الإجهاض في بريطانيا.. عندما يصبح الحمل عبئاً مالياً لا يُحتمل
الإجهاض في بريطانيا.. عندما يصبح الحمل عبئاً مالياً لا يُحتمل
تحت ضغط فاتورة الحياة المرهقة، تُجبر نساء في بريطانيا على التخلي عن حلم الأمومة، فبدلاً من أحضان طفل يملأ حياتهن بالسعادة، يُضطررن إلى إنهاء حلم الحمل لأسباب مالية.
ووصل عدد حالات الإجهاض في إنجلترا وويلز إلى مستوى قياسي بلغ أكثر من ربع مليون حالة في عام 2022، بزيادة مقلقة بنسبة 17% مقارنة بالعام السابق.
ويرجع خبراء الصحة هذه الزيادة المُخيفة إلى أزمة تكاليف المعيشة التي تُثقل كاهل الأسر وتُجبرها على اتخاذ قرارات صعبة، بما في ذلك التخلي عن حلم الإنجاب.
أرقام صادمة تروي حكاية أزمة، حيث إن هناك 251,377 حالة إجهاض في إنجلترا وويلز عام 2022، والتي تمثل أعلى رقم منذ صدور قانون الإجهاض، تزيد بنسبة 17% على عام 2021، وتُشير إلى تفاقم الأزمة، كما أن معدل الإجهاض أعلى بنسبة 50% بين النساء في المناطق الأكثر حرمانًا، فيما أعلنت 6 من كل 10 نساء أعلن أن العوامل المالية أثرت على قرار الإجهاض، وأكثر من ثلث النساء لم تتمكن من الحصول على وسائل منع الحمل المناسبة.
وتُشير البيانات والآراء المتراكمة إلى أن الضغوط المالية تُشكل العامل الرئيسي وراء هذه الزيادة المُقلقة في حالات الإجهاض.
وأظهرت دراسة حصرية لمنظمة "Marie Stopes International" أن 87% من الآباء الذين يستخدمون بالفعل دعم رعاية الأطفال يقولون إن التكلفة تمنعهم من إنجاب المزيد من الأطفال.
وتشير التقارير إلى أن هناك عوامل أخرى تُسهم في تفاقم الأزمة منها صعوبة الحصول على وسائل منع الحمل، حيث أكد أكثر من ثلث النساء في استطلاع "BPAS" أنهن لم يتمكن من الحصول على وسائل منع الحمل المناسبة، ما يُؤدي إلى حالات حمل غير مرغوب فيها.
وتكشف التقارير عن أن الدعم الحكومي المتاح للأمهات العازبات والأسر ذات الدخل المنخفض غير كافٍ لتغطية احتياجاتها الأساسية، ما يضطر بعضهن إلى اتخاذ قرارات صعبة مثل الإجهاض.
ولا تزال ثقافة الوصم تُحيط بعمليات الإجهاض في بعض المجتمعات، مما يُثني بعض النساء عن طلب المساعدة الطبية اللازمة، وتُمثل هذه الأرقام المُقلقة دعوة ملحة للحكومات والمنظمات المعنية لاتخاذ خطوات عاجلة للحد من هذه الظاهرة، من خلال توفير وسائل منع الحمل بسهولة وبأسعار معقولة، وزيادة الدعم الحكومي للأمهات العازبات والأسر ذات الدخل المنخفض، ونشر الوعي حول صحة المرأة وحقوقها الإنجابية.

دور المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في دعم النساء
وعلّقت البرلمانية السابقة والحقوقية التونسية، ليلى حداد، بقولها: تؤثر الأزمة الاقتصادية بشكل مباشر على قدرة النساء على تلبية احتياجاتهن الأساسية، بما في ذلك حقوقهن الإنجابية والصحية، وقد أظهرت البيانات الرسمية ارتفاعًا قياسيًا في عدد حالات الإجهاض، مما يعكس تأثير الضغوط الاقتصادية على القرارات الشخصية للنساء، في هذا السياق يلعب المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية دورًا حيويًا في دعم النساء المتأثرات بالأزمة الاقتصادية، وتعتبر الرعاية الصحية ووسائل منع الحمل من أهم الحقوق الأساسية التي يجب أن تكون متاحة لجميع النساء، وفي ظل الأزمة الاقتصادية تزداد صعوبة الوصول إلى هذه الخدمات، ما يزيد من معدلات الحمل غير المرغوب فيه والإجهاض، ويمكن للمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لعب دور محوري في هذا الجانب من خلال التوعية والتثقيف.
وأضافت حداد، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنه على المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني تنظيم حملات توعوية لتثقيف النساء حول وسائل منع الحمل المختلفة وكيفية استخدامها بفاعلية، ويمكن استخدام وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية للوصول إلى جمهور واسع، كما يجب تقديم برامج تعليمية في المدارس والمجتمعات المحلية لزيادة الوعي بحقوق الصحة الإنجابية وأهمية التخطيط الأسري، أيضًا الخدمات الصحية المجانية أو المدعومة وإنشاء عيادات متنقلة ومراكز صحية في المناطق الأكثر حرمانًا لتقديم خدمات الصحة الإنجابية والرعاية الصحية الأساسية مجانًا أو بأسعار مدعومة، أيضًا توزيع وسائل منع الحمل مجانًا أو بأسعار رمزية لضمان حصول النساء على الخيارات اللازمة لتجنب الحمل غير المرغوب فيه.
واستطردت: في ظل الأزمة الاقتصادية تحتاج النساء إلى دعم مالي واجتماعي يمكنهن من تجاوز التحديات اليومية، ويمكن للمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية تقديم هذا الدعم من خلال تقديم مساعدات مالية مباشرة للأسر ذات الدخل المنخفض والنساء العازبات لدعمهن في تلبية احتياجاتهن الأساسية والحد من الضغوط الاقتصادية التي تدفعهن إلى اتخاذ قرارات صعبة مثل الإجهاض، وتوفير منح طارئة للنساء اللائي يواجهن أزمات مالية حادة، مثل فقدان الوظيفة أو ارتفاع فواتير المعيشة، أيضا تقديم خدمات الاستشارة والدعم النفسي للنساء المتأثرات بالأزمة الاقتصادية لمساعدتهن على التعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية، وإنشاء مجموعات دعم محلية تجمع النساء لمشاركة تجاربهن وتقديم الدعم المتبادل، مما يساعد في بناء شبكة من التضامن الاجتماعي.
وتابعت: لا يمكن تحقيق دعم مستدام للنساء المتأثرات بالأزمة الاقتصادية دون تعزيز السياسات الداعمة والدعوة إلى التغيير، ويلعب المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية دورًا رئيسيًا في هذا الجانب من خلال تنظيم حملات ضغط على الحكومة لصياغة سياسات تعزز الدعم للنساء والأسر ذات الدخل المنخفض، بما في ذلك زيادة الدعم المالي والرعاية الصحية.

وأتمت: يجب العمل على تعزيز التشريعات والسياسات التي تضمن حقوق المرأة في الصحة الإنجابية وتوفير الدعم اللازم للأمهات العازبات والنساء في الأزمات، والتعاون مع الحكومات المحلية والوطنية، وإقامة شراكات مع السلطات المحلية لتطوير وتنفيذ برامج دعم مخصصة للنساء المتأثرات بالأزمة الاقتصادية، ومشاركة البيانات والأبحاث مع الجهات الحكومية لجمع وتحليل البيانات لتحديد المناطق والفئات الأكثر احتياجًا، وبالتالي توجيه الجهود والموارد بشكل أكثر فاعلية.
التأثير النفسي والاجتماعي للإجهاض
وبدوره، علق الأكاديمي وخبير علم النفس، طه أبو الحسن، بقوله، إن النساء تواجه تحديات متزايدة تؤثر بشكل مباشر على قراراتهن المتعلقة بالصحة الإنجابية، أحد هذه القرارات الصعبة هو الإجهاض، الذي يرتبط بتداعيات نفسية واجتماعية عميقة، فتعاني النساء من تأثيرات نفسية معقدة بعد الإجهاض، خاصة إذا كان القرار ناتجًا عن ضغوط اقتصادية، الذنب والخسارة من أكثر المشاعر شيوعًا بين النساء اللائي خضعن للإجهاض، هذه المشاعر تتضخم عندما يكون الدافع وراء القرار هو الضغوط الاقتصادية، مما يؤدي إلى حالات اكتئاب واضطرابات نفسية أخرى.
وأضاف أبو الحسن، في تصريحات لـ"جسور بوست": القلق المستمر بشأن الصحة الإنجابية والمستقبل العائلي هو تأثير نفسي آخر، هذا القلق يتفاقم بسبب الضغوط المالية وعدم الاستقرار الاقتصادي، مما قد يؤدي إلى اكتئاب شديد قد يستمر لفترات طويلة إذا لم يتم تقديم الدعم النفسي المناسب، مشيرا إلى أن العزلة الاجتماعية شعور شائع بين النساء بعد الإجهاض، خصوصًا إذا لم يتلقين الدعم الكافي من العائلة والأصدقاء، أيضًا الوصم الاجتماعي المرتبط بالإجهاض يمكن أن يزيد من هذه المشاعر، حيث تجد النساء أنفسهن بدون شبكات دعم قوية، مما يعزز الشعور بالوحدة.
وتابع، تتجاوز تأثيرات الإجهاض الجانب النفسي لتشمل التأثيرات الاجتماعية، والتي تتمثل في الوصم الاجتماعي، ولا تزال بعض المجتمعات تنظر إلى الإجهاض بنظرة سلبية، مما يؤدي إلى وصم النساء اللاتي يجرين عمليات الإجهاض، هذا الوصم يمكن أن يؤدي إلى تهميش النساء وعزلتهن عن المجتمع، والتأثير على العلاقات الأسرية والاجتماعية، حيث قد تتعرض النساء لانتقادات من أفراد العائلة أو الأصدقاء، حيث قد يشعر الأزواج بالضغط والتوتر نتيجة للقرار، وقد يؤدي هذا إلى تفاقم النزاعات العائلية، مما يجعل من الصعب على النساء اللائي لديهن أطفال التوفيق بين رعاية أطفالهن والتعامل مع الآثار النفسية للإجهاض.
واستطرد أبو الحسن: للتخفيف من هذه التأثيرات النفسية والاجتماعية يمكن تقديم الدعم المناسب من خلال عدة وسائل، منها توفير خدمات الاستشارة النفسية للنساء اللائي يعانين من الآثار النفسية للإجهاض، أيضًا الجلسات النفسية يمكن أن تساعد في معالجة مشاعر الذنب والخسارة والقلق، وإنشاء مجموعات دعم تجمع النساء اللائي مررن بتجارب مشابهة يمكن أن يكون مفيدًا، هذه المجموعات توفر بيئة آمنة لتبادل المشاعر والتجارب.
وقال إنه على المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية تنظيم حملات توعية لتقليل الوصم الاجتماعي المرتبط بالإجهاض، أيضًا تعزيز فهم المجتمع لحقوق المرأة الصحية والإنجابية مهم لتخفيف الضغوط الاجتماعية، كذلك توفير شبكات دعم مجتمعية تشمل الأصدقاء والعائلة يمكن أن يساعد النساء على التعامل مع الآثار النفسية والاجتماعية للإجهاض، ويمكن أن تشمل هذه المساعدات دعم رعاية الأطفال والمساعدات الغذائية، وتقديم برامج تدريبية تهدف إلى تمكين النساء اقتصاديًا وزيادة فرصهن في الحصول على وظائف مستقرة يمكن أن يساعد في تقليل الضغوط المالية.

وتابع أبو الحسن: الوصم الاجتماعي المرتبط بالإجهاض يمكن أن يكون عائقًا كبيرًا أمام حصول النساء على الدعم اللازم، يجب على المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية العمل على مكافحة هذا الوصم وتعزيز حقوق المرأة من خلال إطلاق حملات إعلامية تهدف إلى مكافحة الوصم المرتبط بالإجهاض وتعزيز فهم حقوق المرأة الإنجابية كجزء من حقوق الإنسان، وتنظيم ورش عمل وندوات للتثقيف حول أهمية دعم حقوق المرأة في مختلف المجتمعات، خاصة في المناطق الأكثر حرمانًا.
وأتم، هناك ضرورة لتطوير برامج تمكين المرأة التي تعزز مشاركتها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مما يزيد من قدرتها على الدفاع عن حقوقها واتخاذ قرارات مستنيرة، كذلك تعزيز التعاون بين المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني لتشكيل شبكة قوية تدافع عن حقوق المرأة وتقدم الدعم اللازم لها.