اعتداءات عنصرية تهز مورسيا.. المغاربة في مرمى الكراهية وسط صمت رسمي وتنديد حقوقي
اعتداءات عنصرية تهز مورسيا.. المغاربة في مرمى الكراهية وسط صمت رسمي وتنديد حقوقي
في قلب منطقة لاتوري باتشيكو بإقليم مورسيا الإسباني، يعيش مئات المهاجرين المغاربة والمغاربيين أيامًا عصيبة تحت وطأة موجة من الاعتداءات العنصرية المنظمة، يقودها -وفق شهادات وتقارير- عناصر تنتمي لجماعات نازية جديدة، هذه الهجمات جاءت عقب حادثة اعتداء وحشي على مسن إسباني، استُخدمت ذريعةً لتأجيج الكراهية، فاندلعت عمليات تحريض ممنهج ضد الجالية المغربية، نشرت الخوف والرعب في الأحياء التي يسكنونها.
غضب حقوقي وصمت رسمي
المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أعرب عن "قلقه واستنكاره الشديدين" لهذه الاعتداءات وحملات التحريض على العنف، مطالبًا بفتح تحقيق قضائي شفاف لمحاسبة الجناة وتعويض الضحايا ماديًا ومعنويًا، وطالبت الجمعية كذلك الحكومتين: المغربية، والإسبانية بتحمل مسؤوليتيهما: السياسية، والدبلوماسية، في حماية المهاجرين المغاربة من الانتهاكات المتكررة.
أما التنسيقية الأوروبية لمنتدى حقوق الإنسان بشمال المغرب، فوجهت نداءً عاجلًا للبرلمان الأوروبي، محذرةً مما وصفته بـ"تصاعد خطير للاعتداءات العنصرية" ومنددةً بتواطؤ بعض السلطات المحلية الإسبانية، وكذلك الصمت المقلق للدبلوماسية المغربية، وشددت التنسيقية على أن هذه الاعتداءات تمثل تهديدًا مباشرًا للقيم الأوروبية القائمة على التعايش والعدالة والكرامة الإنسانية.
تحالفات اليمين المتطرف وتغذية الكراهية
يؤكد مراقبون أن صعود أحزاب اليمين المتطرف مثل حزب "فوكس"، وتحالفه مع الحزب الشعبي الإسباني، لعب دورًا بارزًا في تأجيج الخطاب العدائي ضد المهاجرين، حيث يُوظَّف خطاب الكراهية سياسيًا كأداة شعبوية لحشد الأصوات على حساب قيم العدل والتنوع.
التنسيقية الأوروبية أشارت إلى أن بعض المسؤولين المحليين في مورسيا أسهموا بشكل مباشر في تغذية الأجواء العدائية عبر تصريحات تحريضية، أدت إلى سلسلة هجمات منسقة ضد أسر مغربية ومغاربية.
قصص ضحايا الكراهية
بحسب شهادات جمعها ناشطون حقوقيون محليون، تعرّضت عائلة مغربية في الأسبوع الماضي لاعتداء جماعي؛ حيث اقتحم ملثمون منزلهم ليلاً وحطموا النوافذ والأثاث وكتبوا عبارات عنصرية على الجدران، كما أُضرمت النار في متجر صغير يملكه مهاجر مغربي، في حين هُدِّد أبناؤه في طريقهم إلى المدرسة.
ضحايا هذه الاعتداءات لا يعيشون فقط الخسائر المادية، بل يعانون يوميًا خوفًا وجوديًا على حياتهم وحياة أبنائهم. إذ تعكس هذه الوقائع واقعًا أكثر قسوة من مجرد “مناوشات”؛ إنها تعبير عن كراهية منظمة تغذيها خطابات سياسية وتحميها أحيانًا نظرات التجاهل أو الصمت الرسمي.
تقارير أممية وتحذيرات دولية
في تقريرها السنوي الأخير، حذّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان من “تصاعد مقلق للعنصرية الممنهجة ضد المهاجرين في أوروبا، خاصة في سياق الأزمات الاقتصادية وتنامي الخطابات اليمينية المتطرفة”، وأشارت المفوضية إلى أن السياسات التمييزية، وفشل جهود الاندماج يضاعفان من هشاشة أوضاع الجاليات المغاربية.
من جهته، طالب الاتحاد الأوروبي حكومات الدول الأعضاء بتعزيز تدابير مكافحة خطاب الكراهية على الإنترنت، وتدريب الشرطة والسلطات المحلية على احترام التنوع الثقافي وحماية الأقليات العرقية والدينية.
جذور تاريخية للعنصرية ضد المغاربة
لا تأتي هذه الاعتداءات من فراغ؛ إذ تعود جذورها إلى تاريخ معقد من العلاقات بين إسبانيا والمغرب، حيث تَرك الاستعمار وخطاب “الغزو” الموروث أثرًا عميقًا في الوعي الجمعي الإسباني، كما أسهمت الأزمات الاقتصادية المتعاقبة في تحويل المهاجرين إلى "كبش فداء"، تُحمَّل عليهم مشكلات البطالة والفقر.
وتشير تقارير بحثية إلى أن الجالية المغربية في إسبانيا، وهي من كبريات الجاليات الأجنبية؛ حيث تجاوز عددها 900 ألف وفق بيانات 2024، تتعرض باستمرار لمستويات مرتفعة من التمييز في سوق العمل والإسكان والتعليم.
بين الدعوات للتحقيق والدعوات للتعايش
في مواجهة هذا الواقع القاتم، تتمسك المنظمات الحقوقية بأمل في إحداث تغيير حقيقي. فقد طالبت التنسيقية الأوروبية البرلمان الأوروبي بإدراج ملف الاعتداءات العنصرية في مورسيا ضمن جدول أعمال لجانه المعنية، وفتح تحقيق مستقل لتحديد المسؤوليات.
كما دعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى تعبئة السفارات والقنصليات المغربية للضغط على السلطات الإسبانية من أجل احترام التزاماتها بموجب الاتفاقات الدولية، ولا سيما الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
هل تكفي التحركات؟
بينما تستمر الدعوات الحقوقية، يبقى السؤال الأهم.. هل يكفي فتح تحقيقات رسمية أو بيانات إدانة لإنهاء دوامة العنف والكراهية؟ كثير من النشطاء يؤكدون أن الحل الحقيقي يبدأ بتغيير جذري للخطاب السياسي والإعلامي حول الهجرة، وتوسيع سياسات الاندماج الاجتماعي، ومحاسبة المسؤولين المحليين الذين يروّجون للكراهية.
أزمة الهجرة وتحديات الاندماج
إسبانيا تُعدّ بوابة رئيسية للمهاجرين القادمين من شمال إفريقيا، حيث تجاوز عدد المهاجرين غير النظاميين القادمين إليها في عام 2023 حاجز 40 ألفًا وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة، بينما تُقدَّر الجالية المغربية المسجلة رسميًا في إسبانيا بأكثر من 900 ألف شخص، يعمل معظمهم في قطاعات الزراعة والخدمات والبناء.
لكن هذه الأرقام تعكس في جانبها الآخر هشاشة كبيرة؛ إذ يعاني كثير من المغاربة من البطالة، وصعوبات الحصول على الإقامة القانونية، ونقص برامج الإدماج الفعّالة، وهو ما يجعلهم أكثر عرضة للتمييز وخطابات الكراهية، خاصة في فترات الأزمات الاقتصادية.
ما يجري اليوم في مورسيا ليس حادثًا معزولًا، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التمييز والعنصرية ضد المهاجرين المغاربة والمغاربيين، إنها تذكرة مؤلمة بأن الكرامة الإنسانية يجب أن تكون دائمًا فوق الحسابات السياسية، وأن حماية الأرواح تبدأ بكلمة “لا” صراحة ضد خطاب الكراهية، قبل أن تتحول الكلمة إلى حجر أو نار.