المفوضية السامية لحقوق الإنسان تناقش الحق في التنمية

خلال فعاليات الدورة الـ54 في جنيف

المفوضية السامية لحقوق الإنسان تناقش الحق في التنمية
مجلس حقوق الإنسان في جنيف

استعرض المنتدى الدولي لتعزيز حقوق الإنسان تقريره أمام الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة في جنيف خلال الفترة من 11 سبتمبر إلى 6 أكتوبر 2023.  

وقدمت المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقريراً يتناول رؤيته الرامية إلى إعطاء زخم للحق في التنمية، ويسلط الضوء على الإنجازات التي تحققت في مجال إعمال هذا الحق على مر السنين، ويحدد التحديات الراهنة الرئيسية التي تعترض إعماله بالكامل، ويقترح استراتيجيات للتغلب على تلك التحديات. 

ويتضمن التقرير أيضاً الأهداف التي يسعى المقرر الخاص إلى بلوغها وأولوياته المواضيعية، كما يبين أساليب العمل التي سيعتمدها في الاضطلاع بولايته وفي إشراك جميع أصحاب المصلحة المعنيين على نحو شامل للجميع.

ووفقًا للتقرير، انكب المقرر الخاص المعني بالحق في التنمية، شريا ديفا، بعد توليه منصبه في مايو 2023 على التواصل مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة من قبيل ممثلي الدول ووكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الوطنية والإقليمية لحقوق الإنسان والشركات والنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات النسائية والشبابية ومنظمات الشعوب الأصلية والأوساط الأكاديمية، وذلك لفهم التحديات والفرص التي تكتنف إعمال الحق في التنمية فهمًا أفضل وللتأكد من الأولويات الرئيسية للولاية.

وسلّط الضوء في التقرير على ما يتعين على مؤسسات الأعمال التجارية القيام به للمساهمة في التنمية الشاملة للجميع والمنصفة والمستدامة. 

ودعا أيضاً إلى إحداث تحول أساسي في كيفية عمل الشركات في المجتمع من خلال إعادة توجيه الغرض من الأعمال التجارية، وتغيير نماذج الأعمال غير المسؤولة، والمضي أبعد من نهج عدم الإضرار.

وأورد التقرير أنه أصبح من الواضح بصورة متزايدة أن النظام الاقتصادي ونماذج الأعمال التجارية السائدين حالياً غير صالحين لغرض تحقيق تنمية شاملة للجميع ومنصفة ومستدامة، وثمة حاجة إلى إحداث تحول جوهري.

وتقاسم المقرر الخاص في هذا التقرير تصوره الأولي بشأن الحاجة إلى الانتقال صوب نموذج للتنمية التشاركية مرتكز على الكوكب على جميع المستويات، موضحًا المزيد من الإرشادات بشأن كيفية تفعيل هذا النموذج بالشراكة مع أصحاب المصلحة المعنيين.

وأشار التقرير إلى أن ثمة عدة معوقات يمكن أن تعرقل السعي إلى الإعمال الكامل للحق في التنمية، منها النزاعات وتغير المناخ والقضايا المرتبطة بالتكنولوجيات الجديدة.. ويهدف المقرر الخاص إلى التركيز على هذه المعوقات الثلاثة المحتملة في تقاريره وموجزاته التوجيهية، وزياراته القطرية، ورسائله، ومذكراته المقدمة إلى المحاكم، ومداخلاته.

ولفت التقرير إلى أن النزاعات تقوض السلم، وتؤثر بذلك تأثيراً مباشراً على سبل التنمية جراء ما تتسبب فيه من خسائر في الأرواح، وتدمير للممتلكات والهياكل الأساسية، وعنف جنساني، ونزوح قسري، وإضعاف لمؤسسات الحوكمة، وزرع بذور عدم الاستقرار السياسي.

