الإعلام في ظل النزاعات.. أدوات مبتكرة لتغطية الكوارث الإنسانية وحماية الصحفيين

في ضوء انعقاد "الكونغرس العالمي للإعلام" بأبو ظبي

الإعلام في ظل النزاعات.. أدوات مبتكرة لتغطية الكوارث الإنسانية وحماية الصحفيين
صحفي يتعرض لمعاملة عنيفة في فلسطين

يلعب الإعلام دورًا محوريًا في زمن الأزمات والنزاعات، إذ يتحمل مسؤولية كبيرة تتمثل في نقل الحقائق وتوعية الجمهور والتأثير على القرارات السياسية، وهذا الدور يتسم بالتعقيد والتحديات نظرًا لحساسية الظروف المحيطة بالنزاعات.

ويعد الإعلام هو المصدر الرئيسي للمعلومات خلال الأزمات والنزاعات، لا سيما في ظل تقديم تغطية مباشرة وتحديثات مستمرة حول التطورات الأحداث على الأرض، سواء كانت كوارث طبيعية، أو نزاعات عسكرية، أو أزمات إنسانية.

ويشمل دور الإعلام أيضا شرح وتفسير طبيعة الأزمات وأسبابها، بالإضافة إلى تقديم الإرشادات اللازمة للتعامل معها، وإبراز معاناة المتضررين من النزاعات لتشجيع المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية على التدخل.

ويمكن للإعلام أن يكون وسيطًا بين الأطراف المتنازعة من خلال إتاحة منصات لنقاش القضايا الخلافية، والترويج للسلام من خلال تشجيع الخطابات التي تدعو إلى التهدئة والبحث عن حلول سلمية بدلًا من تأجيج الصراع، وتعزيز دور المنظمات الإنسانية عبر نشر تقارير عن احتياجات السكان ودعم جهود الإغاثة.

وفي أثناء النزاعات والأزمات، تزداد الشائعات والمعلومات المضللة التي تؤدي إلى تصعيد التوتر، ما يعول على الإعلام المهني في فضح الأخبار المزيفة وتقديم تغطية موثوقة، لتعزيز الثقة بين الجمهور ومصادر المعلومات، إلى جانب تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم المرتكبة خلال النزاعات.

ويسهم الإعلام في تحميل الجهات المسؤولة تبعات أفعالها خلال النزاعات، سواء كانت حكومات أو جماعات مسلحة، فضلا عن إطلاق حملات تضامن مع الضحايا وجمع الدعم الإنساني والمادي للمتضررين عبر تسليط الضوء على معاناتهم.

ويواجه الإعلام عدة تحديات أثناء النزاعات أو الأزمات، أبرزها الضغوط السياسية، حيث يتعرض للضغوط من أطراف النزاع لنقل روايات محددة أو حجب معلومات، إلى جانب الضغوط التي تفرضها الاستقطابات، الأمر الذي يضر بشكل مباشر على الأخلاقيات المهنية والتوازن بين نقل المعلومات والتحلي بالمسؤولية لتجنب تأجيج النزاع أو الإضرار بالأمن القومي.

ويتطلب دور الإعلام في الأزمات توازنًا دقيقًا بين نقل الحقائق بحيادية وموضوعية، ودعم جهود التهدئة، وتوعية الجمهور، حيث يعتمد نجاح الإعلام في أداء هذا الدور على مدى الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية، والابتعاد عن الانحيازات أو التضليل.

أدوات مبتكرة لتغطية النزاعات

وتتعدد أدوات وسائل الإعلام لتغطية النزاعات والكوارث الإنسانية، إذ تستخدم تقنيات البث المباشر من خلال تطبيقات منصات مثل "فيسبوك لايف" و"يوتيوب لايف" وغيرها والتي تُستخدم لنقل الأحداث فور وقوعها، فضلا عن التصوير بزاوية 360 درجة والواقع الافتراضي (VR) والتي تقدم محتوى يجمع بين التفاعلية والتوثيق، ما يثير تعاطفًا أعمق مع الضحايا.

ويركز الإعلام على جمع وتحليل بيانات من مصادر متعددة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والتقارير الميدانية، لتحديد المناطق الأكثر تضررًا، فضلا عن تسجيل الأحداث من منظور الصحفي، ما يوفر توثيقًا دقيقًا ويعزز الأمان، ويوفر أدلة حال حدوث هجمات أو انتهاكات.

ويعد استخدام وسائل الإعلام لأدوات مبتكرة خطوة مهمة في تحسين جودة تغطية الكوارث الإنسانية، وتعزيز سلامة الصحفيين في بيئات صعبة، والجمع بين التكنولوجيا والتدريب والدعم المؤسسي، وهو الأمر الذي يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في حماية الصحفيين وضمان استمرار التغطية الإعلامية المهنية في بؤر النزاعات.

وتتطلب حماية الصحفيين أثناء تغطية الحروب والصراعات مزيجًا من الحلول التقنية واللوجستية لضمان سلامتهم أثناء أداء مهامهم في بيئات خطرة، والتي يأتي أبرزها أدوات التشفير وحماية البيانات وإخفاء الهوية لحماية المعلومات الحساسة والاتصالات بين الصحفيين وفرقهم.

ويلزم أيضا تدريب الصحفيين على العمل في مناطق النزاع، بهدف تعزيز مهاراتهم للتعامل مع الظروف الصعبة، وتجنب المخاطر والكمائن، والتعامل مع الحشود العنيفة، وتقليل المخاطر الجسدية من خلال ارتداء السترات الواقية من الرصاص والخوذات المقاومة للصدمات والشظايا، والأقنعة الواقية من الغاز في حالة استخدام المواد الكيميائية.

ويشمل التدريب أيضا التوعية بالقوانين المحلية والدولية المتعلقة بعمل الصحفيين في مناطق النزاع، والاستفادة من المنظمات الحقوقية لتوفير الحماية القانونية عند الاعتقال أو الاستهداف، وكذلك تقديم جلسات تأهيل نفسي قبل وبعد التغطية لمساعدة الصحفيين في التعامل مع الصدمات.

وإجمالا تتطلب تغطية الكوارث الإنسانية استخدام أدوات وتقنيات مبتكرة لضمان تقديم معلومات دقيقة وحماية الصحفيين في بيئات خطرة، خاصة أن التطورات التكنولوجية أسهمت في تحسين القدرة على التغطية وتحقيق الأمان للصحفيين أثناء أداء واجبهم. 

تكلفة التغطية في مناطق النزاعات

وقال نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين تحسين الأسطل، إن التحديات التي باتت تواجه العاملين في مجال الإعلام بمناطق النزاعات والحروب تجاوزت مرحلة التعقيدات الميدانية واللوجيستية وبلغت حد القتل مع سبق الإصرار والترصد، حيث يتم استهدافهم بشكل متعمد تحت أنظار العالم، لإخفاء الجرائم والانتهاكات وطمس الحقائق المرعبة التي يتعرض لها المدنيون أثناء الحروب والنزاعات المسلحة.

وأوضح الأسطل، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن السلامة الشخصية للصحفيين والعاملين بالإعلام أصبحت مهددة بشكل صريح من خلال الاستهداف المباشر، والاختطاف، أو التعرض للإصابات أثناء تغطية النزاعات، إلى جانب انعدام الوصول الآمن إلى أماكن الأحداث أو المعلومات.

وأضاف: "التعرض المستمر للمآسي ورؤية مشاهد العنف والقتل والتهجير القسري تؤثر على الصحة النفسية للصحفيين، ما يجعلهم عرضة للأمراض العضوية والاكتئاب والقلق والعزلة والشعور بالوحدة، إضافة إلى التجسس والمراقبة وتعقب الصحفيين إلكترونيًا للوصول إلى مصادرهم أو بياناتهم، وسرقة أو تدمير الأدوات الرقمية التي تحتوي على مواد حساسة".

ومضى الأسطل قائلا: "تكلفة التغطية في مناطق النزاع مرتفعة جدا مقابل تراجع التمويل من المؤسسات الإعلامية، ونقص وسائل النقل، والاتصالات، والإمدادات الأساسية، ما يفرض تحديات كبيرة على الصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة".

وأشار إلى أن القانون الدولي الإنساني يحمي الصحفيين من الاستهداف في مناطق النزاعات والحروب، ولكنْ هناك غياب تام للحماية الدولية للصحفيين أو المساءلة القانونية للجناة أو مرتكبي الجرائم بحق المدنيين في مناطق النزاعات والحروب".

ومن جانبها، أوضحت الصحفية السودانية نضال عجيب، أن الصحفيين في مناطق النزاع يواجهون معاناة جسيمة تتنوع بين المخاطر الجسدية والنفسية، بالإضافة إلى التحديات المهنية والإنسانية، ما يتطلب ضمان محاسبة المعتدين وتوفير الحماية اللازمة للعاملين في الصحافة، الذين يخاطرون بحياتهم لكشف الحقائق وفضح الانتهاكات والتجاوزات.

وقالت عجيب في تصريح لـ"جسور بوست"، إن صعوبة الوصول إلى المعلومات في بؤر النزاع تمنع الصحفيين من دخول مناطق معينة، إلى جانب إصرار أطراف النزاع على السيطرة على الروايات الإعلامية، ما يضع الصحفيين في مأزق بشأن القيود والانحيازات.

ودعت إلى ضرورة ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين واتخاذ كل الإجراءات القانونية لتحقيق العدالة، لا سيما أن هذه الجرائم تتطلب تحقيقات نزيهة ومحاكمات شفافة، تكفل للضحايا وعائلاتهم الإنصاف وتوفر الردع الضروري لمنع تكرار هذه الاعتداءات الوحشية.

ويتعرض الصحفيون في مناطق النزاع والحروب في العالم العربي، إلى تحديات جمة تهدد حياتهم وتحد من قدرتهم على القيام بعملهم بأمان ويتمثل معظمها في التهديدات الأمنية والمخاطر الصحية، حيث يعمل الصحفيون في بيئات شديدة الخطورة ويتعرضون للقصف والاعتداءات المباشرة، رغم ارتدائهم ملابس تحمل علامات واضحة تدل على هويتهم الصحفية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية