"السيخ" البنجاب.. عالقون وسط عاصفة دبلوماسية بين الهند وكندا
بسبب مقتل زعيم سيخي في كولومبيا البريطانية
مع وجود أكبر عدد من السيخ خارج الهند، في كندا، بات العديد من البنجابيين عالقين في عاصفة دبلوماسية بسبب وفاة زعيم انفصالي في كولومبيا البريطانية (محافظة كندية).
وأغلق كولوانت سينغ (45 عاما) عينيه بإحكام وصلى في معبد السيخ، ثم خرج سينغ وابنته المراهقة، نابريت كور، خارج مكان العبادة، ممسكا بعلبة من الحلوى وطائرة لعبة لامعة باللونين الأزرق والأبيض، وفقا لـ"نيويورك تايمز".
وبالنسبة لـ"سينغ" وكثيرين غيره، تسببت الأزمة الدبلوماسية بين الهند وكندا في أزمة شخصية أيضا، فعلى الرغم من أن لديه تأشيرة صالحة وتذكرة طائرة، إلا أن خططه للمغادرة الأسبوع المقبل إلى كندا تم تعليقها فجأة بسبب نزاع بين الهند وكندا بشأن مقتل "سيخي" على الأراضي الكندية، والذي تُتهم الحكومة الهندية بتدبيره.
وفي يونيو، قتل هارديب سينغ نيجار، وهو سيخي من البنجاب دافع عن إنشاء دولة منفصلة للسيخ، برصاص مهاجمين مقنعين، اعتبرته حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إرهابيا، وكان على قائمة المطلوبين، لكن المسؤولين الهنود ينفون الاتهامات التي وجهها رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الأسبوع الماضي، والتي تسببت في عاصفة نارية.
وكانت النتيجة أن علقت الحكومة الهندية مؤقتا تأشيرات الدخول لمواطني كندا، التي لديها عدد كبير من الشتات الهندي، كما طردت البلدين الدبلوماسيين في رد متبادل، وتم تجميد المحادثات التجارية.
الحرب الباردة
يقول "سينغ": “إنها مؤلمة، هذه الحرب الباردة.. هناك حالة من عدم اليقين الآن تقتلنا”.
وأضاف "سينغ" وهو مزارع كان يأمل في استكشاف فرص العمل مع العائلة الممتدة في كندا، بحزن: "نحن نشهد الكثير من التصريحات التي يتم طرحها.. كل جملة من جملهم، وكل كلمة من قادتنا، تؤثر على حياة كل واحد منا.. كل ما يقولونه أو يفعلونه له تأثير مباشر علينا".
المعبد
يقع المعبد وسط حقول الأرز الخضراء المورقة وتحيط به لوحات إعلانية مهيبة تعلن عن خدمات الهجرة، ويجذب الآلاف من الطامحين للحصول على تأشيرة، الذين يسعون إلى الوصول إلى الأماكن التي توفر المزيد من فرص النجاح، وتصطف المتاجر على جانب واحد من المعبد لبيع نماذج صغيرة من طائرات بوينج 747 وإيه 380، من بين أدوات أخرى.
البنجاب
وتعرف "البنجاب" باسم سلة الخبز في الهند، وهي ولاية ذات أغلبية من السيخ حيث يبلغ متوسط الدخل نحو 2080 دولارا في السنة، ولديها علاقة خاصة مع كندا ومكانة خاصة في قلوب السيخ مثل "سينغ".
هجرة السيخ
وقد هاجر السيخ إلى كندا لأكثر من قرن، ولكن الأرقام ارتفعت في سبعينيات القرن العشرين، حين بدأ كفاح مسلح انفصالي، سعيا إلى دولة مستقلة للسيخ في الهند تسمى "خالستان"، ودفع إلى رد فعل قمعي.
نما مجتمع السيخ في أماكن مثل كولومبيا البريطانية، واكتسب أعضاؤه مناصب السلطة والمسؤولية، حيث تمتلك العديد من العائلات الثرية في البنجاب سلاسل من محطات الوقود في كندا، ومن الصعب العثور على عائلة ليس لديها قريب هناك.
وفقا لتعداد كندا لعام 2021، شكل السيخ 2.1% من السكان، ما يجعل البلاد موطنا لأكبر عدد من السيخ خارج الهند.
وقد تضاعفت نسبة السكان السيخ في كندا بأكثر من الضعف خلال 20 عاما، وفقا لهذا التعداد، حيث هاجر عدد كبير من الهند بحثا عن التعليم العالي والوظائف، 40% من الطلاب الدوليين في كندا يأتون من الهند، وفقا للمكتب الكندي للتعليم الدولي، وهي مجموعة غير ربحية.