وأشار التقرير إلى أن من المسائل التي تستحق مزيداً من الاهتمام في سياق تناول مسألة الحق في التنمية بحث ما ينبغي أن تفعله الدول لمعالجة الأسباب الكامنة وراء النزاعات، والدور الوقائي الذي يمكن أن تؤديه الدول المجاورة في توطيد السلام، وكيفية تشجيع الدول على تحويل الموارد من العسكرة والتسليح إلى التنمية، وكيفية إسهام الأعمال التجارية في بناء السلام والعدالة الانتقالية. 

وأوضح أن تغير المناخ سيشكل تحدياً رئيسياً آخر للدول، لا سيما البلدان النامية والدول الجزرية الصغيرة النامية، في إعمال الحق في التنمية في السنوات المقبلة.

وذكر التقرير أنه من الأهمية بمكان ضمان الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون انتقالاً مسؤولاً وعادلاً ومنصفاً ومستجيباً للمنظور الجنساني، وسيكون دور البلدان المتقدمة ووكالات الأمم المتحدة وشركاء التنمية والمصارف الإنمائية العامة والأعمال التجارية أساسياً لتحقيق هذا الهدف. 

ووفقًا للتقرير، يتطلب تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية الوصول إلى تكنولوجيا مأمونة وجعلها في المتناول بأسعار معقولة في مختلف القطاعات، بدءاً من الزراعة إلى التصنيع والنقل والبنية التحتية والخدمات المصرفية والتجارة والتعليم والإسكان والصحة والطاقة والبيئة. 

وتشكل التكنولوجيات أيضاً جزءاً لا يتجزأ من جهود التخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة، والتكيف مع تغير المناخ، والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. 

وأورد التقرير أنه يمكن أن يتعارض الدور التمكيني للتكنولوجيا بالدور المعيق الذي قد تنطوي عليه التكنولوجيات الجديدة مثل الأتمتة والروبوتات والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء.. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي الأتمتة إلى فقدان الوظائف، بينما قد يسهم الذكاء الاصطناعي في إدامة التمييز الحالي.

وتجلب التكنولوجيات الجديدة أيضاً تحديات متعلقة بالقدرة على التكيف أو مخاطر إضافية للفئات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة. وثمة تحديات تتعلق بالفجوة الرقمية، وكذلك بخصوصية البيانات ومراقبتها.. وعلاوة على ذلك، وكما شوهد خلال جائحة كوفيد-19، غالباً ما تشكل حقوق الملكية الفكرية عائقاً كبيراً لنقل التكنولوجيا إلى البلدان النامية. 

وسيركز المقرر الخاص على التقليل إلى أدنى حد من المعوقات التي قد تنطوي عليها التكنولوجيات الجديدة، بما في ذلك من خلال ضمان تطوير التكنولوجيات ونقلها وتسويقها واستخدامها بما يتفق مع حقوق الإنسان. 

أساليب العمل 

وأشار التقرير إلى أن من أساليب العمل، تقديم تقارير مواضيعية سنوية إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة بشأن القضايا الرئيسية المتصلة بالحق في التنمية، وإجراء حوارات مع الدول لفهم التحديات والممارسات الجيدة في إعمال الحق في التنمية فضلاً عن نقل أي شواغل تثيرها منظمات المجتمع المدني.

أيضًا، اعتماد نهج تشاوري قائم على الأدلة لإشراك جميع أصحاب المصلحة بطريقة شاملة للجميع وشفافة، بما في ذلك أثناء الزيارات القطرية، وإجراء مشاورات وجهاً لوجه أو شخصياً مع أصحاب المصلحة (بما في ذلك الأطفال والمراهقون والشباب) في جميع مناطق العالم لتلقي مدخلات للتقارير المواضيعية السنوية والأنشطة الأخرى الصادر بها تكليف.

وأشار إلى أهمية إذكاء الوعي بالحق في التنمية بين مختلف أصحاب المصلحة، وبناء قدرات الحركات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني، وتعزيز إدماج الحق في التنمية في المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، والمشاركة في الأنشطة ذات الصلة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية لتعميم الحق في التنمية وربطه بجداول أعمال السياسات الأخرى المتعلق مثلاً بأهداف التنمية المستدامة، والأعمال التجارية وحقوق الإنسان وتغير المناخ والهجرة والتكنولوجيات الجديدة.

وكذلك أخذ زمام المبادرة في الرسائل الموجهة إلى الدول والجهات الفاعلة الأخرى استناداً إلى الادعاءات المتعلقة بانتهاكات الحق في التنمية التي يتقاسمها الأفراد والمجتمعات مع المقرر الخاص، وإقامة شراكات مع الدول، ووكالات الأمم المتحدة، والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، والوكالات الإنمائية، والمصارف الإنمائية العامة، ومؤسسات الأعمال التجارية والرابطات الصناعية ونقابات العمال، ومنظمات المجتمع المدني، ومراكز البحوث والأوساط الأكاديمية، ووسائط الإعلام من أجل المشاركة في تصميم الحلول وتنفيذ التوصيات العملية التي يقدمها المقرر الخاص؛ والتعاون مع المكلفين بولايات في إطار الإجراءات الخاصة والهيئات الإقليمية لحقوق الإنسان لتعزيز التنفيذ الفعال للحق في التنمية.

وعرض الممارسات الجيدة للدول والمصارف الإنمائية العامة ومؤسسات الأعمال التجارية في سياق المساهمة في إعمال الحق في التنمية، ودمج نهج متعدد الجوانب، بالنظر إلى أن التجارب والتطلعات المختلفة للأطفال والنساء وأفراد مجتمع الميم الموسع والعمال المهاجرين والأقليات الإثنية أو الدينية أو العربية واللغات المهمشة وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة والشعوب الأصلية لها تأثير مباشر على كيفية تفعيل الحق في التنمية على جميع المستويات. 

الاستنتاجات والتوصيات

أقر التقرير بأن الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان يسري على الجميع في كل مكان.. ويمثل هذا الحق، من خلال إتاحة مسار للتنمية الكلية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية القائمة على عملية تشاركية طريقاً لإعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية الأخرى والحفاظ على المساواة بين الأجيال. وهو أيضاً حق محوري في خطة عام 2030، وخطة عمل أديس أبابا، وإطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث، واتفاق باريس. 

وكشف التقرير عن أنه علاوة على ذلك، يشكل الحق في التنمية عماد فكرة الاقتصاد المرتكز على حقوق الإنسان ويقع في صلب مساعي مؤتمر قمة المستقبل والدعوات المطالبة بمعالجة القضايا الهيكلية للنظام الاقتصادي الحالي التي تحرم البلدان النامية بصورة منهجية من إعمال حقوق الإنسان الواجبة لشعوبها. 

وأشار إلى أنه لا تزال الإمكانات التحولية التي ينطوي عليها إعمال الحق في التنمية لم تتحقق بسبب العديد من التحديات، بدءاً من اللبس المفاهيمي ووصولاً إلى الاستقطاب، ونقص القدرات، وعدم مشاركة الشعوب، وانعدام المساواة، والنظام الاقتصادي الاستعماري والليبرالي الجديد.. وقد حدد المقرر الخاص في هذا التقرير استراتيجيات للتغلب على هذه التحديات. 

وأورد أن ثمة حاجة إلى تبني رؤية كلية للحق في التنمية، والاستفادة من دور الجهات الفاعلة المتعددة لتعزيز القدرات وتقريب الرؤى لتبديد الاستقطاب وضمان المشاركة المجدية للشعوب، وإدماج منظور متعدد الجوانب للتغلب على التمييز، ويحتاج العالم أيضاً إلى نموذج جديد لتنمية تشاركية مرتكزة على الكوكب.. وعندئذ فقط سيكون من الممكن بناء مستقبل مشترك شامل للجميع ومنصف ومستدام، بما ينفع الناس كافة. 

