100 يوم على حكم ترامب.. تراجعات "حادة" تهدد الحقوق والعلاقات الدولية
100 يوم على حكم ترامب.. تراجعات "حادة" تهدد الحقوق والعلاقات الدولية
لم تسلم دولة في العالم أو نزاع بارز أو مؤسسة دولية من موقف سلبي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرورا بالرسوم الجمركية ضد 180 دولة والدعوة لضم كندا وبنما والاستيلاء على قطاع غزة أو الانسحاب من منظمات، من بينها منظمة حقوق الإنسان، أو مهاجمة الجنائية الدولية أو مناصري فلسطين، وصولا لطلب العبور المجاني من قناة السويس المصرية.
ويرى خبراء في شؤون العلاقات الدولية والفلسطينية، في أحاديث لـ"جسور بوست"، أن ترامب بكل تأكيد أضر بالقضايا الحقوقية بشكل غير مسبوق وانقلب على السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، مشيرين إلى أنه يحاول هدم التوازنات الدولية وقواعد التجارة العالمية ومصداقية المؤسسات الدولية لفرض هيمنة أمريكية على الجميع، دون استبعاد أن يمضي في مسار التصادمي وإنهاء كل قراراته سريعا قبل انتخابات الكونغرس بعد عامين التي قد تهدد حزبه الحاكم مع تراجع شعبيته حاليا.
ويشير استطلاع رأي حديث أجرته “رويترز/ إبسوس”، إلى تراجع شعبية ترامب إلى أدنى مستوى لها منذ عودته إلى البيت الأبيض، إذ أبدى الأمريكيون علامات قلق حيال جهوده الرامية لتوسيع سلطاته، وقال نحو 42 بالمئة من المشاركين إن أداء ترامب كرئيس يعجبهم، بانخفاض عن نسبة 47 بالمئة الذين أعربوا عن ذلك في الساعات التي أعقبت تنصيب الرئيس.
وبدأ التهديد الترامبي للنظام الدولي والحقوق مبكرا من قبل يوم تنصيبه في 20 يناير الماضي بأيام، مع حديث متكرر علنا باستخدام القوة العسكرية الأمريكية لاستعادة قناة بنما، والاستحواذ على جزيرة غرينلاند، وضم كندا كولاية أميركية والدعوة إلى تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا.
تهديدات مستمرة
وخلال المئة يوم الأولى من حكم ترامب أصدر قرارات ومواقف مست العلاقات الدولية على نحو غير مسبوق كالتالي:
فور تنصيبه وقَّع ترامب أمرًا يقضي بانسحاب الولايات المتحدة المانح والشريك الأكبر لمنظمة الصحة العالمية من المنظمة، كما أعلن ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، فضلا عن تعليق المساعدات الخارجية المقدمة عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) لمدة 90 يومًا، لأغلب دول العالم لا سيما مناطق النزاع، في وقت تدير الوكالة ميزانية مقدارها 42.8 مليار دولار، أي 42 في المئة من المساعدات الإنسانية الموزعة في كل أنحاء العالم.
كما دعا ترامب في 25 يناير الماضي مصر والأردن لاستقبال فلسطينيين من غزة وسط انطلاق شرارة رفض متواصل من البلدين العربيين ودول منظمات عربية وغربية وتنديدات وإدانات حقوقية.
وأجرى ترامب وبوتين مكالمة هاتفية دامت 90 دقيقة في 11 فبراير، أدت إلى بدء تقارب استراتيجي على حساب أوكرانيا كما تقول وكالة فرانس 24 الفرنسية.
كما أصدر الرئيس الأمريكي أمرا تنفيذيا، في 3 فبراير لمكافحة ما يسمى بـ"معاداة السامية"، وتعهد بترحيل الأفراد يتظاهرون ضد إسرائيل، وفي اليوم التالي وخلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كرر ترامب طلبه بتهجير غزة ولوح بالاستيلاء على القطاع رغم الرفض العربي.
وأعلن ترامب وقتها انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مع وقف تمويل واشنطن لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).
كما أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا في 6 فبراير الماضي يسمح بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام كريم خان، وأدان خبراء الأمم المتحدة بشدة هذه الخطوة، واعتبروها “اعتداءً على سيادة القانون العالمية” وتقويضًا للعدالة الدولية.
وأعلن ترامب، في 8 فبراير، تعليق جميع المساعدات والمعونات الأمريكية لجنوب إفريقيا، لأسباب بينها مقاضاة إسرائيل.
وفي خروج عن البروتوكول بين رؤساء الدول، دخل ترامب في 28 فبراير الماضي في مشادة كلامية غير مسبوقة على الهواء مباشرة مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في المكتب البيضاوي، وتلاها حديث مسؤول في البيت الأبيض، يشير إلى أن الرئيس الأمريكي أمر بأن تتم مطالبة الوفد الأوكراني بالمغادرة.
كما دعم الرئيس الأمريكي في 10 مارس اعتقال الطلاب على خلفية آرائهم المناصرة لفلسطين كما ذكر في منشور عبر منصة “Truth Social”، وبعد نحو أسبوع أعلن البيت الأبيض موافقة ترامب على استئناف إسرائيل حربها على قطاع غزة بعد هدنة استمرت لنحو شهرين.
وفي مطلع أبريل، أعادت إدارة ترامب فرض العقوبات على إيران، كجزء من سياسة "الضغط الأقصى"، وكانت الأزمة الأكبر عالميا هو إعلان ترامب في 2 أبريل فرض رسوم جمركية باهظة على مختلف أنحاء العالم، لا سيما الصين ما تسبب باضطرابات حادة في الأسواق العالمية وارتفاع سعر الذهب إلى مستويات قياسية وتراجع الدولار، وسط قلق دولي كبير من أن يدخل الاقتصاد الحر أزمة غير مسبوقة.
وفي 26 أبريل، قال ترامب في منشور عبر منصته “ينبغي السماح للسفن الأمريكية بالمرور عبر قناتي السويس وبنما دون دفع أي رسوم”، كما أعلنت الإدارة الأمريكية باليوم ذاته أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لم تعد تتمتع بالحصانة القضائية التي كانت تحميها من الملاحقات القضائية داخل الولايات المتحدة في إطار قضية مرفوعة ضدها على خلفية حرب غزة.
عدوان أمريكي
الباحث والمحلل السياسي في الشأن الأمريكي وشؤون الشرق الأوسط، توفيق طعمة، قال لـ"جسور بوست"، إن "ترامب بكل تأكيد أضر بالقضايا الحقوقية بشكل غير مسبوق وانقلب على السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية".
وأوضح أن "ترامب اتخذ ولوّح بإجراءات لم يجرؤ أي رئيس في السابق على أن يتخذها مثل ملاحقة الطلاب المؤيدين لفلسطين وفرض عقوبات وتعريفات جمركية ومطالبات بضم دول ككندا وتهجير الفلسطينيين، ولذا؛ سياسية الابتزاز والتهديد كانت انقلاباً على سياسات واشنطن".
ويرى المحلل السياسي في الشأن الأمريكي، توفيق طعمة، أن "ترامب يستخدم شعار (أمريكا أولا) لتبرير كل قام به من مخالفات وعدوان غير مسبوق على الحقوق"، لافتا إلى أن الرئيس الأمريكي الذي وعد بوقف الحروب هو من يعيد دعم إسرائيل في استئناف حرب إبادتها ضد غزة وعدوانها على لبنان، ويشن حربا على اليمن ويحضر لضرب إيران.
وأكد أن السياسات الداخلية كانت أكثر صدمة من الخارجية، وتؤكد أن ترامب يؤمن بالصفقات ولا يهتم بحقوق الإنسان، متوقعا أن يظهر ترامب في كشف حساب 100 يوم في خطاب يتحدث عمّا أنجزه.
ويستدرك المحلل السياسي في الشأن الأمريكي، توفيق طعمة، قائلا: "لكن الحقيقة أن ترامب لم ينجز شيئا وأمريكا تراجعت في الحريات وحقوق الإنسان فضلا عن انتهاك الدستور الأمريكي بإجراءات غير مسبوقة مست حقوق الشعب الأمريكي أيضا".
قانون الغاب
وشدد أستاذ القانون الدولي الفلسطيني الدكتور أمجد شهاب، في حديث لـ"جسور بوست"، على أن ترامب لا يحترم القانون الدولي ولا يهتم بأي حقوق أو أسس دولية في العلاقات مع الدول، مشيراً إلى أنه يريد بناء هيمنة جديدة وإمبراطورية خاصة به تقوم بالأساس على قانون الغابة والبقاء للأقوى.
وشدد على أن معارك ترامب لا سيما مع المناصرين للقضية الفلسطينية والمنظمات الدولية تأكيد أكبر على أن ترامب لا يهمه القانون الدولي ولا العلاقات مع الدول أو المنظمات، بشكل يضر أمريكا بالأساس ويهدد مصالحها التي عادة ما تجور على حقوق الشعوب والدول.
النظام الدولي مهدد
بدوره، قال أستاذ العلاقات الدولية والمتخصص في الشؤون الأمريكية، الدكتور سعيد صادق، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن "ترامب سعى خلال المئة يوم الأولى من حكمه لفرض هيمنة وضغوط على العالم بما فيهم حلفاؤه باستثناء إسرائيل التي أعطاها الأولوية واتجه لتأمينها بضرب الحوثيين والتهدئة مع الإيرانيين في محاولة للسيطرة على المنطقة مستغلا قوة واشنطن العسكرية والاقتصادية والسياسية".
وأشار صادق إلى أن ترامب وصل إلى الابتعاد عن مبدأ واشنطن المعتاد في التمسك بحل الدولتين وبدأ يتحدث عن التهجير بشكل يهدد استقرار المنطقة، فضلا عن الابتزاز السياسي والاقتصادي للعالم وأزمات لا سيما مع الصين بعد الرسوم الجمركية، متسائلا: "ما علاقة ترامب بقناة السويس لكي يطالب بأن تعبر سفن بلاده مجانا"، قبل أن يجيب: "هذا تدخل مرفوض قانونا ويمس الاتفاقيات الدولية".
وأكد الدكتور سعيد صادق أن ترامب يهدد بقراراته المستمرة، لا سيما ضد المنظمات والدول، التوازنات الدولية ويهز قواعد التجارة العالمية ومصداقية المؤسسات الدولية، لافتا إلى أن معاقبته المحكمة الجنائية الدولية تشجيع على انتهاك العلاقات الدولية وأن تبقى إسرائيل فوق القانون وهذا أمر خطير يهدد النظام الدولي.
وتوقع صادق استمرار ترامب في الصدام مع المنظمات والدول ما بعد المئة يوم الأولى، وأن يُسرِّع وتيرة قراراته وذلك قبل انتخابات الكونغرس بعد عامين إذ يخشى فيها تراجع هيمنة الجمهوريين خاصة أن شعبيته حاليا متراجعة للغاية.