"جالاندهار"
وأصبحت "جالاندهار"، التي تقع في الجزء الأكثر خصوبة زراعيا في البنجاب، قاعدة شعبية للعديد من آلاف الشركات الاستشارية للهجرة في الولاية.
وتتخلل المباني الخرسانية التي تضم مكاتبهم ومراكز التدريب باللغة الإنجليزية لافتات تحمل أعلام كندا تتزاحم على مساحة مع أعلام أستراليا وبريطانيا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، حيث يصعب تخيل المزيد من صور أوراق القيقب الحمراء والبيضاء حتى في تورنتو.
يقول المستشارون المهنيون إن معظم الشباب البنجابيين يحلمون بالسعي للحصول على تعليم وحياة أفضل في كندا.
وتقول بهارتي راجبوت، وهي مستشار في سكاي بيرد إنترناشيونال، التي تقدم خدمات الهجرة، إن البنجابيين، وخاصة السيخ، لديهم روابط مع كندا مثل روابط "الأم والطفل".
وتضيف: "إنه مثل وطنهم الأم.. لا توفر الهجرة إحساسا بالمكانة فحسب، بل إن معظمهم لديهم أصدقاء وأقارب في كندا، ما يجعلها مغرية بشكل خاص".
وفي إشارة إلى ملصقات الشباب والشابات الذين نجحوا في اجتياز عملية التأشيرة إلى دول بما في ذلك كندا، قالت "راجبوت": "سيكون الشباب أكثر سعادة بالعمل في ماكدونالدز هناك من العمل في شركة بالهند".
وقف غوربيغ سينغ (22 عاما) خارج شركة أخرى للهجرة، مع أصدقائه، وكان قد سافر مؤخرا إلى المعبد الذهبي في أمريتسار، على بعد نحو 50 ميلا من جالاندهار، للصلاة من أجل الحصول على تأشيرة.
يقول: "لقد كنت أسافر أكثر من 12 ميلا من قريتي بالحافلة كل يوم لحضور الفصول الدراسية هنا، لكن السيد مودي أفسد مستقبلي".
وقال "غوربيغ سينغ"، الذي حصلت عائلته على قرض لتعليمه، إن تعامل مودي مع النزاع مع كندا أظهر أنه لا يهتم بالسيخ، بالنظر إلى أن حزبه لم يكن أبدا قويا بمفرده في الولاية.
أعرب "غوربيغ سينغ" عن أسفه قائلا: "طلبت الحكومة تخفيض البعثة الدبلوماسية الكندية.. من غير المؤكد بالنسبة لي كم من الوقت أو متى ستأتي التأشيرات الآن "، وعلى بعد ساعة بالسيارة، في قرية بهاداس، المحاطة بقصب السكر وحقول الأرز، أعرب الناس عن مخاوف مماثلة.
يقول غورميت سينغ، وهو مدرس متقاعد، وهو يميل إلى الأمام على دراجته النارية، ويعيش أبناؤه المهندسون البالغون من العمر 27 و26 عاما في كندا منذ بضع سنوات، وقد حصل أحدهم على الجنسية: "يتصل بي أبنائي مرتين في اليوم، قلقين مما سيحدث بين البلدين".
وقد باع البعض في القرية أراضيهم لتمويل إرسال أطفالهم إلى الخارج، وكثير منهم إلى كندا، كما قال نيشان سينغ باليانيا، الذي يساعد زوجته، وهي رئيسة قرية في بهاداس، في شؤونها اليومية.
وقال "باليانيا"، الذي يقيم أبناؤه في كندا: "نتوقع من السيد مودي أن يتصرف مثل شيخ الأسرة الذي سيحل مشكلة منزلية بحساسية ونضج.. وبسبب التفاعل العميق بين الشعبين، كل ما نريده هو السلام".
وردد هذه المشاعر وزير ولاية البنجاب للهنود غير المقيمين، كولديب سينغ داليوال، الذي ينتمي إلى حزب معارض لحزب "مودي" قائلا في مقابلة هاتفية: "أحد البنجاب يقيم هنا، في الهند.. أحد البنجاب يقيم في فانكوفر وتورنتو، في كندا نحن قلقون على شعبنا".
وبالعودة إلى معبد السيخ في جالاندهار، حيث دفعت العروض العديدة التي قدمها الناس من طائرات الألعاب المسؤولين إلى حظر هذه الممارسة مؤخرا للحفاظ على ما قالوا إنه "قدسية ولياقة" للمعبد.
التقطت السيدة كور، وهي ترتدي سروال جينز وقميصا مخططا، طائرتها التي اشترتها هي ووالدها لأخذها إلى المنزل.
وقالت بتصميم هادئ: "كل ما أريد القيام به هو الذهاب إلى كندا والدراسة بجد، مثل أختي في كلية الدراسات العليا.. إنه أهم شيء بالنسبة لي للقيام به".