«من يُرد الحرب فليحارب».. تسجيل منسوب للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر يثير الجدل

«من يُرد الحرب فليحارب».. تسجيل منسوب للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر يثير الجدل
جمال عبدالناصر في لقاء مع معمر القذافي - أرشيف

أثارت تسريبات صوتية حديثة منسوبة للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر جدلًا واسعًا في الأوساط العربية والدولية، بعد أن جرى تداول تسجيل صوتي لعبد الناصر وهو يتحدث إلى الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي صيف عام 1970. 

وعبّر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في التسجيل، عن رفضه الاستمرار في الحرب ضد إسرائيل، قائلاً: "من يرُد أن يحارب فليأتِ ويحارب"، رافضا المزايدة على موقفه وموقف مصر تجاه العدوان الإسرائيلي.

وأشار التسجيل إلى لقاء قمة شهده قصر القبة في العاصمة المصرية القاهرة 8 أغسطس عام 1970، والذي جمع الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، وقائد الثورة الليبية وقتها العقيد معمر القذافي، بحضور عدد من كبار المسؤولين من الجانبين. 

وجاء اللقاء في وقت كانت تمر به الأمة العربية بتحولات كبرى، وسط تصاعد المواجهة مع إسرائيل، وانقسام حاد بين العواصم العربية حول أسلوب إدارة الصراع ومستقبل العمل العربي المشترك.

مبادرة روجرز للسلام

تناول اللقاء ملفات شديدة الحساسية، أبرزها مبادرة روجرز الأمريكية للسلام، ومستقبل العمل المسلح ضد إسرائيل، ومشروع الوحدة العربية، والعلاقات الثنائية بين مصر وليبيا والسودان، ما يعكس إدراك القادة لحجم التحديات التي تهدد المصير العربي آنذاك.

واستهل المجتمعون اللقاء بتناول العلاقات الثنائية، حيث عبّر القائد الليبي معمر القذافي عن قلقه من تراجع دور مبعوث مصر إلى ليبيا، الدبلوماسي فتحي الديب، متسائلًا عن سبب غيابه عن المشهد السياسي في طرابلس.

وأوضح الرئيس عبد الناصر أن تراجع التنسيق جاء نتيجة انقطاع قنوات الاتصال الفعالة، مؤكدًا في الوقت ذاته احتفاظه بثقته الكاملة بالديب. 

واقترح عبد الناصر تعيين ممثلين دائمين لكل من مصر وليبيا والسودان في طرابلس، لمتابعة تنفيذ اتفاقيات الوحدة الثلاثية الموقعة مؤخرًا، بهدف تجاوز العقبات البيروقراطية وضمان التنسيق المباشر بين العواصم الثلاث.

وانتقل الحوار إلى ملف مبادرة روجرز، التي كانت مثار جدل عاصف في العالم العربي، حيث شرح الرئيس المصري أن قبول المبادرة لم يكن تخليًا عن الصراع مع إسرائيل، بل خيارًا تكتيكيًا فرضته الضرورة العسكرية.

الاستنزاف الإسرائيلي المستمر

كشف عبد الناصر أن مصر كانت تتكبد أسبوعيًا ما يقارب 300 قتيل وجريح نتيجة الاستنزاف الإسرائيلي المستمر، محذرًا من أن رفض المبادرة كان سيؤدي إلى مزيد من الخسائر والانهيار العسكري. 

وأكد أن الهدنة أتاحت لمصر فرصة حيوية لبناء شبكة صواريخ مضادة للطائرات، تشكل درعًا واقيًا للعمق المصري، في خطوة استراتيجية لكسب الوقت وإعادة تنظيم القوات المسلحة.

وأبدى العقيد معمر القذافي تحفظًا شديدًا على قبول مبادرة روجرز، محذرًا من أن التوقف المؤقت للعمليات العسكرية قد يؤدي إلى تثبيت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة.

التنسيق مع الدول العربية

تساءل القذافي، بروحه الثورية، عن مدى التنسيق مع بقية الدول العربية، لا سيما العراق واليمن الجنوبي والجزائر، منتقدًا ما اعتبره "انفرادًا مصريًا" باتخاذ قرار مصيري يتعلق بمصير الأمة دون مشاورة جماعية.

ورفض الرئيس عبد الناصر، بحسم، فكرة التعويل على تنسيق مع العراق واليمن، موضحا أن القيادة العراقية برئاسة أحمد حسن البكر فقدت مصداقيتها بعد سلسلة من الوعود غير المنفذة، متهمًا بغداد بالتسويف وعدم الجدية في دعم القضية الفلسطينية.

أما اليمن، فقد وصفه عبد الناصر بأنه غارق في صراعاته الداخلية، ويعاني من هشاشة سياسية وعسكرية تجعله غير قادر على إحداث أي فارق حقيقي في مواجهة المشروع الإسرائيلي المدعوم دوليًا.

انتقادات للدعم العربي

وجه الرئيس المصري انتقادات صريحة لمواقف الدول العربية الأخرى، مشيرًا إلى أن الدعم الجزائري، رغم نبرة الجزائر الثورية، كان محدودًا ولم يرقَ إلى مستوى التحديات. 

وشدد الرئيس المصري الراحل على أن مصر كانت تخوض معركتها المصيرية ضد إسرائيل بشكل شبه منفرد.

وقال عبد الناصر بمرارة: "كنا نصمد وحدنا"، ما عكس حالة الإحباط العميقة التي كانت تسيطر عليه إزاء الأداء العربي الجماعي في تلك المرحلة الحرجة.

وناقش المجتمعون مشروع الوحدة الثلاثية بين مصر وليبيا والسودان، والذي وقع حديثًا، وأبدى عبد الناصر حرصه على عدم التسرع في إعلان وحدة شكلية قد تنهار لاحقًا بسبب غياب الأسس الشعبية والمؤسساتية اللازمة.

وشدد عبد الناصر على أن بناء الوحدة يجب أن يتم من القاعدة إلى القمة، عبر تثبيت الاستقرار الداخلي وتعزيز التنسيق السياسي والعسكري والاقتصادي، محذرًا من مغبة الانجراف وراء الشعارات دون امتلاك مقومات عملية قوية تضمن ديمومتها.

التقاء الواقعية بالثورية

اختتم الاجتماع بأجواء من الصراحة غير المعتادة، حيث عرض كل طرف وجهة نظره بشفافية كاملة، رغم تباين الرؤى، وجسد اللقاء الفارق بين جيلين، جيل الزعيم الواقعي جمال عبد الناصر، المحنك سياسيًا بفعل تجاربه مع الحروب والمؤامرات الدولية، والقائد الثوري الشاب معمر القذافي، الذي حمل لواء الحلم العربي بوحدة شاملة ومواجهة بلا هوادة مع إسرائيل.

واتفق الطرفان في نهاية اللقاء على استمرار التنسيق المشترك، وفتح قنوات حوار دائمة بين العواصم الثلاث، مع الالتزام بالتعامل مع الخلافات الفكرية بطريقة بناءة تحافظ على وحدة الصف العربي أمام تحديات الاحتلال الإسرائيلي والضغوط الدولية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية