صراع الأمهرة والحكومة الإثيوبية.. هل يقود التصعيد إلى زيادة الانتهاكات الحقوقية؟

وسط تقارير أممية بارتكاب جرائم جسيمة في الإقليم

صراع الأمهرة والحكومة الإثيوبية.. هل يقود التصعيد إلى زيادة الانتهاكات الحقوقية؟
التوتر في إثيوبيا

بانتهاكات مستمرة ومتواصلة ضد إقليم أمهرة، الذي يشهد تمردا مسلحا ضد الحكومة الفيدرالية، تثار مخاوف دولية من تكرار الجرائم وإطالة أمد الصراع بحق هذه الأقلية المضطهدة في إثيوبيا. 

ومنذ أبريل 2023، دخلت الحكومة الفيدرالية في صراع مع جماعة فانو، وهي مليشيا شعبية "للدفاع عن النفس" تابعة لعرقية الأمهرة، ثاني أكبر جماعة قومية في إثيوبيا، وذلك على خلفية محاولات الحكومة نزع سلاح فانو.

وفرضت الحكومة الإثيوبية، في أغسطس 2023 حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في أعقاب اندلاع اشتباكات مسلحة واسعة النطاق بين قوات الدفاع الوطنية الإثيوبية وميليشيا فانو في منطقة أمهرة التي يسكنه حوالي 23 مليون نسمة، ونشر الجيش الإثيوبي عددا كبيرا من الجنود في أنحاء المنطقة.

ومؤخرا حذرت منظمة العفو الدولية (غير حكومية، مقرها لندن)، من تردي الأوضاع إثر التقاط صور للأقمار الصناعية في أكتوبر الماضي، تظهر امتلاء معسكرات الاحتجاز المؤقتة في جميع أنحاء منطقة أمهرة بآلاف المدنيين، داعية إلى إنهاء الاحتجاز الجماعي التعسفي المستمر منذ شهر لآلاف الأشخاص في منطقة أمهرة.

وأقرت المنظمة الدولية في تقرير، بأن إثيوبيا دخلت حقبة جديدة من تجاهل الالتزامات الوطنية والإقليمية والدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث استُخدمت الاعتقالات الجماعية التعسفية كأدوات سياسية لإسكات المعارضة السلمية، وغالبا تحت ستار قوانين الطوارئ الشاملة، وما نشهده في منطقة أمهرة يُظهر أن الاعتقالات الجماعية التعسفية أصبحت تكتيكا روتينيا.

ووثقت المنظمة حالات مختلفة من الاعتقال الجماعي واحتجاز آلاف الإثيوبيين حالياً في أربعة معسكرات مؤقتة رئيسية للاعتقال في بلدات دانجلا، وسيرابا (شيلجا)، وشوريسا (كومبولتشا)، وشوا روبيت، إذ تقوم السلطات ببناء غرف احتجاز إضافية من صفائح معدنية في معسكر دانجلا بسبب الاكتظاظ في المساحات الموجودة. 

ولم يصدر أي بيان من السلطات الإثيوبية بشأن تلك المعلومات التي أوردتها منظمة العفو الدولية بشأن تلك المعسكرات. 

في السنوات الأخيرة، عانت أقلية الأمهرة من التمييز والعنف في بعض مناطق إثيوبيا، خاصةً في إقليمي أوروميا وبني شنقول-جوموز، حيث اندلعت أعمال عنف ضد الأمهرة في عدة مناطق، ما تسبب في نزوح مئات الآلاف ومقتل الآلاف، تم اتهام بعض المجموعات المسلحة باستهداف الأمهرة بشكل منهجي، مما زاد من تعقيد الوضع في إثيوبيا.

بواطن الأزمة

ولا تزال العمليات العسكرية الإثيوبية بالأمهرة مهددة لمسار السلام الأهلي، إذ أعلن الجيش الإثيوبي في أكتوبر الماضي، إطلاق عملية عسكرية كبرى ضد مليشيا فانو بمنطقة الأمهرة؛ على إثر اتهام المجموعة المتمردة بعدم الاستجابة لمبادرة السلام التي طرحتها الحكومة الفيدرالية. 

وقال المتحدث باسم الجيش الإثيوبي العقيد جيتنت أداني، آنذاك، إن قوات الدفاع الوطني الإثيوبية نسقت مع قوات الأمن في إقليم الأمهرة وأطلقت عملية عسكرية مُشتركة ضد عناصر مليشيا فانو المتمردة، مُتهماً المجموعة برفض مبادرة السلام التي طرحتها الحكومة الإثيوبية، وألمح المتحدث باسم الجيش إلى أن القوات الحكومية قررت اللجوء للقوة لفرض سيطرتها الكاملة على الإقليم. 