ويتضمن هذا التقرير موجزاً للأولويات المواضيعية للمقرر الخاص -مجمعة ضمن محاور تتعلق بالجهات الفاعلة والمستفيدين والأسباب والمعوقات- وأساليب العمل التي سيتبعها لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي: 

تعزيز الفهم الكلي للحق في التنمية، وتعميم مراعاة الحق في التنمية في عمليات الحوكمة على جميع المستويات، كذلك تقريب الرؤى السياسية بين شمال العالم وجنوبه فيما يتعلق بالحق في التنمية. 

التوصيات

وأوصى المقرر الخاص الدول بما يلي:

اعتماد نهج كلي ومراعٍ للمنظور الجنساني إزاء الحق في التنمية والتخلي عن عقلية التنمية الاقتصادية أولاً، وحقوق الإنسان لاحقاً.

تسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة كجزء من خطة عام 2030 والحفاظ على محورية الحق في التنمية في سياق تفعيل فكرة الاقتصاد المرتكز على حقوق الإنسان وكذلك في مساعي قمة المستقبل.

تقريب الرؤى وبناء شراكات لتبديد أوجه الاستقطاب التي يمكن تجنبها في ما يتعلق بالحق في التنمية والمشاركة بحسن نية في عملية اعتماد عهد بشأن الحق في التنمية، واحترام حدود الكوكب واحترام الإنصاف بين الأجيال في إعمال الحق في التنمية، وضمان المشاركة النشطة والحرة والمجدية لجميع الناس، لا سيما الأفراد والجماعات الضعيفة والمهمشة، في سياق جميع السياسات والبرامج والمشاريع المتعلقة بالتنمية.

الحفاظ على الحيز المدني، وتبني مبادئ الحوكمة الرشيدة، ودمج نهج متعدد الجوانب للتغلب على جميع أشكال التمييز، واتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الإشكالات النظمية التي ينطوي عليها النظام الاقتصادي الحالي لتسهيل التوزيع العادل للمنافع والانتقال صوب نموذج للتنمية التشاركية المركزة على الكوكب. 

أن تتولى المؤسسات المالية الدولية إصلاح هيكل إدارتها لمنح البلدان النامية على قدم المساواة مع غيرها كلمةً في صنع القرار، وتكثيف الجهود الرامية إلى تحقيق خطة عام 2030 وخطة عمل أديس أبابا، وتعزيز مشاركة الشعوب في عمليات صنع القرار.

أن تتيح المصارف الإنمائية العامة مزيداً من التمويل للتنمية المستدامة بما يتوافق مع حقوق الإنسان، وأن تتخذ خطوات لتعزيز المساواة بين الجنسين، وأن تكفل المشاركة النشطة والحرة والمجدية لجميع الناس ومنظمات المجتمع المدني في عمليات صنع القرار وأن تنشئ آليات تظلم فعالة لمعالجة التأثيرات السلبية التي تمس بحقوق الإنسان.. وينبغي لها أيضاً أن تدعم البلدان النامية في تحقيق انتقال عادل إلى الاقتصاد الأخضر. 

أن تحترم مؤسسات الأعمال التجارية جميع حقوق الإنسان (بما في ذلك الحق في التنمية)، وأن تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأن تتخذ تدابير طموحة للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، وأن تمتنع عن التهرب الضريبي، وأن تتخلى عن نماذج الأعمال التجارية غير المسؤولة.. وينبغي لها أيضاً أن تعتمد نهجاً متعدد الجوانب للتغلب على التمييز وضمان المشاركة النشطة والحرة والمجدية للناس في جميع المشاريع الإنمائية. 

وتمثلت التوصية الأخيرة في أن تيسر منظمات المجتمع المدني مشاركة الناس مشاركة مجدية في جميع السياسات والبرامج والمشاريع الإنمائية التي تضطلع بها الدول والمصارف الإنمائية العامة ومؤسسات الأعمال التجارية.. وينبغي لها أيضاً أن تواصل الدعوة إلى الإصلاح المنهجي للنظام الاقتصادي الحالي ونماذج الأعمال الحالية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية