«تُعلي روح المحبة والتسامح».. الأعياد الدينية فرصة لبناء جسور التفاهم بين المجتمعات

«تُعلي روح المحبة والتسامح».. الأعياد الدينية فرصة لبناء جسور التفاهم بين المجتمعات
الاحتفالات بالعيد- أرشيف

أسهمت الأعياد الدينية عبر التاريخ في تعزيز السلام والوحدة بين الأفراد والمجتمعات ذات الخلفيات الدينية المختلفة، إذ تُجسد هذه المناسبات قيم المحبة والتسامح والعطاء، ما يجعلها فرصة لتقريب المسافات بين الأديان وتعزيز التفاهم المتبادل، ففي ظل تصاعد خطاب الكراهية والتمييز الديني في بعض المناطق، تظهر الحاجة الملحة لاستثمار هذه المناسبات كجسور تواصل بين الشعوب، ما يسهم في بناء مجتمعات أكثر انسجامًا واحترامًا للاختلافات الدينية.

وأكد تقرير صادر عن "مركز بيو للأبحاث" عام 2022 أن العالم يضم أكثر من 4,200 ديانة، ما يعكس التنوع الثقافي والديني الكبير، لكنه يطرح أيضًا تحديات تتعلق بالتفاهم المتبادل، لذا يمكن للأعياد الدينية أن تكون أداة فعالة لتعزيز الحوار بين الأديان، فعلى سبيل المثال يمكن لشاب مسلم أن يشارك في احتفالات عيد الميلاد المجيد، أو لشاب مسيحي أن يتعرف على طقوس عيد الفطر، ما يفتح المجال لتقدير ثقافة الآخر والتواصل الإيجابي بين الأديان.

ولعبت المؤسسات التعليمية دورًا رئيسيًا في ترسيخ مفاهيم التسامح والانفتاح الديني، إذ أظهرت دراسة أجرتها "اليونسكو" عام 2021 أن 67% من الشباب الذين تلقوا تعليمًا متعدد الثقافات أظهروا مستويات أعلى من التسامح تجاه الأديان الأخرى مقارنة بأقرانهم، ويمكن للمدارس والجامعات توظيف الأعياد الدينية لتعزيز الحوار، عبر تنظيم ورش عمل تعرف الطلاب بعادات وطقوس الديانات المختلفة، إضافة إلى تنظيم زيارات لمراكز العبادة مثل المساجد والكنائس والمعابد.

نشر ثقافة التسامح

تؤدي وسائل الإعلام دورًا مؤثرًا في تعزيز الحوار بين الأديان من خلال إنتاج محتوى ثقافي وتوعوي يبرز القيم المشتركة بين الأديان المختلفة، ووفقًا لتقرير صادر عن "مؤسسة تومسون رويترز" عام 2023، فإن 78% من الشباب يعتمدون على وسائل الإعلام كمصدر رئيسي للمعلومات عن الأديان الأخرى، لذا، يمكن للإعلام أن يسلط الضوء على التجارب الإنسانية المشتركة خلال الأعياد، ما يسهم في كسر الصور النمطية وتعزيز الاحترام المتبادل بين الأديان.

وأكدت دراسة أجرتها "جامعة هارفارد" عام 2020 أن المشاركة في احتفالات دينية مختلفة ترفع من مستوى التعاطف والتفاهم بين الأفراد بنسبة تصل إلى 45%، لذا يمكن تنظيم فعاليات ثقافية تجمع بين أتباع الديانات المختلفة خلال الأعياد، مثل المهرجانات الفنية والنقاشات التفاعلية حول القيم المشتركة، ما يسهم في خلق بيئة اجتماعية أكثر تقبلًا للاختلافات.

ويلعب الشباب دورًا حيويًا في تعزيز الحوار بين الأديان، إذ أشار استطلاع أجرته "اليونسكو" عام 2022 إلى أن 82% من الشباب يرون أن التعرف على الأديان الأخرى يسهم في بناء مجتمعات أكثر سلامًا، لذا، يمكنهم إطلاق حملات توعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لنشر معلومات عن الأعياد المختلفة، أو تنظيم لقاءات افتراضية تجمع شبابًا من ديانات متعددة لتعزيز التواصل الثقافي.

كذلك، يمكن للقيادات الدينية أن تؤدي دورًا محوريًا في ترسيخ قيم التسامح عبر المشاركة في فعاليات مشتركة أو إصدار بيانات تدعو إلى التفاهم، وأظهر تقرير صادر عن "المنتدى الاقتصادي العالمي" عام 2023 أن 65% من الشباب يرون أن القادة الدينيين قادرون على تعزيز السلام والتعايش، عبر تنظيم لقاءات تجمع أتباع الديانات المختلفة للاحتفال سويًا، ما يسهم في بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل.