في المقابل، أعلنت مليشيا فانو قيام عناصرها بقتل قيادي في الجيش الإثيوبي و270 آخرين من القوات الإثيوبية، وذلك في إطار المعارك العنيفة التي استمرت ليومين في منطقة "جوجام"؛ إذ أعلنت المليشيا الأمهرية فرض سيطرتها الكاملة على هذه المنطقة، وتدميرها معسكراً لقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية. 

ومليشيات فانو هي مجموعة مسلحة غير نظامية مرتبطة بشكل أساسي بمجتمع الأمهرة في إثيوبيا، وتُعتبر حركة ذات طابع قومي أثني نشأت بشكل رئيسي للدفاع عن مصالح الأمهرة في ظل الصراعات العرقية والسياسية المتصاعدة في البلاد.

وترتبط الاشتباكات الراهنة في إقليم الأمهرة بالمعارك التي كانت قد اندلعت في المنطقة منذ منتصف العام الماضي بين القوات الفيدرالية وعناصر مليشيا فانو الأمهرية، والتي كانت قد شاركت سابقاً في دعم الجيش الإثيوبي في حربه ضد جبهة تحرير التيغراي عام 2020.

لكن اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة الإثيوبية مع جبهة تحرير التيغراي، في نوفمبر 2022، أدى إلى تصدع العلاقات بين أديس أبابا ومليشيا فانو، وكثير من قومية الأمهرة؛ إذ تم اعتباره بمثابة تخلٍّ من قبل حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد عن تعهداته السابقة بمنح الأمهرة بعض الأراضي من إقليم التيغراي.

وتفاقمت الخلافات بين الطرفين في أعقاب قرار الحكومة الإثيوبية الخاص بنزع سلاح القوات شبه العسكرية الإقليمية في مُختلف الأقاليم الإثيوبية، وهو القرار الذي رفضته مجموعة فانو المسلحة، وعمدت إلى حمل السلاح ضد الحكومة الإثيوبية بدايةً من إبريل 2023.

ورغم تراجع وتيرة الاشتباكات المسلحة بين القوات الحكومية ومليشيا فانو خلال الأشهر الماضية، في ظل الحديث عن مُبادرة للسلام، كانت تستهدف أديس أبابا من خلالها التوصل لاتفاق مع المجموعة لنزع سلاحها دون الدخول في مواجهات عنيفة، فشلت هذه المُبادرة في التوصل لاتفاق سلام بين الجانبين؛ الأمر الذي أدّى إلى تجدد المواجهات المسلحة بينهما.

توازنات القوى

وبحسب تقدير موقف لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة (غير حكومي، مقره أبو ظبي)، فإن صراعات عرقية راسخة تعكس الأزمة الراهنة في إقليم الأمهرة الإثيوبي، والتي تتمثل بالأساس في الانقسامات العرقية والصراعات التقليدية بين هذه العرقيات المختلفة، التي يتجاوز عددها 80 عرقية، أبرزها الأورومو والأمهرة والتيغراي وغيرها.

وأوضح التقرير البحثي أن ثمة عداء تاريخيا بين عرقيتي التيغراي والأمهرة؛ إذ ترى الأخيرة أن لها حق في بعض الأراضي التابعة إدارياً لإقليم التيغراي، وأن هيمنة جبهة تحرير التيغراي على المشهد السياسي منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى عام 2018؛ أدت إلى استحواذها على هذه الأراضي. 

وفشلت الأمهرة في الضغط على رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، لمنحهم هذه الأراضي والنص على ذلك في اتفاق السلام مع التيغراي بنهاية عام 2022؛ أدى ذلك إلى تأجيج الصراع العرقي القديم بين التيغراي والأمهرة. 

ورجح التقرير تصاعد الاشتباكات بين القوات الحكومية وعناصر فانو بإقليم الأمهرة؛ الذي يمكن أن يؤدي إلى تمدد هذه التوترات إلى مزيد من الأقاليم الإثيوبية، وإعادة هيكلة التحالفات القائمة، لا سيما في ظل العلاقات المتوترة للحكومة الفيدرالية في أديس أبابا مع بعض القوميين من العرقيات الإثيوبية المختلفة.

يأتي ذلك بخلاف احتمالية أن تعمد الحكومة الإثيوبية إلى محاولة تحقيق حسم عسكري على مليشيا فانو قائمة بقوة، في إطار الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة بالنسبة لأديس أبابا، وهو ما قد يزيد من تصاعد حدّة المواجهات المسلحة خلال الفترة المقبلة.

وتحقيق هذا الحسم العسكري لا يبدو مهمة سهلة بالنسبة للقوات الإثيوبية، في ظل التكتيكات المختلفة التي تتبعها فانو، فضلاً عن الدعم العرقي الذي ربما تحظى به الأخيرة من قبل بعض المجموعات المسلحة في إقليم الأمهرة، إضافة إلى احتمالية حصولها على دعم خارجي.

وأشار التقرير إلى أن سيناريو التفاوض يظل هو أحد البدائل المطروحة لتسوية هذا الصراع، إذ ربما تعمد الحكومة الإثيوبية إلى الضغط عسكرياً على المجموعة من أجل دفعها للتوصل لاتفاق سلام على غرار اتفاق السلام مع جبهة تحرير التيغراي.

طوق النجاة الوحيد

بدوره قال الكاتب المتخصص في الشؤون الإفريقية عطية عيسوي، إن الحكومة الإثيوبية في صراع مع عرقية الأمهرة، وهذا قد يزيد التوتر ويدفع الأمور لأوضاع لا تحمد عقباها، لا سيما وأن الصراع المسلح يقود إلى تزايد الاعتقالات والانتهاكات، ما يؤدي إلى تنامي حالة الغضب واستخدام السلاح وقد يدفع إلى حرب أهلية واسعة.

وأوضح عيسوي في تصريح لـ"جسور بوست"، أن الصراع قائم على عرقية الأمهرة وغيرها من عرقيات أخرى التي تعرضت للظلم وانتهاك الحقوق الاقتصادية والسياسية والتنموية، محذرا من أن تدفع تلك الانتهاكات إلى استمرار الانتقادات الدولية وفرض عقوبات على إثيوبيا.

ومن جانبه، أشار الخبير في الشؤون الإفريقية، عبدالمنعم إدريس، إلى إمكانية وقف هذه الانتهاكات في حال تم التوصل إلى اتفاق سلام ومصالحة شاملة في إثيوبيا، لأن استمرار هذه الممارسات المتمردة ستصاحبه انتهاكات. 

وأضاف إدريس في تصريح لـ"جسور بوست" أن الحكومة الإثيوبية أدركت أن الحلول العسكرية لا تجلب استقرارا، وبالتالي لن تصل أديس أبابا لاستقرار الأوضاع سوى بعقد مصالحة وطنية تراعي مطالب القوميات المختلفة في إثيوبيا، قائلا: "ما يجري في إقليم الأمهرة أكبر دليل على ذلك".

وفي يونيو الماضي، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى ضرورة اتخاذ تدابير عملية لوقف انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان التي لا تزال تهدد المصالحة والسلام في إثيوبيا، لافتا إلى أنّ النزاعات العنيفة، لا سيما في إقليمَي أمهرة وأوروميا، أدت إلى انتهاكات وتجاوزات خطيرة لحقوق الإنسان في عام 2023.

وخلال العام الماضي، قُتل ما لا يقل عن 1351 مدنيًا في إثيوبيا في هجمات نفذتها القوات الحكومية والجيش الإريتري والمليشيات المناهضة للحكومة وبعض الجهات الفاعلة مجهولة الهوية، وفق تقارير إعلامية دولية.

ومن بين المدنيين الذين سقطوا، قُتل 740 مدنيًا في أمهرة وحدها، بخلاف استخدام القوات الحكومية للطائرات بدون طيار، ما أسفر عن مقتل 248 مدنيًا، كما دمّر البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، في الفترة الممتدّة بين أغسطس وديسمبر 2023.

وبحسب تقارير أممية، فإن الجهات الحكومية مسؤولة عن نحو 70 بالمئة عن هذه الانتهاكات، في حين كانت الجهات الفاعلة غير الحكومية مسؤولة عن نحو 22 بالمئة منها، مشيرا إلى أن متمردين من الفانو وحلفائهم قتلوا ما لا يقل عن 52 مدنيًا ودمروا ممتلكات المدنيين وهاجموا الطواقم الطبية وحطّموا سيارات الإسعاف، في أعمال عنف استهدفت الموظفين الحكوميين.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية