تسليم السلاح ينهي عقوداً من الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني
تسليم السلاح ينهي عقوداً من الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني
أعلن حزب العمال الكردستاني رسميًا بدء تفكيك بنيته العسكرية ونزع سلاحه، في خطوة وُصفت بأنها "تاريخية" باتجاه إنهاء صراع مسلّح دام أكثر من أربعة عقود ضد الدولة التركية، وأودى بحياة ما لا يقل عن 50 ألف شخص، وفق تصريحات للرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
جاءت هذه الخطوة عبر مراسم جرت في شمال العراق، الجمعة، حيث أحرق 30 عنصرًا من مقاتلي الحزب أسلحتهم أمام عدسات الإعلام ومسؤولين أتراك وعراقيين، مؤكدين التزامهم بالحل السلمي، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس".
وعدّ أردوغان هذه الخطوة "بداية صفحة جديدة" في تاريخ تركيا، متعهدًا بمواصلة الحوار لضمان "سلام دائم".
وفي المقابل، أعلن البرلمان التركي عن تشكيل لجنة تشريعية لمناقشة المتطلبات القانونية للمرحلة المقبلة، في إشارة إلى احتمال سن قوانين للعفو أو الإدماج المجتمعي للمقاتلين السابقين.
مدينة حذرة.. وثقة مفقودة
ورغم الأجواء الرسمية، يسود الحذر والشك في الشارع الكردي، خاصة في مدينة هكاري ذات الأغلبية الكردية جنوب شرقي البلاد، حيث عبّر عدد من السكان عن عدم اقتناعهم باستدامة السلام، مستحضرين محاولات سابقة فشلت وانتهت بمزيد من القمع والصراع.
وقال أحد السكان رافضًا الكشف عن اسمه: "الحرب لم تنتهِ بعد.. لا أحد هنا يثق بما سيحدث غدًا".
وعبّر محمد دومان، وهو شاب يبلغ 26 عامًا يعمل في مطعم محلي، عن شعوره بأن الأكراد دفعوا ثمناً باهظاً في سنوات القمع والحرمان: "شهدنا كل أنواع الاضطهاد.. حان الوقت لتتحمل الدولة مسؤوليتها أيضًا".
جذور الصراع وتحوّلاته
تعود جذور الأزمة إلى عام 1984، حين بدأ حزب العمال الكردستاني تمردًا مسلحًا ضد الدولة التركية، مطالبًا بالحكم الذاتي للأكراد في جنوب شرق البلاد.
وامتدت المواجهات لعقود، تراوحت بين التصعيد العسكري ومحاولات غير مكتملة للتسوية السياسية، أبرزها مفاوضات 2013 التي انهارت بحلول عام 2015.
وخلال الصراع، صُنّف حزب العمال الكردستاني منظمةً إرهابية من قِبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى حملات أمنية واسعة طالت المقاتلين ومناصري الحزب، فضلاً عن استهداف معاقلهم في جبال قنديل شمال العراق وسوريا.
لكن التحولات الأخيرة بدأت بعد دعوة أطلقها الزعيم المسجون عبد الله أوجلان في مطلع 2025 لتجميد العمل المسلح والبحث عن حل سلمي. تبعها إعلان الحزب استعداده تفكيك بنيته القتالية بالكامل.
حقوق الأكراد
رغم الترحيب الرسمي، يشكك مراقبون في استمرارية الهدنة من دون خطوات ملموسة لضمان الحقوق السياسية والثقافية للأكراد، ووقف الملاحقات الأمنية بحق قيادات الأحزاب الكردية، وخاصة حزب "الشعوب الديمقراطي" الذي يتعرض للتضييق والاعتقالات.
كما تتخوف أوساط كردية من أن تكون الخطوة أحادية الجانب، ما لم تتبعها إصلاحات تشريعية واقتصادية في جنوب شرق البلاد، الذي عانى التهميش والدمار لعقود.
وتوقعت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن يكون أمام تركيا "فرصة نادرة لإنهاء صراع تاريخي"، لكنها ربطت ذلك بمدى استعداد الحكومة لتغيير استراتيجيتها الأمنية في التعامل مع الملف الكردي.
لا خوف من السلام
وفي خطاب له السبت، سعى أردوغان إلى طمأنة الرأي العام التركي، قائلاً: "نعرف تماماً ما نقوم به.. لا داعي للخوف أو القلق، كل ما نقوم به هو من أجل مستقبل تركيا واستقلالها"، لكنه لم يتطرق لتفاصيل بشأن ما إذا كانت الحكومة ستفرج عن السجناء السياسيين الأكراد أو تعترف بحقوقهم اللغوية والثقافية.
وحتى الآن، لا تزال الشكوك قائمة، خصوصاً في ظل اعتقال العديد من مسؤولي المعارضة، بمن فيهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ما يعكس استمرار مناخ سياسي متوتر قد يُعوق مسار المصالحة.
ومع بدء نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، تدخل تركيا مرحلة جديدة عنوانها "الأمل الحذر"، فبين تصريحات السلام، وذكريات القمع، تقف البلاد أمام مفترق حاسم، إما أن تتحول المبادرة إلى مشروع وطني للمصالحة والتنمية، أو تُعيد البلاد إلى مربع الصراع، إذا لم تُرافق الخطوة السياسية بإجراءات إصلاحية حقيقية.