الاحتفالات تعزز قيم التعايش

قال مؤسس ومدير المنظمة الإلكترونية للإعلام الإنساني، عبدالرزاق العزعزي، إن الأعياد الدينية تمثل أكثر من مجرد مناسبات احتفالية، فهي لحظات ذات دلالات إنسانية واجتماعية عميقة، تتيح الفرصة لتعزيز التفاهم المشترك بين الثقافات، وتمكن الشباب من تقدير التنوع الديني والانفتاح على تجارب جديدة، عندما يحتفل الناس بمعتقداتهم ويشاركون الآخرين في فرحهم، فإنهم لا يؤكدون فقط هويتهم الدينية، بل يعززون أيضًا قيم التعايش والاحترام المتبادل، وهو ما يحتاج إليه أي مجتمع يسعى إلى التعددية والتسامح.

وتابع العزعزي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنه في المجتمعات التي تدرك أهمية هذه القيم، تتحول الأعياد إلى مناسبات وطنية جامعة، يحتفي بها الجميع بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية الهند، على سبيل المثال، تقدم نموذجًا رائعًا في هذا السياق، حيث تتبنى الدولة مبدأ "الوحدة في التنوع"، ليس شعارًا نظريًا، بل ممارسة حقيقية تتجلى في مشاركة الجميع في الاحتفالات الدينية المختلفة، حين يتمكن المرء من الاحتفال بمناسبة دينية تختلف عن ديانته، فإنه يتعلم شيئًا جديدًا عن الآخرين، وينظر إليهم من زاوية أكثر إنسانية، ما يؤدي في النهاية إلى بناء مجتمع خالٍ من الكراهية، يحتضن الجميع دون تمييز.

واسترسل: تلعب المؤسسات التعليمية والإعلامية دورًا جوهريًا في تحقيق هذا الهدف، فمن خلال النظام التعليمي يمكن للأطفال -منذ الصغر- أن يعتادوا فكرة أن التنوع الديني ليس تهديدًا، بل هو جزء طبيعي من تركيبة المجتمعات الحديثة، مناهج التعليم يجب أن تكرس معرفة حقيقية بالمناسبات الدينية المختلفة، ليس فقط من باب التثقيف، ولكن لترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية، بحيث يكبر الأطفال وهم مدركون أن لكل فرد في المجتمع الحق في ممارسة شعائره بحرية واحترام.

وتابع: الإعلام يحمل مسؤولية كبيرة في تشكيل الوعي الجمعي، ومن خلال برامجه يمكنه أن يسهم في تقديم صورة عادلة ومتوازنة عن الأديان الأخرى ومناسباتها، كثيرًا ما يُنظر إلى الآخر بناءً على تصورات نمطية، لكن حين يتاح للناس معرفة تفاصيل حياة المختلفين عنهم، وعاداتهم، وطرق احتفالهم، فإن ذلك يحدّ من الأحكام المسبقة ويعزز التقارب الإنساني.. لكن الأهم هو أن يكون هذا التناول الإعلامي قائمًا على مصادر موثوقة، بحيث يتم تقديم صورة حقيقية بعيدًا عن التشويه أو الانتقائية.

وقال إنه في السنوات الأخيرة شهدنا ممارسات اجتماعية عدة تثبت أن المشاركة في الاحتفالات الدينية المختلفة تسهم في تقوية النسيج المجتمعي، في مصر والعراق، مثلًا، تنتشر مشاهد لمسيحيين يقومون بتوزيع التمور والماء على الصائمين قبل أذان المغرب خلال شهر رمضان، كما يشارك المسلمون في تهنئة جيرانهم المسيحيين بأعيادهم، بل ويسهمون أحيانًا في زينة الكنائس وشجر الميلاد، هذه الممارسات البسيطة لها تأثير عميق، فهي تبني الجسور بين أبناء المجتمع الواحد، وتخلق بيئة صحية يتبادل فيها الجميع المحبة والاحترام، بدلًا من أن تكون الأعياد مناسبة لإبراز الاختلافات والانقسامات.

وتابع: عندما يتفاعل الناس مع المناسبات الدينية المتنوعة، فإنهم لا يحتفلون فحسب، بل يعززون فكرة أن التنوع ليس مجرد واقع، بل هو ضرورة إنسانية تثري المجتمع وتجعل العيش المشترك أكثر سهولة، فالمشاركة الفعالة في الأعياد تخلق شعورًا عامًا بأن الجميع جزء من نسيج واحد، وأن الاختلافات الدينية ليست سوى جانب من جوانب الهوية التي يجب أن تُحترم لا أن تكون سببًا في العزلة أو الإقصاء.

وأتم: المجتمعات التي تسعى إلى ترسيخ ثقافة التسامح والمواطنة الحقيقية عليها أن تدعم هذه الممارسات، سواء عبر المؤسسات التعليمية أو من خلال السياسات الإعلامية أو حتى في الخطاب الديني السائد، فالأعياد ليست مجرد طقوس دينية، بل هي فرصة ذهبية لبناء عالم أكثر إنسانية، حيث لا يكون الانتماء إلى دين معين سببًا للتمييز، بل دافعًا للتعارف والحوار والتكامل الاجتماعي.

جسور للسلام والتسامح

وقالت الناشطة الحقوقية أسماء رمزي، إن الأعياد الدينية يمكن أن تكون فرصًا ذهبية لتعزيز السلام والتسامح بين الأديان المختلفة، لكنها تحتاج إلى جهود ممنهجة ومستمرة لتحقيق هذا الهدف، فالأعياد، بجوهرها، تحمل رسائل إنسانية عالمية يمكن أن تجمع الناس حول قيم مشتركة، بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية أو الثقافية. ومع ذلك، فإن تحويل هذه المناسبات إلى أدوات فعالة للسلام يتطلب خطوات عملية ومبادرات ملموسة.

وتابعت رمزي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن أولى هذه الخطوات هي تعزيز الحوار بين الأديان. فالأعياد الدينية يمكن أن تكون منصات مثالية لتعزيز التفاهم بين مختلف الأديان والثقافات، يمكن تنظيم فعاليات مشتركة تجمع بين أتباع ديانات مختلفة للاحتفال معًا، والتعرف إلى تقاليد وعادات بعضهم البعض. مثل هذه الفعاليات يمكن أن تقلل من حدة التوترات وتكسر الحواجز النفسية بين المجموعات المختلفة.

وتابعت: يمكن للأعياد أن تكون منصات لإطلاق مبادرات إنسانية مشتركة، ففي ظل الأزمات الإنسانية التي يعانيها العالم، يمكن تنظيم حملات خيرية خلال الأعياد، مثل توزيع المساعدات على المحتاجين أو تنظيم فعاليات إنسانية تجمع بين أفراد من خلفيات دينية مختلفة مثل هذه المبادرات لا تعزز فقط قيم العطاء والتضامن، بل تعمل أيضًا على بناء جسور التواصل بين المجتمعات المتنوعة، ويمكن للأعياد أن تكون فرصًا للتوعية والتثقيف.

وقالت إن القيادات الدينية تؤدي دورًا محوريًا في تعزيز التعاون والتضامن بين المجتمعات المختلفة؛ فالكهنة والأئمة والحاخامات وغيرهم من القادة الدينيين يمكن أن يكونوا قدوة للشباب، من خلال المشاركة في فعاليات مشتركة أو إصدار بيانات تدعو إلى التسامح والتفاهم، مع ذلك فإن تحويل الأعياد إلى أدوات فعالة لنشر السلام ليس أمرًا سهلًا، حيث تواجه هذه الجهود عددًا من العقبات والتحديات أول هذه العقبات هو الطابع الديني أو القومي الضيق لبعض الأعياد، فبعض الاحتفالات تحمل طابعًا دينيًا أو قوميًا قد يُشعر الآخرين بعدم الانتماء، خاصة في المجتمعات متعددة الثقافات والديانات.

وأشارت إلى أنه يمكن تجاوز هذه العقبات من خلال الجهود المجتمعية والدولية أولًا، يمكن تعزيز الأعياد المشتركة والعالمية، ودعم المناسبات الدولية مثل اليوم العالمي للسلام واحتفالات إنسانية أخرى. ثانيًا، يمكن إشراك مختلف الفئات في تنظيم هذه الفعاليات، مع ضم مختلف الطوائف والجنسيات ثالثًا، يمكن إطلاق حملات تعليمية بالتعاون بين المنظمات الدولية لنشر الوعي بأهمية الأعياد والاحتفالات كجسر بين الثقافات رابعًا، يمكن تنظيم برامج خاصة بالتبادل الثقافي، مثل إرسال الطلاب للاحتفال بأعياد الآخرين، أخيرًا، يمكن تنظيم مبادرات خيرية مشتركة تحمل الكثير من الإنسانية عبر الحدود، مثل التبرعات والمبادرات الإنسانية.

وأتمت: يمكن القول إن الأعياد الدينية تحمل طابعًا إيجابيًا ويمكن أن تكون أدوات فعالة لنشر السلام، لكنها تواجه عددًا من العقبات التي تحتاج إلى جهود ممنهجة لتجاوزها، من خلال التعاون المجتمعي والدولي، والتأكيد على الجوانب الإنسانية الشاملة في الأعياد، يمكن تحويل هذه المناسبات إلى أدوات فعالة لنشر ثقافة السلام والتسامح بين الشعوب.



ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية