عندما تسرق الحرب البراءة.. طفولة معلّقة بين النزوح والرصاص لا تعرف الأمان

عندما تسرق الحرب البراءة.. طفولة معلّقة بين النزوح والرصاص لا تعرف الأمان
طفل يمني يقف على أنقاض منزله

في كل زاوية من زوايا هذا العالم الذي تمزقه النزاعات، تتلاشى ضحكات الأطفال، وتُسرق أحلامهم، وتُدمر براءتهم، إنها قضية "الطفولة المفقودة في مناطق النزاع"، فصول من المعاناة الإنسانية تُكتب بدماء ودموع الصغار الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في زمن الحرب.

لم يكن الأطفال بعيدين عن ويلات الحروب أبدًا، فمنذ الصراعات القديمة وحتى الحروب العالمية، دفع الأطفال ثمنًا باهظًا، لكن في النزاعات المعاصرة، أصبح الأطفال هدفًا مباشرًا، أو أدوات تستخدمها الأطراف المتحاربة، أو ضحايا لإهمال ممنهج، فما شهدناه في رواندا، البوسنة، وسيراليون من تجنيد للأطفال وقتل جماعي، رأيناه يتكرر بأشكال مختلفة في سوريا، اليمن، وفلسطين، وغيرها من بؤر الصراع. 

لكن المفارقة أن الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية حقوق الطفل (1989) والبروتوكولات الملحقة، لم تنجح بعد في حماية الملايين من الانتهاكات اليومية.

أرقام تُوجِع القلب

تشير اليونيسف في تقريرها الأخير (2024) إلى أن عدد الأطفال المتأثرين بالنزاعات في مختلف أنحاء العالم تجاوز 400 مليون طفل، يعيشون في خوف دائم ويواجهون الحرمان من التعليم والرعاية الصحية والأمان النفسي.

الإحصاءات ليست أرقامًا جامدة؛ هي حكايات حقيقية عن وجوه وأسماء وأحلام فقدت الطريق إلى المستقبل، ففي اليمن مثلًا، أكثر من 11 مليون طفل بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، ونحو مليوني طفل يعانون من سوء تغذية حاد قد يودي بحياتهم في أي لحظة، وفي سوريا يعيش أكثر من 5 ملايين طفل ظروف نزوح وفقر مزمن، بينما انقطع 2.4 مليون منهم عن التعليم، وفقًا لتقارير أممية.

أما في فلسطين، فقد شهد عام 2023 مقتل أكثر من 550 طفلًا في قطاع غزة والضفة الغربية في أقل من عام، بحسب الأمم المتحدة، وهو أعلى رقم منذ نحو عقدين، فضلًا عن أعداد ضخمة تعاني من صدمات نفسية عميقة.

حكايات عربية

الطفولة المفقودة في العالم العربي لا تقف عند حدود دولة أو نزاع واحد؛ بل تكاد تكون ملمحًا مشتركًا يتجلى في وجوه الصغار:

ففي سوريا منذ 2011، نشأ جيل كامل لا يعرف شيئًا عن السلام، وقُتل أكثر من 30 ألف طفل بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وتحوّلت المدارس إلى أنقاض، وأصبحت الذكريات مرتبطة بالخوف لا بالدروس واللعب.

وفي اليمن حرب طاحنة تخطت عامها العاشر، وملايين الأطفال يعانون الجوع، وأطفال كُثر يعملون أو يُجنَّدون في جبهات القتال بدلًا من المقاعد الدراسية.

وفي فلسطين، الحصار المتواصل والحروب المتكررة أطفأت شموع آلاف الأطفال، وتركت كثيرين في دوامة الصدمات النفسية دون دعم حقيقي.

وفي العراق إرث الحروب ومخلفات تنظيم داعش جعل آلاف الأطفال نازحين أو مجهولي النسب في المخيمات، يعانون الوصمة والتهميش.

وفي ليبيا حولت النزاعات المتقطعة والألغام المنتشرة مناطق بأكملها إلى مصايد موت للأطفال، حيث قُتل وجُرح العشرات خلال السنوات الأخيرة.

المدارس.. حلم بعيد المنال

التعليم، الذي يُفترض أن يكون الملجأ الآمن للأطفال، غالبًا ما يتحوّل في مناطق النزاع إلى رفاهية لا يقدرون عليها، آلاف المدارس دُمرت في سوريا واليمن وليبيا، وفي غزة تُغلق المدارس بسبب القصف المتكرر، نتيجة لذلك، تُحرم أجيال كاملة من الحق الأساسي في التعلم، ما يفاقم دوامة الفقر والجهل ويهدد بتوريث النزاع مستقبلًا.

تقارير المنظمات الحقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، تفضح هذه الجرائم، لكن غياب الإرادة السياسية، وتعقيد النزاعات الإقليمية والدولية، يجعل من الأطفال أهدافًا سهلة، وبعض الدول والأطراف المتحاربة تتجاهل بشكل متعمد القانون الإنساني الدولي، بينما يظل الأطفال هم الحلقة الأضعف.

أما منظمة إنقاذ الطفولة (Save the Children)، فقد أكدت في تقريرها لعام 2023/ 2024 أن ما يقرب من 20 مليون طفل في مناطق النزاع يعانون من سوء التغذية الحاد، وأن ملايين آخرين حُرموا من التعليم، مما يهدد بتشكيل "جيل ضائع" بلا أمل أو مستقبل، ووثقت المنظمة حالات تجنيد قسري لأطفال لا تتجاوز أعمارهم السبع سنوات في بعض الصراعات، مما يحولهم من طلاب إلى جنود، ومن أمل لمستقبل أوطانهم إلى أدوات قتل.

وشدد تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان لعام 2023 على أن الأطفال في مناطق النزاع يتعرضون لأشكال متعددة من الانتهاكات التي ترقى إلى جرائم حرب، داعيًا إلى مساءلة مرتكبي هذه الجرائم، كما سلط الضوء على قضية النزوح القسري، حيث يشكل الأطفال نسبة كبيرة من اللاجئين والنازحين داخليًا، ويعيشون في مخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، ما يعرضهم لمخاطر الأمراض، والعنف، والاستغلال.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية