وقام باحثون من جامعة كولومبيا بإجراء دراسة تحليلية لعدة بلدان لدراسة تأثير الاحترار على الصحة النفسية.
وأظهرت النتائج أن الارتفاع في درجات الحرارة يمكن أن يؤدي إلى زيادة معدلات الانتحار والعنف الأسري وغيرها من المشكلات النفسية.
ويرى متخصصون هاتفتهم "جسور بوست"، أنه لمواجهة هذه التحديات، فإن من الضروري تعزيز الوعي بشأن التأثيرات النفسية للتغيرات المناخية وتلبية احتياجات الإنسان النفسية والاجتماعية التي تتضمنها، كما ينبغي تعزيز الخدمات الصحية النفسية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية بما يتناسب مع متطلبات الأوضاع الجوية والمناخية.
"جسور بوست" تحدثت مع أطباء صحة نفسية قاموا بدراسة لأكثر من 100 سيدة في كل من جنيف والقاهرة، تم عرضها في الدورة السادسة من مؤتمر العلاج الجمعي بالقاهرة عام 2023.
آثار نفسية عميقة
وتفصيلًا تسرد الدكتورة المتخصصة في العلاج بالفن والعلاج بالحركة والرقص المعتمدة من المدرسة الإيطالية، أميرة سليمان، آثار التغيرات المناخية على الصحة النفسية فتقول: “إن لتغير المناخ آثاراً كبيرة على الصحة النفسية، فيمكن أن يكون للتغيرات البيئية المرتبطة بتغير المناخ، مثل الظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع درجات الحرارة، والكوارث الطبيعية، وفقدان النظم البيئية، آثار نفسية وعاطفية عميقة على الأفراد والمجتمعات”.
وأضافت في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": يمكن أن تؤدي الآثار المباشرة للأحداث المتعلقة بالمناخ، مثل فقدان المنازل أو سبل العيش إلى الإجهاد الحاد والحزن والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، بالإضافة إلى ذلك فإن التعرض المطول للتغيرات البيئية وتوقع المخاطر المستقبلية يمكن أن يسهم في التوتر المزمن والاكتئاب واضطرابات القلق، ويمكن أن يؤدي تغير المناخ أيضًا إلى تفاقم ظروف الصحة العقلية".
وتابعت: على سبيل المثال، قد يعاني الأفراد المصابون باضطرابات نفسية موجودة مسبقًا من أعراض متزايدة أو صعوبات في التعامل مع الضغوطات الإضافية لتغير المناخ، وبالمثل، فإن المجتمعات المهمشة بمن في ذلك السكان ذوو الدخل المنخفض والشعوب الأصلية، وتلك التي تعيش في المناطق المعرضة للخطر، غالبًا ما تتأثر بشكل غير متناسب بتغير المناخ وقد تتعرض لتأثيرات أكبر على الصحة العقلية نتيجة لذلك.
واستطردت: تتطلب معالجة آثار تغير المناخ على الصحة النفسية اتباع نهج متعدد الأوجه، وينطوي على تعزيز المرونة والقدرة على التكيف، وتنفيذ التدخلات المجتمعية وتعزيز أنظمة الدعم، ودمج اعتبارات الصحة النفسية في استراتيجيات التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه.
مقاومة المناخ بالرقص
وعن طرق العلاج والمقاومة استكملت الحديث أستاذ الصحة النفسية أميرة سليمان قائلة: “إن زيادة الوعي وتقليل وصمة العار وتعزيز العمل الجماعي ضرورية لبناء مستقبل أكثر استدامة ومرونة نفسية في مواجهة تغير المناخ، وأحد هذه الأشكال من التداخلات يكون من خلال التعاون بين المتخصصين في الصحة النفسية ومنظمات المجتمع المدني التي لها علاقة مع النازحين أو اللاجئين أو الذين تم إجلاؤهم قصرا من مدنهم، وتكون هذه التداخلات من خلال عمل مجموعات دعم متخصص تقوم على سرعة الاستجابة لاحتياجات الفئات المتضررة”.
وعن تجربتها في العلاج والمقاومة قالت: تم عمل جلسات شملت دراسة مقارنة لأكثر من 100 سيدة في كل من جنيف والقاهرة وتم عرضها في الدورة السادسة من مؤتمر العلاج الجمعي بالقاهرة عام 2023.
وتابعت: أقوم مع الفريق الذي أعمل معه في مؤسسة "كمارادا" إحدى الجمعيات غير الحكومية في "جنيف"، والتي تهتم برعاية اللاجئات وأطفالهم بالشراكة مع المنظمة الفيدرالية لجنيف للإدماج والتوطين باستخدام الفنون الابداعية والعلاج بالحركة والرقص لتقليل حدة التوتر والقلق الناجم من التغير المناخي والتهجير الذي يشعر به المتضررون، وتقام الجلسات في صالة خاصة وتكون مدة الجلسة ساعة ونصف الساعة ومتوسط عدد المشتركات هو 8/12 سيدة من مختلف الأعمار، أصغر سيدة هي من أفغانستان (18 عاماً) وأكبرهن (63) من كينيا.
وتستطرد: تم عمل استطلاع لحالتهن ولقاء تعريفي بالجلسات، وانتظم عدد من السيدات بتراكم الأسابيع وأصبحت المجموعة أكثر ترابطا وأقل توترا وتم ملاحظة ذلك بالقياسات النفسية التي أجريت في فترات قبل الالتحاق بالجلسات وفي نهاية دورة من 10 جلسات ثم استمرار التأثير بعد شهر من الانقطاع عن الحضور وتبين من الإحصائيات الأولية فاعلية العلاج غير اللفظي والمعتمد على التعبير في التخفيف من حدة القلق والتوتر وزيادة تواصل الأفراد داخل المجتمعات المضيفة.
المتأثرون والأكثر ضررًا
من زاوية أخرى، قال أستاذ علم النفس جمال فرويز، إن هناك ما يسمى بنوبات موسمية مثل نوبات الاضطراب الوجداني، وبعض نوبات الاكتئاب، وكذلك شعور بعض الناس بالتعب والإجهاد مع بداية فصل الصيف أو فصل الشتاء، بحسب طبيعتهم النفسية، ما يوضح أن الحالة النفسية والمزاجية للإنسان ترتبط أحيانًا بتقلبات الطقس.
أستاذ علم النفس - جمال فرويز
ونفى فرويز في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست" أن تتسبب التغيرات المناخية اكتئابًا جمعيًّا للكوكب بكامله في الوقت الراهن، خاصة في المجتمعات العربية مثل مصر، لعدم سوء الأحوال الجوية بدرجة كبيرة، مشيرًا إلى أن الأشخاص في البلاد ذات الطقس شديد البرودة يكتئبون مثلهم مثل البلاد ذات الجو الحار، وذلك بسبب عدم رؤيتهم الشمس ونقص (فيتامين د) لديهم، ويعالج هؤلاء الأشخاص بجلسات ضوئية معينة، تعوض (فيتامين د) الذي فقدوه، فيتحسن مزاجهم.
وأعطى فرويز نصائح لتحسين المزاج وقت اضطراب الأحوال الجوية، أولها ضرورة تجنب أشعة الشمس الشديدة، وكذلك الحصول على التدفئة المناسبة في فصل الشتاء، بجانب ممارسة الرياضة، وشرب المياه بكثرة، والحصول على التغذية السليمة، مشددًا على ضرورة الذهاب إلى الطبيب النفسي إذا لم يشعر الشخص باعتدال مزاجه بعد اتباع هذه التعليمات.