100 يوم من الحرب.. انهيار التعليم في غزة جراء قصف المدارس وتشريد الأطفال

100 يوم من الحرب.. انهيار التعليم في غزة جراء قصف المدارس وتشريد الأطفال
الحرب في غزة

مع استمرار الحرب في قطاع غزة على مدى مئة يوم من التدمير والقتل، يتعرض القطاع التعليمي لآثار سلبية خطيرة تؤثر على مستقبل الأجيال القادمة، وتشكل الحرب تهديدًا مباشرًا على حق الأطفال في التعليم الجيد والآمن، حيث تم هدم المدارس وقتل آلاف الأطفال وتشريد الآلاف منهم، بما ينقض على الأسس الأخلاقية والقانونية لحقوق الإنسان. 

وقال المتحدث باسم "اليونيسف" في القدس، جوناثان كريك، لصحيفة "الغارديان" البريطانية أنه لا يوجد أي شكل من أشكال التعليم أو الدراسة في قطاع غزة في الوقت الحالي. 

وأشار إلى أنه قبل الحرب، كان هناك ما يقرب من 625 ألف طالب في سن الدراسة في غزة، لكن الآن لا يذهب أي منهم إلى المدارس بسبب مستوى العنف والأعمال العدائية المستمرة والقصف المكثف. 

تعتبر هذه المأساة جزءًا من الأحداث التي تشهدها غزة، والتي ربما لم تحظَ بالاهتمام اللازم بسبب وجود أزمات أخرى أكثر إلحاحًا. 

فقد قُتل أكثر من 23 ألف مواطن فلسطيني في غزة، وأصيب أكثر من 60 ألفاً، 70 في المئة منهم من النساء والأطفال، منذ اندلاع الحرب، بالإضافة إلى ذلك، يعاني آخرون في غزة من المجاعة أو المرض الشديد. 

وفي ما يتعلق بالتعليم، يرى محللون وحقوقيون أنه حتى لو تم التوصل إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد، فإن العودة إلى الحياة الطبيعية في غزة ستكون مهمة صعبة وستستغرق وقتًا طويلاً. 

ويتوقعون أن تمر عدة أسابيع، وربما عدة أشهر، قبل أن يتسنى لأي طفل في غزة العودة إلى المدارس، ويرجحون أنه لن يكون هناك أي احتمال لإعادة فتح المدارس في الوقت الحالي نظرًا لتصاعد الغارات الجوية والهجمات بشكل مكثف ووحشي.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة مقتل 9 آلاف طفل منذ بدء الحرب، والأونروا تقول إن 90 بالمئة من سكان القطاع تعرضوا لتهجير قسري

وقالت منظمة "أنقذوا الأطفال" الخيرية، إن أكثر من 10 أطفال في المتوسط يفقدون أحد أطرافهم كل يوم في غزة، حيث تتم العديد من عمليات البتر دون تخدير. 

وقال مدير منظمة "أنقذوا الأطفال" في الأراضي الفلسطينية جيسون لي، في بيان، إن "معاناة الأطفال في هذا الصراع غير ضرورية ويمكن تجنبها بالكامل"، مؤكداً أن "قتل الأطفال وتشويههم أمر مدان باعتباره جريمة خطيرة.. ويجب محاسبة مرتكبيها". 

وأشارت المنظمة إلى تصريحات المتحدث باسم اليونيسف، والذي قال بعد عودته من غزة في 19 ديسمبر، إن "حوالي 1000 طفل في غزة فقدوا إحدى ساقيهم أو كلتيهما منذ 7 أكتوبر، وتكتظ المستشفيات بالأطفال"، معتبرة أن الأطفال أكثر عرضة للوفاة بسبب إصابات القصف بنحو 7 مرات مقارنة بالبالغين.

وتضرر أكثر من 70 في المئة من المنشآت التعليمية في القطاع، حيث تضرر 352 مبنى دراسيا. 

وتحوَّلت العديد من المدارس إلى ملاجئ، بما في ذلك أكثر من 150 مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ونحو 130 مدرسة تديرها السلطات المحلية. 

وفي هذه المدارس، يضطر اللاجئون اليائسون إلى استخدام الكراسي والمقاعد الخشبية الخاصة بالطلاب لإشعال النار وطهي الطعام بسبب نقص الغاز. 

وهذا ينذر بأزمة في المعدات المدرسية بعد انتهاء الحرب، وحتى إذا تمت إعادة بناء الفصول الدراسية وتوفير الكتب والمعدات والأدوات المدرسية من جديد في القطاع، فإن المعلمين وجماعات الإغاثة يشعرون بالقلق إزاء تأثير الحرب على الأطفال، فقد قضى العديد منهم وقتًا طويلًا داخل المدارس، يعيشون في ظروف قاسية مليئة بالبرد والجوع والرعب.

ومن المتوقع أن يحتاج الطلاب إلى وقت طويل لاستعادة استقرارهم وتأهيل أنفسهم للعودة إلى الدراسة من جديد.

"جسور بوست" تناقش حال ومستقبل التعليم في قطاع غزة، وسط دمار استمر 100 يوم وقتل للأطفال وهدم للمدارس وتشريد للأهالي.

تحقيق: قصف 7 مدارس للأونروا بغزة بـ2014 | سكاي نيوز عربية

مأساة وتدمير ممنهج

قال الباحث القانوني بتجمع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية "حرية"، رائد البرش، “إن الأمر مأساوي، لقد تعمد الاحتلال العمل على خلاف قواعد القانون الدولي، واستهدف التعليم والمسيرة التعليمية وذلك من خلال السلوك الممنهج لقوات الجيش الاسرائيلي وتدمير المدارس وتفحيرها وكذلك استهداف كل ما يمكنه المساهمة في العملية التعليمية ويشارك في تقدمها وتطورها، حيث إن الحرب كان لها أثر مباشر وكبير على التعليم، وأصبح التعليم غير متاح لكافة الأطفال لأسباب مباشرة أو غير مباشرة وذلك بقطع الاتصال والتواصل وغيرها من مشكلات تسبب فيها الاحتلال".  

وأضاف البرش، في تصريحات لـ"جسور بوست": “تعمد الاحتلال تعطيل المسيرة التعليمية من خلال تهجير أبناء الشعب الفلسطيني، كيف لأسر تنزح كل يوم من مكان أن تستقر وتلحق أطفالها بالمدارس، وأين هي تلك المدارس التي سيذهب إليها الأطفال، وأين هؤلاء الأطفال، لقد تحولت اهتمامات الأطفال من التعليم الى المساهمة المباشرة في تذويب صعوبة الحياة ومشاركة الأهل في جلب مقومات الحياة من مياه أو طعام أو المساعدة في صناعته”.  

واستطرد، استهداف المدارس يشكل جريمة وفقا لأحكام القانون الدولي وميثاق روما، كونه أسلوبا ممنهجا ناجما عن تخطيط وإصرار من قبل سلطات الاحتلال، إن هذه الحرب ونتائجها قد تظهر بشكل كبير وعلى مدى ليس بقصير، حيث تظهر حجم الجريمة الكبيرة من خلال استهداف عشرات المدارس وتضرر المئات منها وكذلك استمرار إشغالها من النازحين نتيجة تدمير البنية التحتية وما يزيد على ٧٠% من المنازل في مدينة غزة ما يعني استمرار إشغالها من المواطنين، وكذلك ما أصاب هذه المدارس من أضرار نتيجة استخدامها من قبل النازحين وحاجتها الماسة للصيانة.

سيناريو مرتقب في طريق صفقة القرن بقلم رائد محمد البرش | دنيا الرأي

رائد البرش

وأتم، حتى إن التعليم الإلكتروني أيضًا سيواجه صعوبة كبيرة في إمكانية العمل وذلك بسبب تدمير البنية التحتية وقطع الاتصالات، ولا توجد أنظمة بديلة.. في الحرب الحالية استخدم الاحتلال أكبر قوة نارية عرفها التاريخ الحديث على هذه البقعة الجغرافية الصغيرة، كما أنه في ظل تلك الظروف فالأطفال في حالة نزوح مستمر ولا يوجد أي حالة من الاستقرار.

التعليم البديل   

من جانبه، قال الحقوقي الفلسطيني، محمود الحنفي، إن مشكلات التعليم في قطاع غزة بعد الحرب ليست قضية بسيطة، فالتدمير الشامل للمدارس والبنية التحتية التعليمية، وفقدان المعلمين، وتأثيرات الصدمة النفسية على الطلاب تشكل تحديات كبيرة، ومع ذلك، يمكننا أن نجد آفاقًا للأمل في التعليم البديل، مثل التعليم في المخيمات والملاجئ، وبرامج الدعم النفسي والاجتماعي، لكن كل هذا سيحتاج إلى وقت طويل ويشترط وقف الحرب.

وأضاف الحنفي، في تصريحات لـ"جسور بوست": يجب على المجتمع الدولي والجهات المعنية العمل معا لتوفير الدعم اللازم لإعادة بناء المدارس المدمرة وتقديم التعليم البديل الفعال للطلاب في قطاع غزة، حتى يتمكنوا من الحصول على فرصة تعليمية مستدامة والتغلب على آثار الحروب الدامية، وهناك عدة جهات يمكنها العمل على توفير التعليم البديل في قطاع غزة، تشمل هذه الجهات المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والمؤسسات الخيرية والمجتمع المحلي.

وتابع: يعمل هؤلاء المنظمون على تقديم برامج ومبادرات تعليمية لتعزيز فرص التعلم في ظروف صعبة، ومن بين الجهات المعنية التي تعمل في غزة الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، وتضمن جهودها توفير التعليم الأساسي في مدارسها الخاصة باللاجئين وتقديم الدعم اللازم للمعلمين والطلاب، أيضًا منظمة اليونيسف (الأمم المتحدة للطفولة)، وتعمل اليونيسف على تحسين حياة الأطفال في جميع أنحاء العالم، وتوفير الحماية والرعاية والفرص للتعلم في غزة، وتعمل اليونيسف على توفير التعليم البديل والدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين تأثروا بالحرب.

الحنفي لـ

محمود الحنفي

واستكمل: المشكلة أن هذه الجهات وغيرها استنزفت خلال الحرب، حتى في حال توقف الحرب ستحتاج إلى تجهيزات للمدارس وإعداد للمعلمين وتهيئة الأطفال، ولذا إعادة إعمار غزة ستحتاج إلى وقت طويل، نحن نتحدث في حال توقف الحرب فما بالنا وما زلنا نعاني ويلاتها، مؤكدًا أن الجهات الحكومية المحلية تلعب دورًا مهمًا في توفير التعليم البديل في غزة، حال وقف الحرب.

خطة نهوض

وقال الأكاديمي والخبير الاقتصادي، الدكتور رشاد عبده، إنه لتحقيق النهوض بالعملية التعليمية في قطاع غزة بعد حرب استنزفته، لا بد من وضع خطة شاملة وهناك عدة جوانب تجب مراعاتها، أولها إعادة بناء البنية التحتية التعليمية، ويجب إعادة إعمار المدارس والمرافق التعليمية التي تضررت خلال الحرب، ويشمل ذلك إصلاح وتجديد البنية التحتية التي تم تدميرها وتجهيز المدارس بالأثاث والمعدات التعليمية اللازمة، أيضًا توفير الموارد المالية، فيمكن ذلك من خلال زيادة الاستثمارات المحلية وجذب المساعدات الدولية والتعاون مع المنظمات غير الحكومية والجهات الدولية لتوفير التمويل اللازم، كل هذا وأكثر يجب الاستعداد به، حيث إن تأثير الحرب اقتصاديًا على قطاع غزة شديد ويشمل ذلك تدمير البنية التحتية الاقتصادية والبنية التحتية التعليمية، وفقدان فرص العمل، وتفاقم الفقر والبطالة، هذه العوامل تؤثر سلبًا على التعليم في المنطقة. 

وأضاف عبده، في تصريحات لـ"جسور بوست": يعاني قطاع التعليم من نقص في الموارد المالية، ما يؤثر على قدرة المدارس على توفير بيئة تعليمية مناسبة وتوفير المواد التعليمية الأساسية، علاوة على ذلك قد يتسبب التوتر النفسي والاجتماعي الناجم عن الحرب في تراجع تركيز الطلاب وقد يؤثر على تحصيلهم الدراسي وقدرتهم على التعلم بشكل فعال، لذا، من المهم توفير الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب والمعلمين للتعامل مع التأثيرات النفسية والاجتماعية للحرب.

واستطرد: يجب أن تشتمل خطة النهوض تقديم برامج تدريب مكثفة للمعلمين وتعزيز قدراتهم في تقديم التعليم بالجودة المناسبة وتشمل هذه البرامج تدريبًا على استخدام التكنولوجيا التعليمية وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب، وكذلك تعزيز استخدام التكنولوجيا في التعليم لتعزيز الوصول إلى المعرفة وتوفير فرص التعلم عن بُعد، كما يمكن توفير الحواسيب والإنترنت والمحتوى التعليمي الرقمي للمدارس والطلاب، ولا ننسى الاستثمار في تعزيز التعليم الفني والمهني لتوفير مهارات تمكن الشباب من دخول سوق العمل وتحسين فرصهم المستقبلية. 

رشاد عبده : قرض صندوق النقد الدولي شهادة لجذب الاستثمارات الأجنبية

رشاد عبده

وأتم: يمكن أيضًا تقديم برامج التوعية والمشورة للطلاب وأولياء الأمور لتعزيز صحة الطلاب العقلية والنفسية وتعزيز الدعم الاجتماعي.. بشكل عام، يتطلب نهوض العملية التعليمية في قطاع غزة جهودًا متكاملة من الحكومة المحلية والجهات الدولية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المحلي، ويجب أن تتعاون هذه الجهات لتوفير التمويل المناسب وتحسين البنية التحتية التعليمية وتدريب المعلمين وتعزيز استخدام التكنولوجيا في التعليم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية