"تُكنان".. مبادرة نسائية لمحو الأمية في شرقي السودان
"تُكنان".. مبادرة نسائية لمحو الأمية في شرقي السودان
في شرقي السودان، حيث تُطوّق الأمية آمال المجتمعات المحلية وتقيّد أحلام النساء على وجه الخصوص، أطلقت الشابة نفيسة أحمد مبادرةً تعليميةً تحمل اسم "تُكنان"، وهو مصطلح يعني "المعرفة" بلغة البداويت، اللغة التي تتحدث بها قبائل البجا، واحدة من أقدم وأعرق المجموعات الثقافية في المنطقة.
وتسعى المبادرة، في ظروف من الفقر والنزاعات والتهميش المتراكم، إلى محو الأمية وتمكين النساء عبر التعليم، بحسب ما ذكر موقع "بي بي سي"، اليوم الأحد.
انطلقت "تُكنان" من قناعة بأن اللغة الأم ليست عائقًا، بل أداة قوة، ولذا، اختارت نفيسة أن تكون أولى خطوات مبادرتها عبر استخدام البداويت كلغة أساسية للتعليم، ما جعل الفصول الدراسية أكثر قربًا من المتعلمات، ومعبرة عن بيئتهن وهويتهن الثقافية.
قالت نفيسة في مقابلات سابقة: “كنا نجد أن النساء لا يستطعن التفاعل مع البرامج التعليمية الرسمية لأنها تأتي بلغة لا تشبههن، فكرنا أن المعرفة يجب أن تبدأ بلغتهن الأم، وبعدها ننتقل إلى العربية والإنجليزية”.
تعليم يواجه التهميش
طالما عانى شرق السودان من تهميش اقتصادي وتنموي مزمن، تُرجم إلى ضعف في البنية التحتية، وانعدام مؤسسات التعليم، لا سيما في الأرياف والمناطق الحدودية، وبينما ركزت السياسات العامة على الحواضر، تُركت المرأة الريفية خلف أسوار الأمية.
وفي هذا السياق، ظهرت مبادرة "تُكنان" كفعل مقاومةٍ صامتة، يقوده جيل شاب وواعٍ بخطورة الجهل وبقيمة المعرفة.
ورغم الموارد المحدودة، نظّمت نفيسة وشريكاتها صفوفًا لمحو الأمية في منازل بسيطة، وجمعت الكتب من حملات تبرع محلية، واستعانت بمتطوعات من الشابات المتعلمات لتدريس الأمهات والجدات.
فصول تتحول لفضاءات تحرّر
تحوّلت الصفوف إلى ما هو أبعد من تعليم الحروف والأرقام، وقالت نفيسة: "أصبحنا نلاحظ تحولات كبيرة في ثقة النساء بأنفسهن.
بدأن يتحدثن أمام الآخرين، يشاركن في لجان الأحياء، بل ويتابعن الأخبار. فالتعليم هنا ليس أداة لتعلم القراءة فقط، بل بوابة للمشاركة المجتمعية".
ويظهر ذلك في قصة إحدى المستفيدات، وهي السيدة مريم (57 عامًا) التي لم تلتحق بأي مدرسة في طفولتها، لكنها اليوم تقرأ القصص لأحفادها وتكتب ملاحظات يومية.
وقالت مريم: "تعلمت أن لا أحد كبير على العلم. أكتب اسمي لأول مرة، وهذا شعور لا يمكن وصفه".
التعليم من أجل التنمية
في مناطق تعاني من النزاعات القبلية المتكررة وسنوات الجفاف والتهميش، تكتسب المبادرات التعليمية بُعدًا سياسيًا وإنسانيًا عميقًا. فالتعليم، وفق رؤية "تُكنان"، ليس مجرد حق فردي، بل خط دفاع أول ضد الفقر والتمييز والعنف.
ترى نفيسة أن تمكين المرأة البجاوية من التعليم خطوة حاسمة نحو إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمعات المهمشة، وضمان شراكة حقيقية في رسم مستقبل البلاد.
وقالت: "طالما بقيت المرأة غير متعلمة، ستظل صامتة أمام الظلم. المعرفة تعني صوتًا، وتعني كرامة".
نحو توسيع الأثر
تسعى نفيسة حاليًا لتوسيع نطاق المبادرة، والوصول إلى ولايات أخرى شرق البلاد، وتطوير مناهج تعليمية تراعي الخصوصيات الثقافية للمنطقة، كما تعمل على شراكات مع منظمات محلية ودولية لضمان استدامة "تُكنان".
ورغم غياب التمويل الحكومي، تجد المبادرة دعمًا متزايدًا من شباب وشابات البجا، ممن عادوا إلى قراهم بعد الدراسة لتقديم يد العون، إيمانًا بأن التنمية الحقيقية تبدأ من حروف تُكتب لأول مرة على لوح صغير في يد امرأة صبورة.