"في انتظار البرابرة".. رواية تفسر سياسة العنف المعادي للأجانب في بريطانيا

نُشرت في ثمانينيات القرن العشرين

"في انتظار البرابرة"..  رواية تفسر سياسة العنف المعادي للأجانب في بريطانيا

يُذَكِر العنف اليميني المتطرف ضد الأجانب في المملكة المتحدة هذه الأيام بقوة برواية "في انتظار البرابرة" لجيه إم كوتزي.

يصف الروائي الجنوب إفريقي، جيه إم كوتزي، الذي فاز بجائزة نوبل في الأدب عام 2003، بروايته "في انتظار البرابرة"، التي نُشرت في ثمانينيات القرن العشرين، لماذا وكيف يندلع العنف اليميني المتطرف ضد الأجانب: لأن المجتمعات كانت تتغذى على الأكاذيب والتحيزات العنصرية لفترة طويلة، حتى تشكل صورة للغرباء -في هذه الرواية- والتي لا علاقة لها بالواقع.

ووفقا لتحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" يربط بين ما جاء به "كوتزي" في روايته والواقع الحالي فى المملكة المتحدة، فان الشخصية الرئيسية في الرواية، والتي حولها فيليب جلاس إلى أوبرا في عام 2005، هو قاضٍ في منتصف العمر يدير مستوطنة حدودية نائمة لإمبراطورية مجهولة الاسم لسنوات، لا يحدث شيء على الإطلاق في القرية أو في المدن والقرى المجاورة.. الجميع يعرف الجميع.

وقام رعايا الإمبراطورية والبرابرة الذين يعيشون على الجانب الآخر من الحدود سهلة الاختراق، بثني القواعد حتى يتمكن الجميع من ممارسة أعمالهم دون إزعاج الآخرين، حيث يأتي البرابرة إلى القرية للحصول على الطعام والدواء ثم يعودون إلى ديارهم بعد ذلك.

يجب على القاضي تنفيذ قواعد الإمبراطورية ولكنه يحاول القيام بذلك بطريقة إنسانية حميدة، عندما تكون هناك غارة على الماشية من حين لآخر، على سبيل المثال، يتحدث بجدية مع أولئك الذين قاموا بذلك، ونادرًا ما يأخذ السجناء، وعندما يفعل ذلك، يتم إطعامهم والحفاظ على نظافتهم وغالبًا ما يتم إطلاق سراحهم مبكرًا، قائلا: "طوال حياتي كنت أؤمن بالسلوك المتحضر.. لا تفيد الصراعات أحدًا ويجب تجنبها.. كل شيء ليس مثاليًا بالتأكيد، لكنه يحافظ على السلام.. تعيش المجتمعات بهدوء إلى حد ما جنبًا إلى جنب".

ثم، في يوم من الأيام، يزور القرية وفد من جهاز المخابرات الإمبراطورية (المكتب الثالث)، بقيادة العقيد جول. جول، وهو بيروقراطي صارم، مقتنع بأن القبائل البدوية تستعد سراً لشن هجوم على الإمبراطورية، ويقود رحلة بحثًا عن المتمردين والراديكاليين ويعود إلى المستوطنة مع العديد من المشتبه بهم مقيدين بالسلاسل.

فجأة، امتلأ السجن.. يتعرض السجناء للإذلال والتجويع والتعذيب.. يحاول القاضي إيقاف هذا “هؤلاء صيادون، وليسوا متمردين!”، لكن العقيد جول يتجاهله ويستمر في تعذيب البرابرة حتى "يعترفوا" جميعًا.

بعد رحيل العقيد، يطعم القاضي السجناء ويرسل معظمهم إلى منازلهم، أحدهم فتاة بدوية..  يعتني بجروحها،  في النهاية، يعيدها إلى قبيلتها.. عندما يعود إلى المنزل، ويعود “جول”، يتم اتهام القاضي بالخيانة، والتواطؤ مع العدو، ويلقى به في نفس السجن الذي يحتجز فيه البرابرة.

لم يأتِ أحد لإنقاذ القاضي، فقد أصبح العديد من القرويين في حالة هيستيرية مثل العقيد، أما البقية فقد اختفوا عن الأنظار.. والآن أصبح كل بربري يبدو لهم وكأنه إرهابي، وأصبح أي سلوك كان عادياً في السابق موضع شك.

وفي النهاية، بطبيعة الحال، تدمر القرية نفسها، دون أن يهاجمها بربري واحد، لقد تحولت إلى خراب.. غادر معظم الناس، بما في ذلك العقيد وشعبه.

رغم أن الرواية نُشرت في عام 1980، فإنها ذات صلة قوية بعصرنا، إن "كوتزي"، الذي صور في روايته "إمبراطورية" جنوب إفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري، يوضح مدى سهولة قيام قِلة من المتعصبين بتحويل المجتمعات التي تمكنت منذ فترة طويلة من العيش في سلام ضد بعضها البعض.

كل ما يحتاجون إلى القيام به هو زرع شائعات كاذبة مخيفة حول مجموعة معينة، ودمجها في سرد ​​أكبر حول السيادة والوطنية والأمن، ثم البدء في ضخ هذه الرواية في كل مكان.. وإذا كان المواطنون خائفين بما فيه الكفاية، فإنهم على استعداد لتصديق كل شيء.

وكما قال مهندس دولة الشرطة النازية لأدولف هتلر، هيرمان جورينج، عندما سُئل عن كيفية جعل الشعب الألماني يقبل النازية: "يمكن دائمًا جلب الناس إلى أوامر القادة، هذا سهل.. كل ما عليك فعله هو إخبارهم بأنهم يتعرضون للهجوم وإدانة دعاة السلام لافتقارهم إلى الوطنية وتعريض البلاد للخطر".

في هذه الرواية القاتمة، أصدر "كوتزي" إدانة قوية ومبدئية لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، الذي كان لا يزال قائما آنذاك.

واليوم، لا تقل أهمية هذه الرواية عن "البلطجة اليمينية المتطرفة" في المملكة المتحدة، كما قال رئيس الوزراء كير ستارمر في نهاية الأسبوع الماضي، عندما يشعل الساسة اليمينيون المتطرفون نيران الكراهية العنصرية والدينية لسنوات، والتي تتضخم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والصحف التي تصف المهاجرين وطالبي اللجوء بالمجرمين، في مرحلة ما، سيتم استهداف المجتمعات والمساجد المسلمة، وسيتم إشعال النار في مراكز اللجوء، وستُرى التحية النازية في الشارع.

إن رسالة كوتزي، التي عبر عنها القاضي، هي أن الخطر الحقيقي في المجتمع "يأتي دائمًا من الداخل".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية